يأتي هذا الحوار مع الأمين العام للتقدم والاشتراكية في مفترق طرق تنظيمي وسياسي، ولذلك تجد الرجل ساخنا في الدفاع عن قناعاته حيث أكد أنه لن يترشح للأمانة العامة لحزبه في المؤتمر القادم، ولكن سيخضع لإرادة المؤتمر الوطني الذي يعتبر سيد نفسه، وهو الذي سيقرر من سيقود الحزب مستقبلا. وانتقد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية حكومة أخنوش مشيراً إلى ضعف تواصلها، ومنبها إلى أن هاشتاغ "ارحل" ليس سوى جرس إنذار يؤكد أنه لا يمكن الاستمرار في سياسة ذر الرماد في العيون، بل ينبغي امتلاك جرأة سياسية لإنقاذ تجربة الحكومة.
باسم الله، نبدأ حوارنا بسؤال قد يبدو سابقا لأوانه لكنه مركزي في سياق إعدادكم للمؤتمر الوطني لحزب التقدم وللاشتراكية: هل سيترشح نبيل بنعبد الله لولاية ثالثة؟
لا يمكن إلا أن أعبر عن أسفي، أنه كلما كان هناك حوار معي أو نقاش كيفما كان، فالسؤال الذي يُطرح ليس كيف هو حزب التقدم والاشتراكية، أو كيف يحضر للمؤتمر الوطني الحادي عشر، وليس ما هو التوجه الذي يعتمده حزب التقدم والاشتراكية، ولكن تكتفون بالسؤال: هل سيترشح هذا العبد الضعيف أم لا؟!
أستاذ نبيل، الأمور بخواتمها، لك كسياسي أن تتوقع أو تنتظر نوعا من الأسئلة، ولي كصحافية إستراتيجية اختيار الزاوية في حواري معك، وأؤمن أنك ديمقراطي وستسمح باختياراتي في توجيه السؤال، والذي أقول إن غايتي منه لا الاستفزاز ولا البحث عن «البوز» بقدر ما أود خبرا صادرا عن فاعله الأصلي..
أنا فقط أردت أن أشاركك نوعا من الشكوى، كفاعل سياسي، من مقاربة العديد من الصحافيين الذين لا ينظرون إلى ما ننجزه كحزب في الواقع، ويتشبثون بما هو أقل أهمية بكثير، وهذا يرسخ فقدان الثقة ويساهم في ترويج أن الأحزاب كلها لا تقوم بواجبها الدستوري، وهذا لا ينطبق على حزب التقدم والاشتراكية.
طيب، ما دمت تُصِرِّين، سأجيبك بصدق، وبنفس الجواب الذي أجبتُ به في اللجنة المركزية الأخيرة: حزب التقدم والاشتراكية ليس حزبا مبنيا على شخص كيفما كان، بمن في ذلك شخصي المتواضع، وبالتالي حزبنا له هوية اشتراكية قوية، لديه مشروع سياسي ديمقراطي تقدمي يسعى إلى بلورته، ولديه قيادة جماعية تميزت دائما بحسها الجماعي. وما قمتُ به شخصيا ما هو إلا استمرار لما قام به من سبقوني، كي تظل القيادة جماعية. فلذلك قلت: لا تحصروا هذا المؤتمر في هذا الأمر، ولذلك أنا أريحكم وأترك الأمر للحزب. وشخصيا لن أقدم ترشيحي. هكذا لخصت الأمر في النهاية.
سبق في الولاية السالفة أن أعلنتم عن عدم تقديم ترشيحكم، وتقدمتم للانتخابات الحزبية، بل إنكم قبل شهور عبرتم عن نوايا مغايرة حين قلتم إنكم لا يمكن أن تنسحبوا هكذا وتتركوا الحزب في الهباء؟
حزب التقدم والاشتراكية واقع وتاريخ وذاكرة مشتركة للمغاربة. وهذه مسؤولية متقاسمة في الحزب بين كل الرفيقات والرفاق، لذا أؤكد لك أن مشروع التقدم والاشتراكية، كما قلت في خلاصة النقاش، هو حزب يعتمد على القوة الجماعية، وعلى التسيير الجماعي، وأنا لن أقدم ترشيحي. والآن على الحزب أن يجد كذات جماعية الحل الأنسب، هل هناك إمكانية؟ ذلك ما أتمناه: أن تفرز قيادة جماعية، ومن داخل القيادة الجماعية يُفرز أمينٌ عام أو أمينة عامة. ومن هنا إلى ذلك الوقت أنا أطلب منكم أن تعفوني، وأتمنى أن يذهب المؤتمر في هذا الاتجاه، وسأسهل عليكم هذه المأمورية. الآن المؤتمر سيبقى سيد نفسه، وله أن يقرر ما يمكن أن يقع خلال أيام المؤتمر. أما أنا فقمت بواجبي وضميري مرتاح…
يبدو أنكم ربحتم رهان آخر اجتماع للجنة المركزية، حتى أن كل شيء مر بالإجماع، مما يجعلنا نتوقع أنكم تسيرون على عكس المؤتمر السابق بلا مشاكل جذرية؟
ما حدث في اجتماع اللجنة المركزية الأخير ليس بعيدا عن أخلاق أطر حزب التقدم والاشتراكية، ويدل على أن هناك عملا كبيرا أنجز من طرف فروعنا ومناضلاتنا ومناضلينا وقيادتنا الجماعية وإعلامنا. فالحزب حاضر بقوة في كل تفاصيل المشهد السياسي، لذلك فما حدث في اللجنة المركزية كان تتويجا لعمل دؤوب ولتضحيات عديدة تتم بشكل جماعي، حيث تمت المصادقة بالإجماع على التقرير السياسي الذي تقدمتُ به باسم المكتب السياسي، وتمت المصادقة بالإجماع أيضاً على مشروع الوثيقة السياسية ومشروع القانون الأساسي اللذين كانا موضوع ندوة صحفية، وتم الاتفاق على تاريخ المؤتمر 11 12 13 نونبر بالإجماع ببوزنيقة، وكذلك على المقرر التنظيمي وعلى مختلف الخطوات المؤدية للمؤتمر. مما يدل على أن هناك عملا كبيراً بُذل وسَمح بتوفير شروط الوحدة الحزبية.
خارج الجواب التقليدي، كل إطار منتم لحزب التقدم والاشتراكية وفق القواعد التنظيمية المحددة يتوفر على أهلية الترشح للأمانة العامة، نود أن نعرف من الأكثر كفاءة في تقديرك للترشح بين أعضاء المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في المؤتمر القادم؟
(مستغربا): هل تعتقدين أنني سأجيبك على هذا السؤال؟!
أنا أعلم أن الأمر صعب، لكن كما لو أنني أريد أن أخمن من سيأتي بعدك؟
لا، لن أجيب على هذا السؤال، لأن ذلك يعني أني أقوم شخصيا بالاختيار والتورط في الانحياز لهذا الطرف أو ذاك في ما يشبه حملة انتخابية مبكرة داخل الحزب. طبعاً لا يمكنني أن أجيب على سؤالٍ من هذا النوع، لأنني دائما أسعى لتوحيد الجهود والذهاب في اتجاه إفراز من يمكن أن يتوفر أو تتوفر ليس بالضرورة على إجماع، بل على توافق عريض. وما يمكنني أن أؤكد لك هو أن الحزب يزخر بكفاءات عالية وطاقات نسائية ورجالية كثيرة يمكنها أن تتحمل هذه المسؤولية. طبعا المنطق يستدعي أن يكون أو تكون من الجيل الأصغر سنا، ونتمنى أن نصل إلى ذلك، فباب الترشيح مفتوح والمقرر التنظيمي يُتيح ذلك، وشخصيا قلتُ إنني لن أترشح، ومن هنا إلى تاريخ انعقاد المؤتمر سوف نرى ما سيحدث.
ما أتمناه، والأهم بالنسبة لي وللحزب، هو الحفاظ على هوية هذا الحزب وعلى مرجعيته الاشتراكية، على قدرته على التكيف مع الواقع المغربي، على مشروعه السياسي، وعلى قيادته الجماعية. على أن نجعل من هذا المؤتمر وسيلة وفرصة لتقوية الأداء الحزبي، والقدرات التنظيمية الحزبية. أما الأمور الأخرى، كالأشخاص والمسؤوليات وهذا هو الفرق بين حزب التقدم والاشتراكية وأحزاب أخرى فما هي إلا أداة لخدمة هذا المشروع وهذه التصورات، وليس العكس حيث يتحول الحزب إلى خدمة مصالح شخصية ذاتية.
كنتم مع ابن كيران قلبا على قلب في الحكومة، واليوم أنتما معا في المعارضة، لماذا لم يحصل بينكما أي تواصل أو تنسيق في المعارضة، هل كان تحالفكما زواجا كاثوليكيا أم هو مجرد زواج مصلحي؟
بصراحة: هل يمكن أن تكون لنا أسئلة مرتبطة باليوم؟
أتكلم عن تواصلكما والتنسيق بين حزبيكما اليوم وأنتما معا في المعارضة؟
التحالف لم يكن مع عبد الإله بنكيران. علاقة الصداقة الموجودة بيني وبين الرجل مبنية على وفاء متبادل، ولا زالت وشائجها موجودة. هذا من جانب، أما التحالف فقد كان بين أحزاب وليس بين أشخاص، وهذا أمر يعود لأزيد من اثنتي عشرة سنة، هذه أشياء تقادمت، هناك أمور أخرى أهم الآن من الأجدر طرحها.
سنأتي إلى كل ذلك، السي نبيل….
على أيٍّ، فالذي كان في ذلك الوقت هو تحدي مرتبط بتعثرات كانت تهدد الفضاء الديموقراطي ببلادنا، وقلنا ذلك في الوثيقة السياسة، وأطلب منك أن تقرئي الفقرة المتعلقة بتحليل تحالفنا مع العدالة والتنمية. ولذلك كانت مشاركتنا فيها فائدة، من خلال مساهمتنا جميعا في السعي نحو تقويم التعثرات التي عرفتها الديمقراطية في نهاية العقد الأول من هذه الألفية. لقد طلبنا من الكتلة الديمقراطية أن تكون حاضرة وأن تقوم بالدور الذي لعبته في التسعينيات، ولم نجد إلا العدالة والتنمية إلى جانبنا آنذاك. ولذلك دخلنا، بعد الحراك والربيع العربي، في عمل حكومي مشترك. وقلنا بأن الدستور الجديد يحتاج إلى من يسعى إلى تفعيله، وبأنه ينبغي أن نستجيب للنداء الذي كان قد وجهه آنذاك بنكيران إلى أحزاب الكتلة كلها. مع الأسف استجاب له حزبان فقط ولم يستجب له حزب آخر، لم يكن ذلك لا زواجا كاثوليكيا ولا زواج مصلحة ولا هو علاقة شخصية، بل هو اتفاق مرحلي على برنامج وأهداف محددة. وقلنا حينها إن الذي يجمعنا مرجعياًّ هو ديباجة الدستور، بمعنى ثوابت البلاد طبعاً، بما فيها الخيار الديمقراطي، والدفاع عن الحريات، والتنوع الموجود في مجتمعنا المغربي، والهوية الوطنية المتعددة الروافد. كل ذلك كان مكتوباً في ميثاق جمعنا مع العدالة والتنمية، بمعنى أن حزب التقدم والاشتراكية لم يقم بأي تنازل عن هويته أو مرجعيته أو مشروعه السياسي، وهكذا اشتغلنا من موقع الحكومة، وحققنا ما استطعنا أن نحققه، خاصة في حكومة عبد الإله بنكيران. وحين رأينا أن حكومة السيد سعد الدين العثماني غير حاملة للإصلاح بنفس القدر ومتضاربة بين أطرافها… وضعنا حدا لذاك التحالف المرحلي بأنْ قررنا مغادرة الحكومة.
أتكلم عن التنسيق بينكم اليوم وبنكيران على رأس حزب العدالة والتنمية وفي المعارضة مثلكم؟
اليوم نوجد في المعارضة، والعدالة والتنمية أيضاً في المعارضة، وكلما تأتَّى لنا أن ننسق حول قضية معينة فإننا نقوم بذلك. ويمكن أن نختلف، واختلفنا فعلاً في العام الماضي حول بعض المواضيع، حيث اشتغلوا لوحدهم واشتغلنا لوحدنا. ولكن عموما نسعى إلى تنسيق جهود المعارضة، وهو تعاطٍ أعتقد أنه ذكي طالما أننا نسعى إلى أن نضغط بالشكل الإيجابي على هذه الحكومة كي تستفيق من السبات التي هي فيه.
هناك فراغ سياسي اليوم، في تقديركم لماذا لم تنجح حكومة أخنوش حتى الآن في ملء الفراغ؟
لأنها حكومة تقول عن نفسها بأنها سياسية، لكنها حكومة فاقدة للنَّفَس السياسي. نحن اليوم أمام تحديات كبرى، فالمغرب حقق مكتسبات بخصوص قضية الصحراء، وهو ما يدفع خصومنا نحو المزيد من المعاكسات، والمزيد من العداء والتخطيط لضرب المغرب.
كيف يمكن أن يواجه المغرب هذا الأمر؟
هذه هي الأسئلة الجوهرية، لا يمكن أن يواجه المغربُ هذا الأمر إلا بمؤسسات قوية، وعلى رأسها المؤسسة الملكية ملتفة حولها القوى الحية للبلاد، وفي إطار السعي نحو تمتين الجبهة الداخلية، من خلال إصلاحات ديمقراطية متقدمة مثلما عرفنا في بداية العهد الجديد، وعبر إصلاحات اقتصادية قوية في سياق النموذج التنموي الذي لم يعد يذكره أحدٌ في هذه الحكومة، ومن خلال إعمال العدالة الاجتماعية فعليا على أرض الواقع (ماشي يقولو لينا فقط راحنا دوزنا بعض المراسيم المتعلقة بالحماية الاجتماعية)، والتي هي ورش ملكي كبير وتاريخي.
بكل موضوعية، نلاحظ أنَّ هذه الحكومة متعثرة. نعم لا ننكر أنها جاءت فعلا نتيجة انتخابات، لكنها انتخاباتٌ لم يشارك فيها جزءٌ كبير من الشعب المغربي الذي يؤمن بالقوى الحية. ذلك أنه لدينا 25 مليون مواطنة ومواطن مفروض أن يكونوا مسجلين في اللوائح الانتخابية، إنما المسجلون فعليا هم 18 مليونا فقط، صَوَّتَ منهم 50 بالمائة. وفي بعض الأحياء بالحواضر الكبرى، كالرباط والبيضاء، لم تتجاوز نسبةُ التصويت 22 أو 23 بالمائة.
ولقد أتت هذه الحكومة بعد انتخاباتٍ، رغم الجهد الكبير الذي بُذل في تنظيمها، إلاَّ أنَّ الاستعمال المكثف للمال أفسد جودتها ونتائجها. وأيضاً لا بد من الانتباه إلا أنها انتخابات لم تَعتمد، عموماً، على عناصر كلها يمكن أن نقول بأنها تشكل أجود وأنزه ما يختزنه الشعب المغربي من طاقات. وهو ما أفضى إلى بعض الصور الفرجوية والمضحكة لأشخاص، سواء في الحكومة أو من داخل البرلمان، غير قادرين حتى على التعبير المستقيم والسليم. وعندما تنشأ حكومة هكذا، فإنها حتما ستكون حكومة غير قادرة عن الدفاع عن مشروعها وتفسيره للمواطنات والمواطنين.
يعيب العديد من المتتبعين على حكومة أخنوش ضعف تواصلها الإعلامي وعدم قدرتها على الدفاع عما تقدمه، كيف تنظرون إلى الأمر؟
حكومة السيد عزيز أخنوش باهتة إعلاميا فعلاً، ومكوناتها الوزارية الأساسية غائبة في الإعلام، تبحث في التلفزيون عن وزير، أو وزيرة، يفسر ما يقوم به للمواطنين، فلا تجد أثراً. أنتم كصحفيين تعانون وتشتكون من كون الأغلبية الساحقة من الوزراء لا تريد أن تتكلم، وهذا يعني أنها حكومة صامتة، لا لسان لها. إضافة إلى أن المشروع الإصلاحي الذي تحمله هذه الحكومة ناقص، بمعنى أنه غير مُفسَّر للمغاربة ولا يتميز بالجرأة الضرورية.
هناك تناقض صارخ بين التحديات المطروحة علينا في المنطقة التي ننتمي إليها، وبين الشعارات التي أطلقتها هذه الحكومة. أما المشروع التنموي الجديد فلا يتكلمون عنه الآن، و»الدولة الاجتماعية» أعطوها مفهوما ضيقا، لأنه مفهوم لا يرتبط بجيناتهم. هذه حكومة لديها توجه ليبرالي، وهناك تناقض بين شعاراتها وبين عملها الفعلي.
أنتم كذلك، من خلال سؤالكم، تقرون بأنها حكومة ضعيفة، لأن هذا الشائع عليها في المجتمع، نحن نريد لها اليوم أن تخرج من هذا السبات، وأن تتصرف بجرأة وحس سياسي حقيقي. وهذا الانتماء الحزبي الذي يتحدثون عنه يجب أن يظهر، وأن يتكلم عنه الأمناء العامون والمكونات الأساسية لهذه الأحزاب، وعليهم أن يحضروا في الإعلام، وأن يعبئوا المواطنات والمواطنين حول إصلاحات قوية ومدققة وذات وقع على المعيش اليومي للمغاربة، ويجب عليهم أن يشتغلوا، لأنهم قالوا لنا في البداية «نحن لا نتكلم، نحن نعمل»، طيب لم تتكلموا لمدة سنة، ولكنكم لم تعملوا أيضا، حيث إذا أعدت عليك السؤال وقلت لك: ماذا فعلت الحكومة؟ ستجدين بالتأكيد صعوبات في أن تذكري لي أربعة أو خمسة أمور أساسية قامت بها هذه الحكومة.
رفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ «ارحل» في وجه أخنوش وتم التفاعل معه بشكل واسع، هل يعبر هذا عن سخط اجتماعي أم عن ارتباط أزمة الحكومة برئيسها؟
أولا، أريد أن أؤكد لك على شيء: تلاحظين بأنني في كل خرجاتي الإعلامية لا أتكلم عن الأشخاص، بما في ذلك شخص رئيس الحكومة. بمعنى أن ما يهمني هو الأداء الجماعي لهذه الحكومة كمؤسسة، وما تقوم به أو ما لا تقوم به. بالطبع عندما يكون هناك فراغ، وعندما يكون الحضور السياسي باهتا، والحضور الإعلامي شبه منعدم، فالفراغ يُحدث ردود فعل، من قِبل مجموعة من الأفراد والأوساط، بدون أن تكون مؤطَّرة وليس بالضرورة كما تتصور بعضُ مكونات هذه الحكومة. وسواء كانت هذه الحملة موجَّهة أو كانت جهة ما تحركها من الوراء، أو كانت تعبيرا عفويا، فإنه يتعين أن تثير انتباه هذه الحكومة، برئيسها ووزيراتها ووزرائها، حول ضرورة ملء هذا الفراغ بالخطاب والحضور الإعلامي، لكن أساسا من خلال المبادرات والإصلاحات، وتفسير الأمر للمغاربة، حتى ولو كانت هذه الإصلاحات مُرّة ومؤلمة وشاقة. وليوضحوا إنْ كانوا سيصلحون صندوق المقاصة أو صندوق التقاعد، أو إذا كانوا سيصلحون فضاءات اجتماعية، أو الحكامة، أو سيحاربون الرشوة والريع… وبأيِّ مقاربات ووسائل.
عسى أن تدفع هذه الحملة، أو الهاشتاغ، الحكومة إلى أن تستفيق من سباتها، وأن تفهم بأنه لا يمكن أن تجيب المغاربة بأننا «لا نتكلم، نحن نعمل»، لأن المغاربة لم يروا لا كلامًا ولا عملاً من حكومة السيد عزيز أخنوش.
بالمقابل أيضا يشتكي المواطنون من غياب معارضة وازنة ولها مقترحات بديلة بدل المعارضة من أجل المعارضة؟
أُنظري الآن إلى الإعلام أو البرلمان، وإلى التحرك على مستوى المبادرات. ستجدين أن حزب التقدم والاشتراكية حاضرٌ بقوة. وقد قدم فريقنا قبل أيام رصيده في مجلس النواب، من خلال مئات الخطوات الرقابية والأسئلة الكتابية والشفوية التي همت كل القطاعات، وعشرات المبادرات التشريعية في شكل مقترحات قوانين، واقتراحات عملية وملموسة، وأعمال على صعيد تقييم السياسات العمومية والديبلوماسية البرلمانية، وغير ذلك كثير.
وبمناسبة مناقشة التصريح الحكومي وقانون المالية وجلسات مساءلة رئيس الحكومة، نتقدم ليس فقط بانتقادات بل ببدائل. أعطيك مثالا، بالنسبة لارتفاع الأسعار على عهد هذه الحكومة التي تقول فقط بأن الأمر يتعلق بظاهرة عالمية، والمحروقات ارتفعت في العالم كله لأن هناك حرباً في أوكرانيا، وقد دعمنا أصحاب النقل… فقد قلنا إن هذا ليس كافيا، وقلنا، ليس على سبيل الديماغوجيا، بل على سبيل الاقتراح المشابه لما قامت به دول عديدة، بما فيها الدول القريبة منا والأوروبية، قلنا لهم: يمكن أن تستعملوا الآليات الضريبية والجمركية لكي تخفضوا من الأسعار، بمعنى أن تقلصوا قليلا من المداخيل، وأنت تعلمين بأن هذه الحكومة أدخلت أكثر بكثير من 20 مليار درهم في هذه السنة كمداخيل إضافية لم تكن تنتظرها. يقولون إنهم وجهوها لقطاعات اجتماعية ولصندوق المقاصة، لكن كان بإمكانهم أن يُخرجوا منها على الأقل 2 أو 3 أو 4 ملايير درهم لدعم الأسر المحتاجة. كما قلنا لهم أن يخفضوا هامش أرباح الشركات النفطية، وهذا ليس اقتراحا ثوريا أو غارقا في الاشتراكية، فألمانيا التي هي دولة ليبرالية عملت به، وفرنسا وإسبانيا عملتا به أيضاً. لكن، مع الأسف، الحكومة تولي ظهرها لكل الاقتراحات. تقدمنا أيضا باقتراحٍ عملي حول مصفاة «لاسامير» وكيف يمكن أن نعيد تشغيلها، لكن الحكومة لا تريد أن تسمع، وتحتفظ بما تقوم به، أو بالأحرى بما لا تقوم به.
إذن، أريد من خلالكم أن أؤكد مرة أخرى: نحن نتقدم باقتراحات باستمرار حول جميع القطاعات وجميع القضايا، ولكن الحكومة لا تنظر إلى ذلك… المعارضة اليوم كلها لديها 120 نائبة ونائباً في مجلس النواب، فبالتالي تقوم بما يمكن أن تقوم به كأقلية مُعارِضة. وربما نحن الحزب الوحيد الذي يصدر البلاغات والمواقف أسبوعيا، وينبه وينتقد ويقترح، وهذا بالدليل تجدونه موثقاً في مواقعنا. «ماشي يقولوا إن المعارضة غير موجودة». نحن نقوم بأكثر من جهدنا، ونحاول أن نساهم في الحركة الاجتماعية، وأن نعبئها ونؤطرها، وذلك من أجل أن تنصت هذه الحكومة. نعترف بالنقائص وبأنَّ ذلك غيرُ كافٍ، ولكننا نقوم بما يمكن أن نقوم به.
نحن أمام دخول سياسي نوعي بحكم الملفات المتوقعة، في ذات الآن الذي تم فيه الحديث عن تعديل حكومي هل هناك من رابط سياسي بين الحدثين؟
تكلمتِ قبل قليل عن الهاشتاغ، وعن الواقع الذي يقف على مظاهر مرتبطة بتضارب المصالح وارتفاع أسعار المحروقات، وبعدم قدرة الحكومة على مواجهة هذا الواقع. لاحظي أنه في الوقت الذي كانت فيه الانتقادات الموجَّهةُ إلى هذه الحكومة تتصاعد، خرج خبر التعديل الحكومي في وسيلة إعلامية أجنبية، واستندت إليها مجموعة من المواقع هنا في المغرب، وهذا غريب جدا. منذ أن صدر الخبر اتصلت بي بعضُ وسائل الإعلام، وقلت إنه ليس هناك أيُّ تعديل حكومي، والدليل على هذا هو أنه مر شهر غشت ولم يقع أي شيء، ونحن في الأسبوع الثالث من شهر شتنبر ولا أثر لأي تعديل. وحتى إذا افترضنا أن هناك تعديلاً قريباً، فالمغاربة لا ينتظرون تغيير وزير أو وزيرة بمن سُمِّيَ بكفاءة أخرى، دون أن يكون له أو لها انتماء حزبي أو أي نشأة حزبية، كما وقع بالنسبة لعدد كبير من الوزراء الحاليين. المغاربة ينتظرون الأهم، أي تغيير السياسات والتوجهات، وينتظرون الجرأة السياسية بأعمال إصلاحية وبقرارات جريئة. أما أن يغيروا هذا بذاك، ويظلوا في نفس الاتجاه، فلن تكون هناك نتيجة.
للأسف، فتغيير السياسيات لا يظهر حتى الآن. ونحن على مشارف تقديم مشروع قانون مالي في 2023 ولا إبداع حكومي للحلول يبدو في الأفق. وأذكركم بأن جزءً كبيرا من الوعود التي تقدمت بها أحزاب الأغلبية، وخاصة الحزب الذي يقود الحكومة، هي وعود لم نر لها وجوداً لحد الآن. أين هو الدخل الأدنى بالنسبة للأسر الفقيرة!؟ أين هي الزيادة في الأجور لمجموعة من الفئات!؟ وهي أشياء كتبوها في برنامجهم. وأين هي الزيادة في التقاعد!؟ وهنا لا أتحدث عن ذر الرماد في العيون كما فعلوا مؤخرا بالحد الأدنى للأجر، بل أتحدث عما وعدوا به من أن هناك دعماً قدره 1000 درهم للأشخاص المسنين وللأرامل الذين لا دخل لهم. فليقولوا لنا متى وكيف!؟ سيجيبون بأن الظروف العالمية لا تساعد. طيب قولوا للمواطنين متى ستبلورون وعودكم الانتخابية. ليس في 2023، هل ستتحقق في 2024 أو 2025؟! وفي أي سياق؟! هذا ما يهمنا، أما التعديل فلا مجال لles effets de manches، بمعنى أن المظاهر التي تسعى إلى أن تخفي الواقع وتغلفه بأمور مصطنعة تواصلية فقط، فهي لا تدوم، والذي يدوم هو المعقول فقط. علما بأن هذه الحكومة لديها أغلبية مريحة، وما زالت أمامها أربع سنوات. فإذا أجرت على نفسها تعديلا اليوم، ماذا ستفعل غدًا؟! إذا لم يغيروا سياساتهم وظل السخط لدى المواطنين، هل سيجرون تعديلا آخر؟! كم من مرة سيعدلون هذه الحكومة!؟ السياسة تقتضي الكثير من الجدية، فانتبهوا.
تلتقون باستمرار بالأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة، ولكم اتصالات بالعديد من الفاعلين من داخل الحكومة، ألا تنجحون في توصيل تنبيهاتكم ورسائلكم؟
ما يميز الساحة المغربية، وما يميز حزب التقدم والاشتراكية، وما يميز العلاقات التي يمكن أن تكون لديَّ كذلك مع عددٍ من المسؤولين، هو أن الاختلاف لا يفسد للود قضية. لدي علاقات طيبة تقريبا مع كل المسؤولين الأولين للأحزاب الوطنية المغربية، نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال صديق أكاد أنتمي وإياه إلى نفس الجيل، وأعرفه منذ زمن بعيد، وبالتالي نلتقي كلما أتيحت لنا الفرصة لمناقشة هذه الأوضاع. نلتقي، بشكل غير رسمي، ببيته أو في بيتي. ويمكنني أن أقول لك إنني ألتقي باستمرار مع السيد عبد اللطيف وهبي، وتربطني به علاقة صداقة، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك اختلافٌ بيننا. طبعاً هناك اختلافات بحكم موقع كل واحد منا اليوم، والصداقة تستمر. ومن حسنات ذلك فعلاً أن تكون هناك قنوات لإيصال رسائل. هل تصل هذه الرسائل أم لا تصل؟ هل لديها فوائد؟ هل تتبلور إلى أمور ملموسة، ذلك موضوع آخر.