انتباه المغاربة في مونديال 2022 الذي سيقام في قطر الشهر القادم لن يكون مصدره فقط ضمان المنتخب المغربي لمشاركته فيه والتنافس ضمن المجموعة السادسة إلى جانب منتخبات كندا وبلجيكا وكرواتيا، ولكن أيضا بسبب الإحساس الذي يغمر المواطنين خاصة المقيمين في قطر بكونهم شركاء في هذا الحدث الذي سينضم لأول مرة في دولة عربية، سواء من خلال الفعاليات التي سينظمونها باعتبارهم جالية لها منتخب يمثلها في أكبر تظاهرة كروية عالمية، أو من خلال الاتفاق الذي تم توقيعه بين قطر والمغرب من أجل تكليف الأمن المغربي بحماية المونديال. فلنستمع لردود الفعل.
لم يخف حسن عبيد فرحته وفخره بالاتفاق الذي عقده المغرب مع قطر والذي يتم بمقتضاه تكليف الأمن المغربي بالمساهمة في جهود حماية مونديال 2022 بقطر، والذي سينطلق رسميا يوم 20 نونبر القادم، وهو الاتفاق الذي وقعه عن الجانب القطري العميد إبراهيم خليل المهندي رئيس وحدة الشؤون القانونية والاتصال بلجنة عمليات أمن وسلامة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، وعن الجانب المغربي سفير المملكة بالدوحة محمد ستري.
الفخر
عبيد، الذي يعيش في قطر منذ 60 عاما حيث ولد ودرس وترعرع كمغربي، لم ينسلخ يوما عن جذوره ويشغل اليوم منصب رئيس رابطة الجالية المغربية في قطر، عبر في اتصال أجرته معه «الأيام» عن سعادته بهذا القرار الذي اعتبره وساما على صدر كل المغاربة المقيمين في هذه الدولة الخليجية، مؤكدا المكانة التي أصبح المغرب يحتلها من حيث الصرامة الأمنية التي مكنته من نزع فتيل أية مخططات كيفما كان نوعها، وهذا كان دافعا من الدوافع التي جعلت القطريين يلجؤون إلى خدماته بحكم خبرته الطويلة في تنظيم التظاهرات وضمان حمايتها وإنجاحها.
رئيس رابطة الجالية المغربية في قطر أكد في ذات الاتصال أن المغاربة هناك يستعدون من أجل المساهمة بكل جهودهم للبصم على مشاركة متميزة في هذا المونديال الذي يعتبره فعلا «مونديال العرب» كما لم يفتأ المسؤولون القطريون يذكرون منذ فوزهم بشرف تنظيمه قبل 12 عاما، وهو ما يتأكد اليوم من خلال اللجوء إلى الجهود العربية في إنجاح هذا التنظيم خاصة وأن نجاح قطر هو بمثابة نجاح لكل الدول العربية المشاركة، ومن بينها المغرب الذي يشارك في المنافسات على أرضية الملاعب المونديالية، لكنه أيضا سيكون حاضرا بخبرته في مختلف المناطق ذات الصلة بهذا الحدث، من خلال خيرة من أبناء الوطن الذين سيقع عليهم الاختيار للمساهمة في ضمان أمن وسلامة البطولة، مضيفا أنهم كرابطة للمغاربة هناك يستعدون أيضا من أجل التعريف بالمغرب والتراث المغربي خلال فترة المونديال من خلال فعاليات الجاليات، باعتبارهم ينتمون إلى واحد من البلدان ال32 التي ستلعب هذه النهائيات، ليدعو إلى العمل من أجل التوقيع على مشاركة مشرفة من طرف الجالية المغربية وكذا الجمهور المغربي الذي يرتقب أن يتوافد بكثرة لتشجيع المنتخب الوطني حتى يكون الجميع عند مستوى الثقة التي وضعتها فيهم السلطات القطرية.
أعماري ورسائل التعاون الأمني
محمد أعماري، المقيم في قطر والصحفي بشبكة الجزيرة الإعلامية، أشاد بالاتفاق الذي تم بين المغرب وقطر من أجل تعزيز التعاون الأمني، والمساهمة في تنفيذ الخطط الرامية إلى ضمان الأمن خلال فترة كأس العالم، وضمان سلامة الجماهير واللاعبين والمنشآت الرياضية، معتبرا أنه يعكس مستوى العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين، ويظهر مستوى الثقة المتبادلة بين سلطاتهما، كما يؤكد أن قطر تتعامل مع تنظيم المونديال في أراضيها على أنه حدث يهم كل العرب، وأنه من الجيد أن تكون للبلدان العربية بصماتها ومساهماتها في هذه التظاهرة الرياضية العالمية.
بصفته مواطنا وإعلاميا مغربيا مقيما في قطر، أكد أعماري في حديث مع «الأيام» أنه لا يمكنه إلا أن يبتهج ويفتخر بأن رجال أمن مغاربة سيساهمون في السهر على الأمن خلال المونديال، مع آخرين من دول أخرى شقيقة وصديقة، وعلى رأسها طبعا البلد المنظم قطر التي تعتبر في الأصل دولة آمنة، وتحتل الصدارة في المؤشرات العالمية للأمن والسلامة، ولديها قوانين صارمة وقوات أمن محترفة وفعالة.
ومن شأن هذا التعاون الأمني مع المغرب أن يعزز مستوى الأمن والسلامة ويشعر سكان قطر وضيوفهم في المونديال بمزيد من الأمن والأمان والاطمئنان، فضلا عن أن هذا الاتفاق تأكيد للسمعة الطيبة التي تتمتع بها قوات الأمن المغربية، التي أبانت في كثير من المحطات والمناسبات عن احترافية عالية وفعالية كبيرة واستباقية ذكية، وتشهد بذلك وقائع وملفات عديدة على المستويين الوطني والدولي.
هذه أبرز الأماكن المرتقب حمايتها من الأمن المغربي
أمن المنشآت والملاعب من الملفات الشائكة التي ما فتئت اللجنة العليا للمشاريع والإرث باعتبارها الجهة المنظمة لمونديال قطر 2022 تتداولها منذ فوزها بتنظيم هذه التظاهرة في الثاني من دجنبر 2010، حيث عملت خلال السنوات الماضية على أن تكون هذه المرافق في مستوى تطلعات الجمهور الذي سيبدأ توافده على قطر ابتداء من 20 نونبر المقبل حيث من المرتقب أن يلج الملاعب حوالي 2.3 مليون زائر بحسب عدد التذاكر التي تم الإعلان عن بيعها حتى الآن.
أمن الملاعب
الاتفاق مع المغرب لتدبير الملف الأمني للمونديال سيزيح عن كاهل اللجنة عبئا ثقيلا خاصة في ظل السمعة التي يتمتع بها المغاربة لدى القطريين وقدرتهم على ضبط الأمن، علما أن هناك العشرات من المنشآت التي ستتطلب حماية على مدار الساعة وعلى رأسها الملاعب الثمانية الرئيسية التي ستحتضن المباريات، فضلا عن 40 موقعا للإقامة والتدريب، حيث سيتم توفير العديد من المرافق التي تتيح للمنتخبات حرية الاختيار وفق ما يلائم احتياجاتها، ويفي بمتطلباتها على أكمل وجه، كما أنه من المقرر وضع 32 موقعا لتدريب المنتخبات المشاركة، وموقع واحد للحكام، حيث سيكون تحت تصرف كل منتخب موقع للتدريب وفندق مع ضمان القرب من الملاعب التي ستحتضن المباريات، علما أن مواقع التدريب مجهزة بأحدث التقنيات الفنية، بحيث تضم ملاعب بأنظمة إضاءة وفق أعلى المعايير، مع أرضية من العشب الطبيعي، والاصطناعي، إضافة إلى منطقة مخصصة لممثلي وسائل الإعلام لمتابعة حصص التدريب، وغرف لتبديل الملابس، وأخرى للإسعافات الأولية، وقاعات لإعادة تأهيل اللاعبين، ومركز إعلامي، إضافة إلى توفير شبكات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات.
حماية المنتخبات
مقرات إقامة المنتخبات المشاركة من بين المواقع الحساسة التي ستتطلب جهودا أمنية كبرى خاصة وأن 24 منتخبا من بين 32 تقع الفنادق التي ستوضع تحت تصرفهم ضمن مسافة لا تزيد عن 10 كيلومترات، وبعضها يوجد في أماكن ذات طابع تجاري يجعلها قريبة من المشجعين، ما سيساهم في نوع من التزاحم رغبة في لقاء النجوم المفضلين خاصة بالنسبة للمنتخبات المرشحة لنيل لقب هذه الدورة. فمثلا سيكون منتخب البرازيل، المرشح الدائم لنيل كأس العالم، مقيما في فندق «ذا وستن الدوحة» الواقع في منطقة الخليح الغربي قرب عدد من المولات التجارية، وهي نفس المنطقة التي سيقيم فيها المنتخب المغربي بفندق «ويندهام الدوحة ويست باي»، فيما سيقيم منتخب فرنسا حامل لقب آخر نسخة من كأس العالم في منتجع «المسيلة» غرب وسط الدوحة، فيما اختار منتخب الأرجنتين الإقامة في فندق جامعة قطر والتدرب على ملاعب الجامعة، أما منتخب إنجلترا فيقيم في فندق «سوق الوكرة – تيفولي» البعيد عن الدوحة بحوالي 20 كيلومترا، فيما اختار منتخب الولاياتالمتحدة الإقامة في واحد من أفخم فنادق قطر على الإطلاق وهو «مرسى ملاذ كمبينسكي اللؤلؤة»، أما منتخب قطر الذي يمثل البلد المنظم فاختار الإقامة في فندق «العزيزية» الذي يقع في «الدوحة منطقة أسباير»، علما أن هذه الإقامات تتوزع ما بين فنادق مصنفة وفيلات ومنتجعات وأماكن إقامات غير فندقية، كمباني الأكاديميات الرياضية والإقامات الجامعية، وتتميز بحماية خصوصية المنتخبات وسيتم تزويدها بكل بروتوكولات الأمان اللازمة.
75 كلم من شبكة المترو
مترو الدوحة الذي سيتم استغلاله لنقل مئات الآلاف من الجماهير من الملاعب إلى أماكن إقامتهم أو سفرهم بعد نهاية المباريات المعنيين بها، سيشكل تحديا آخر للمنظومة الأمنية الساهرة على المونديال، خاصة وأن المترو ستزيد ساعات عمله خلال المونديال عن 21 ساعة في اليوم، ويمتد على مسافة 75 كيلومترا عبر ثلاثة خطوط تتضمن 37 محطة، كما يربط بين خمسة ملاعب مونديالية ما سيتيح مشاهدة أكثر من مباراة واحدة في اليوم خاصة في ظل وجود محطات له بقرب ملاعب: المدينة التعليمية والريان وراس أبو عبود ولوسيل وخليفة الدولي، علما أن أطول مسافة بين ملعبين لا تتجاوز 75 كيلومترا وهي التي يصلها أيضا المترو انطلاقا من ملعب الجنوب بمدينة الوكرة وملعب البيت بمدينة الخور.
محمد الطيار الخبير في الشؤون الأمنية: كيف تمت عملية الحسم
محمد الطيار، الخبير في الشؤون الأمنية، أكد في سياق حديثه عن الدلالات التي يحملها إقدام قطر على تكليف الأمن المغربي بحماية المونديال، أن ما ينبغي معرفته قبل كل شيء هو أن الأمن اليوم أصبح يشكل العنصر الأساسي في استقرار الدول وهو المطلب الأول للجميع من أجل استمرار المرافق في تأدية وظائفها
ليس غريبا أن يتم اللجوء إلى المغرب في هذا المجال بالذات من طرف الدول، خاصة بعد أن أثبت جدارته من خلال العديد من التجارب وبعد الإصلاحات العميقة التي عرفتها المنظومة الأمنية منذ تولي عبداللطيف الحموشي مسؤولية إدارتها، خاصة على مستوى تجديد آليات العمل ومجاراة التطورات التي يعرفها المجال وتأهيل وتحفيز العنصر البشري الذي يعد مربط الفرس في تنزيل أية استراتيجية أمنية، فضلا عن اللجوء إلى التكنولوجيات الحديثة، حيث تمت المراهنة على هذه الإصلاحات التي لا يمكن أن تكون هناك نهضة لأي بلد دونها.
لقد أصبح المغرب يتوفر على أجهزة أمنية قوية نجحت في مواجهة مختلف الأخطار بحنكة، سواء تعلق الأم بمواجهة الجماعات الإرهابية، إذ تم إسقاط عدد كبير من الخلايا التابعة لها والتي كانت تخطط لعمليات كبيرة بهدف زعزعة استقرار البلد، أو تلك المرتبطة بتنظيمات كالقاعدة أو داعش أو حتى تلك العميلة للأمن العسكري الجزائري والتي تعمل تحت مسميات عديدة لكن هدفها في النهاية هو نشر الفوضى الأمنية، والتي كانت دائما تواجه بالضربات الاستباقية تساهم في وأدها قبل أن تستفحل أو تخرج عن السيطرة.
الطيار الذي كان يتحدث ل «الأيام» أشار أيضا إلى أن المستوى الكبير الذي حققته منظومة الأمن داخليا كان من الطبيعي أن يسلط عليه الضوء خارجيا، خاصة من طرف بعض الدول التي ترغب في الاستفادة من الخبرات التي تتوفر لدى أجهزتنا سواء تعلق الأمر بتدبير الأمن اليومي أو ضمان الأمن التكنولوجي ومواجهة الهجمات الإلكترونية ضمن خطط تدرج تحت مسمى «الأمن السيبراني» لمواجهة هجمات محتملة قد تطال أية قاعدة للمعلومات ومن بينها مونديال قطر الذي من المؤكد أن المسؤولين عنه لم يختاروا المغرب اعتباطا، ولكن بالنظر إلى النجاحات والصدى الذي وصلهم بخصوص صرامته، ضاربا المثل بالنتائج التي حققها الأمن المغربي ودوره في تثبيت الاستقرار بالمناطق الجنوبية للمملكة، ما جعل افتتاح القنصليات وعددا من المشاريع تجد طريقها نحو هذه المنطقة، بعد أن أصبحت الأمور تسير هناك بشكل طبيعي ما انعكس بشكل كبير على القضية الوطنية، وساهم في بروز مصداقية المغرب وأمنه، وبالتالي، يضيف الطيار، ف «حينما تستعين قطر بالأمن المغربي وأجهزته خاصة المديرية العامة، فذلك ينسجم مع هذه السمعة الدولية التي ترافق الأجهزة الأمنية بشكل عام سواء ما يتعلق بالتصدي لمختلف المخاطر المنظمة مثل الاتجار في المخدرات أو الاتجار في البشر والهجرة السرية، كما رأينا كيف استطاعت هذه الأجهزة أن تلعب دورا كبيرا في الدبلوماسية الأمنية ورأينا أن عددا من الدول التي تربطها علاقات مع المغرب سواء في أوروبا أو أمريكا دائما ما تعقد معنا شراكات في الشأن الأمني، باعتبار أن المغرب أصبح مدرسة لها صيت كبير في هذا الجانب، لذلك فقطر حينما تستعين بالمغرب في تنظيم تظاهرة كبيرة وتحرص على نجاحها فهي تعرف جيدا بمن استعانت».
الطيار قال إنه ومنذ الزيارة التي قام بها عبداللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني لقطر شهر ماي الماضي بمناسبة مشاركة المغرب في معرض «ميليبول قطر 2022»، وتفقده لبعض منشآت المونديال خاصة جولته ب«ستاد لوسيل» الذي سيحتضن نهائي المونديال، وزيارته لغرفة العمليات المكلفة بالتدبير الأمني لبطولة كأس العالم «قطر2022»، فضلا عن المباحثات التي أجراها مع مدير الأمن العام بقطر اللواء سعد بن جاسم الخليفي والتي تمحورت حول موضوع تأمين المباريات والاستفادة من الخبرة الأمنية المغربية في هذا المجال، كان واضحا أن هناك اتجاها من أجل التعاون أمنيا لتأمين المونديال خاصة وأن الحموشي هو أول مسؤول أمني رفيع المستوى يسمح له بزيارة هذه المرافق وتفقدها ما جعل الإعلام القطري بعد تلك الزيارة يعتبرها غير عادية وتنبئ بأن هناك اتفاقا أمنيا وشيكا سيتم توقيعه، علما أن قطر، يسترسل الطيار، كانت قبل ذلك قد فتحت قنوات اتصال في ما يخص تأمين الحدث مع شركات خاصة، لكن زيارة الحموشي لها كان لها وقع خاص في حسم هذه المسألة باعتبار أهمية الرجل في المجتمع الأمني الدولي بشكل عام.
وردا على موضوع ضمان الأمن السيبراني للمونديال، يرى الطيار أن المغرب وقطر واعيان بكون هذا النوع من الهجمات التي تستهدف البرامج المعلوماتية المرتبطة بمثل هذه الأحداث ممكنة الحدوث. وبالتالي، انطلاقا من خبرته، فإن الخطر الذي يهدد المونديال القطري هو إمكانية تعرض منافذ بيع التذاكر ونقط الدخول إلى الملاعب والمرافق الخدماتية الأخرى خاصة المطارات والفنادق، إلى هذا النوع من الهجمات، وبحكم أن المغرب له خبرة كبيرة في هذا المجال تجلت في إنجاحه لمختلف التظاهرات التي نظمها رياضية كانت أو سياسية أو قارية، فإنه برهن عن علو كعبه في مجال حماية أمن المعلومات ما يجعله قادرا على مواجهة أية معضلات قد تواجه المونديال حتى يساهم في نجاحه ويكون عند مستوى الثقة التي وضعها فيه المسؤولون القطريون.