* محمد كريم بوخصاص على أنقاض نووية تشكلت الجزائر الحالية، وذلك في إطار صفقة سرية بين الرئيس الفرنسي شارل دوغول وجبهة التحرير الوطني الجزائرية. يبدو الأمر خياليا، لكن كتابا فريدا صدر مؤخرا بعنوان "من المستفيد من التجارب النووية في الصحراء؟" لصاحبه عالم الأنثروبولوجيا شكيب عبد السلام، كشف الحقيقة الغائبة عن كثيرين، وهي أن إلحاق الصحراء الشرقية للمملكة بالجزائر جاء في إطار استصدار "موافقة" بحثت عنها باريس في الرباط لكنها لم تجدها، تقضي بقبول إجراء تجارب نووية قاتلة.
"الأيام" تعود سنوات للوراء لإعادة كتابة فصول أخطر قصة غيرت وجه المنطقة، وبوصلتها كتاب شكيب عبد السلام المنحدر من قبائل الطوارق التي استوطنت الصحراء الكبرى وكان ولاؤها مطلقا للمملكة الشريفة، والذي قضى سنوات في جمع الأدلة عن أخطر عملية تفويت لأرض الغير.
26 أبريل 1986. حبس العالم أنفاسه وظهر الوميض الفاصل بين البقاء والفناء، بعد أن تلبدت سماء أوروبا بغيوم إشعاعية جراء انفجار مفاعل نووي في محطة «تشيرنوبل» النووية الواقعة شمال أوكرانيا السوفياتية، وسرعان ما تجاوزت حدود روسيا وبيلاروسيا إلى دول أخرى في أوروبا الغربية.
أضفى توقيت الانفجار سوريالية على المشهد، خاصة أنه تزامن مع مرور ثلاثة عقود على استخدام السلاح النووي لأول مرة في التاريخ، حين قصف الأمريكيون هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بقنبلتين ذريتين نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن تضافر الجهود جعل العالم يجتاز أخطر كارثة نووية ناتجة عن انتشار إشعاعات نووية على نطاق واسع.
وها هي البشرية اليوم تستفيق بعد مرور ثلاثة عقود أخرى – على وقع تحذير من كارثة «تشيرنوبل» جديدة جراء اشتداد القتال على مقربة من هذه المحطة النووية الأشهر في الشمال الأوكراني، والتي أصبحت خاضعة لسيطرة موسكو منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي.
هذا الاستنفار العالمي بشأن «تشيرنوبل» لم يظهر له أثر حين فجرت فرنسا – بتعاون مع إسرائيل – 17 قنبلة ذرية وأزيد من 40 قنبلة كيماوية وجرثومية على مدار ست سنوات في شمال إفريقيا غيرت جغرافية المنطقة.
يتعلق الأمر بالصحراء الكبرى التي كانت جزءا لا يتجزأ من تراب المملكة الشريفة، والتي اقتطعتها فرنسا لحساب الجزائر، وكانت تشمل أقاليم ورفاة وتدلكت وزاوية مولاي الحسن والهكار وأدرار الشرقية وعين صالح وركان وتوات وتيميمون وكورارا وغيرها، التي كانت مسرحا لدراما إنسانية تاريخية غيرت جغرافيا المنطقة بالكامل وتجاهلها الرأي العام الدولي بشكل طوعي وإرادي، حتى أعادها للذاكرة كتاب جديد لعالم أنثروبولوجي ينحدر من قبائل الطوارق التي عمرت المنطقة لقرون، اسمه شكيب عبد السلام، جمع 163 وثيقة شكلت فصول قصة ظلت طي الكتمان رغم أنها أحدثت تغييرات جيواستراتيجية بالمنطقة.
بدأت القصة غداة ميلاد الجمهورية الفرنسية الخامسة في 4 أكتوبر 1958، والتي تستمر حتى اليوم، حين رفع الرئيس المؤسس الجنرال شارل دوغول شعار «من أجل عظمة فرنسا»، وقد أدرك أن تحقيقه لن يمر سوى عبر دخول بلاده نادي «القوى النووية»، ليتولد القرار الاستراتيجي لباريس بإطلاق التجارب لصناعة قنابل نووية وكيماوية وجرثومية.
وقع اختيار دوغول على الصحراء الكبرى التي تدين بالولاء للمملكة الشريفة لإجراء التجارب النووية، عبر تأسيس قواعد تجارب في منقطتي «ركان» (Raggane) و»إن كر» (InEkker) بمشاركة علماء إسرائيليين.
لم يمض سوى عامين حتى تحولت فرنسا إلى قوة نووية، بعد نجاحها في تفجير أول قنبلة ذرية حوالي الساعة السابعة صباحا و4 دقائق و20 ثانية من يوم 13 فبراير 1960، تحت اسم «الجربوع الأزرق» بمنطقة ركان، عادلت قوتها 4 أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان (1945)، ووصل الغبار الملوث بالإشعاع المتولد من انفجارها إلى الرباط غربا وبلدان غرب أوروبا شمالا وبلدان إفريقية جنوب الصحراء.
رغم قوة الانفجار الذي سمعه العالم، صمت قادته، ووحده السلطان محمد الخامس رفع صوت التَحَدّى، وفق المعلومات التي كشفها الكتاب مدعومة بوثائق رسمية، حيث وجه سفير المملكة الشريفة بباريس إلى تقديم احتجاج رسمي للرئيس الفرنسي، فيما لم يصدر عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية أي رد فعل على ما حصل لكون مواقع التجارب النووية (الصحراء الكبرى) غير تابعة لها من جهة، ولانشغال قادتها بإكمال اتصالاتهم الأولى مع فرنسا التي انطلقت عام 1956، وتأخرت بسبب سقوط الجمهورية الرابعة، قبل أن تُستأنف في ميلون ولوغرين، ثم في ليس روس، ليجري توقيع الاتفاقيات أخيرًا في إيفيان.
مع ذلك استمرت فرنسا في تجاربها النووية في مركز الصحراء للتجارب النووية (GSEM) الذي أقامته في منطقة ركان البعيدة ب700 كيلومتر عن تافيلالت، حيث فجرت في نفس السنة قنبلتين ذريتين جديدتين فوق الأرض، الثانية في 1 أبريل حملت اسم «الجربوع الأبيض» والثالثة في 27 دجنبر تحت اسم «الجربوع الأحمر»، وأخرى في السنة الموالية (25 أبريل 1961) تحت اسم «الجربوع الأخضر» تعادل قوتها 7 مرات قنبلة هيروشيما، وكانت الشحنة التفجيرية إما مثبتة على دعامة معدنية وإما موضوعة على الأرض.
لم تنته التجارب النووية الفرنسية الإسرائيلية عند هذا الحد، فقد استمرت بتفجير 13 قنبلة ذرية أخرى، لكن هذه المرة تحت الأرض داخل أنفاق حفرت في جبل في «إن كر» في منطقة الهكار، إلى غاية 16 فبراير 1966.
الجزائر على أنقاض النووي !
لم يكن ممكنا أن تبدأ فرنسا تجاربها النووية الخطيرة دون تخطيط، فقد وُضِعت على مكتب الرئيس شارل دوغول خمس خطط، أماط الكتاب اللثام عنها، حيث نصت الخطة «أ» على الاحتفاظ بالصحراء فرنسية سواء بموافقة المغرب أو بدونه، لكن تبين سريعا صعوبة الاستمرار في هذا المسار في ظل النضال المغربي المعلن لاسترجاع كل ترابه، فتم اللجوء إلى الخطة «ب» التي كانت تفترض الاتفاق مع السلطان محمد الخامس على إقامة تجارب نووية في مناطق توات وتيديكلت وهكار مقابل رد الصحراء إلى المغرب، غير أن السلطات الفرنسية تلقت ردا فوريا من السلطان الذي عبر عن التزام بلده باتخاذ تدابير وقائية عملية لحماية سكان الصحراء المغربية الشرقية الذين تتعرض حياتهم للخطر، انطلاقا من المبدأ القائم على حماية حياة أي فرد من التهديد جراء الأعمال الإجرامية.
أمام الفشل الذريع للخطتين سالفتي الذكر، لجأت فرنسا إلى الخطة «ج» التي تقضي بنزع السيادة المغربية عن الصحراء وربطها بالصحراويين، لكن تطبيقها لم يكن ممكنا في ظل تعبير سكان القبائل عن ولائهم المطلق للمغرب، لينطلق مسلسل تجريب الخطة «د» القائمة على إنشاء دولة صحراوية مستقلة، لكنها واجهت نفس المصير بعد إعلان قبائل الصحراء الكبرى ولاءها للسلطان.
وهنا، لم يبق أمام دوغول سوى اللجوء إلى الخطة الأخيرة الموضوعة من فريقه، وهي تقديم اقتراح إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، بعد الضغط النفسي على قادتها، يهم ضم الصحراء الكبرى إلى الجزائر مقابل السماح لها بإجراء التجارب النووية فوقها، وتقاسم الثروات الطبيعية (النفط، الغاز، الذهب) التي تزخر بها بنسبة 50 في المائة لكل بلد، فوجدت باريس الموافقة المطلوبة ليُدرج هذا الاتفاق في اتفاقية إيفيان الموقعة يوم 18 مارس 1960 والتي مهدت الطريق لاستقلال الجزائر في 3 يوليوز 1962.
الموقف الجزائري أحدث صدمة في الرباط وحَوَّلَ المنطقة وسكانها إلى فئران تجارب لأخطر سلاح يهدد البشرية بالزوال، مما دفع شكيب عبد السلام للقول في كتابه الثمين: «لقد كان ثمن هذه المساومة السرية بين الطرفين هو إلحاق الصحراء بالكيان المستقبلي الذي سَيُطلق عليه اسم الجزائر دون علم سكان الصحراء، وتشويه سمعة الموقف المناهض للأسلحة النووية لسلطان المغرب محمد الخامس».
لم تنتظر فرنسا تنفيذ الاتفاق لتمضي في تجاربها، فقد نفذت 6 تجارب نووية في ظل استمرار استعمارها للصحراء، واستكملت بقية التجارب بعد خروجها الرسمي من الجزائر، لتتقمص الدولة الفرنسية وجبهة التحرير الجزائرية البطولة «في هذه الدراما البشرية التي كان ثمنها هو الصحراء بخيراتها»، بتعبير شكيب بنعبد السلام الذي استحضر ببراعة كل الجوانب الخفية في هذه الجريمة النكراء التي استهدفت البحث عن الطاقة النووية الفرنسية والإسرائيلية على حساب ملايين البشر والنظام البيئي.
هكذا خاطب محمد الخامس الرئيس الفرنسي: ندين التجارب النووية على أرض نعتبرها جزءا لا يتجزأ من مملكتنا
من الوثائق النفيسة التي تضمنها الكتاب، رسالة وجهها السلطان محمد الخامس إلى الرئيس الفرنسي شارل دوغول مؤرخة ب 19 أبريل 1960، يعبر فيها عن إدانته الشديدة للتجارب النووية، ويؤكد على مغربية الصحراء الكبرى التي نفذت فيها باريس تجاربها النووية قبل أن تضمها إلى الجزائر.
ونظرا لأهمية هذه الرسالة التاريخية، قمنا بترجمتها للعربية ونشرها كاملة:
«تلقينا في 4 أبريل الرسالة التي أرسلتها إلينا في 29 مارس 1960 لإبلاغنا شخصيًا بقرارك بإجراء تجربة نووية جديدة في الصحراء اعتبارًا من 31 مارس. نود أن ننتهز هذه الفرصة لأذكركم – بمنتهى الصراحة والود اللذين ميزا علاقاتنا دائمًا – بموقفنا تجاه هذه المشكلة.
نعتقد أن سباق التسلح النووي والتجارب النووية التي يتم إجراؤها تشكل خطرا جسيما على البشرية جمعاء. إنها تولد أيضا شعورا بالخوف في جميع أنحاء العالم وتثير عدم الثقة والشك في العلاقة بين الرجال والشعوب. مثل هذه التجارب بغض النظر عن الدولة التي تقوم بها وبغض النظر عن سلطتها. نحن نستنكرها وندينها أكثر لأنها تحدث في مناطق مأهولة وعلى أرض نعتبرها جزءًا لا يتجزأ من مملكتنا. نطلب من سعادتكم استقبال أطيب تحياتنا والإيمان بصداقتنا وتقديرنا العالي».
الإشعاع النووي وصل إلى الرباط بعد تفجير أول قنبلة نووية
من المعلومات الصادمة عن التجارب النووية الفرنسية الإسرائيلية في الصحراء الكبرى، تلك المتعلقة بتفجير أول قنبلة نووية صباح يوم 13 فبراير 1960 في قاعدة التجارب العسكرية بمنطقة ركان، وحملت اسم «الجربوع الأزرق» (مستوحى من أحد أنواع القوارض الصحراوية)، حيث أظهرت خريطة سرية للجيش الفرنسي تعود إلى العام 1960 رفعت عنها السرية في 4 أبريل 2013، بعد حوالي نصف قرن، الجدول الزمني للتساقط الإشعاعي للقنبلة النووية الأولى.
وتوضح الخريطة أن الغبار الملوث بالإشعاع النووي المتخلف من الانفجار وصل إلى مناطق شاسعة بوسط وغرب إفريقيا (النيجر، تشاد، نيجيريا ومالي والسنغال وموريتانيا)، حتى جمهورية إفريقيا الوسطى، إضافة إلى شمال إفريقيا (المغرب وليبيا) وأوروبا الغربية من إسبانيا إلى بلجيكا وصولا إلى الدول الإسكندنافية.
ونقل كتاب بنعبد السلام مقطعا من تقرير نشرته جريدة «لوبارزيان» الفرنسية حول تحليلها للخريطة التي رفعت عنها السرية، جاء فيه: «تُظهر خريطة للجيش الفرنسي لعام 1960 أن التداعيات الإشعاعية من أول تجربة نووية فرنسية في الصحراء الكبرى كانت أكبر بكثير مما اعترف به في ذلك الوقت، وامتدت إلى كل غرب إفريقيا ووسط إفريقيا وجنوب أوروبا»، وأضاف: «تُظهر هذه الخريطة بوضوح أنه حتى اليوم الثالث عشر بعد انفجار قنبلة الجربوع الأزرق كانت التداعيات الإشعاعية قد امتدت إلى غرب إفريقيا والجنوب الشرقي، وكذلك في الشمال عبر المغرب العربي، ثم على الساحل الإسباني وصقلية، وذلك بخلاف ما أعلنه الجيش الفرنسي من أن التداعيات ستبقى محصورة في الصحراء».
وتابع تقرير «لوبارزيان»: «يمكننا بالتالي أن نرى أنه بعد 13 يومًا من تفجير القنبلة وصل الغبار الإشعاعي إلى الساحل الإسباني وغطى نصف صقلية (…)، الجنود يدركون أنه في بعض الأماكن تم تجاوز معايير السلامة بشكل كبير، حيث تلوثت المياه في بلدة ركان بالقرب من تمنراست، وجفت مياه بحيرة في العاصمة التشادية نجامينا».
وبالرجوع إلى تحليل خريطة الجيش الفرنسي، يظهر أن الغبار الملوث بالإشعاع النووي اقتصر في اليوم الأول على محيط المنطقة التي وقع فيها الانفجار قبل أن يمتد في اليوم الثاني بفعل الرياح إلى وسط الجزائر وصولا إلى ليبيا شرقا والنيجرونيجيريا وإفريقيا الوسطى جنوبا، بينما غطى مساحات واسعة من الجنوب المغربي في اليوم الثامن وصولا إلى موريتانيا والسنغال، ووصل إلى حدود الرباطوجنوب إسبانيا وفرنسا في اليومين الثاني عشر والثالث عشر.
سرّ حفيد الأمير عبد القادر الذي سقط في الحبال
رسم عبد الرحيم مكاوي في حديثه مع «الأيام» صورة عن شخصية حفيد الأمير عبد القادر «عبد الرزاق عبد القادر» الذي ولد في دمشق سنة 1914 ونشأ وانخرط في الحزب الشيوعي الفرنسي، وتحول إلى قائد بارز في جبهة التحرير الوطني الجزائرية قبل أن يتبنى الصهيونية ويعتنق اليهودية ويستقر بإسرائيل سنة 1963 إلى أن لقي حتفه سنة 1998 في إحدى المستوطنات الإسرائيلية.
لا توجد معلومات عن هذه الشخصية الجزائرية في المصادر المفتوحة، لكن مكاوي يقول إنه توصل إلى الخيوط التي ترسم شخصية عبد الرزاق المجهولة، والتي تتجاوزها إلى تقديم فكرة عن دور خفي لإسرائيل في تأسيس الجزائر، تظهر معالمها في البعثات العسكرية والمخابراتية الإسرائيلية التي كانت تقصد الجزائر على مدار عقود للإشراف على التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الكبرى، لدرجة أن أول قنبلة نووية لإسرائيل نجح اختبارها في الصحراء.
وبحسب المعلومات التي أوردها مكاوي، فإن عبد الرزاق عبد القادر ترعرع في وسط بورجوازي بدمشق بحكم أنه كان «أميرا»، وتابع دراسته في أرقى المدارس الفرنسية في الشرق الأوسط التي كانت تشرف عليها الكنيسة الكاثوليكية والرهبنة الفرانسيسكانية، بينما تابع إخوته دراستهم في الأكاديمية العسكرية الفرنسية «سان سير» وتخرجوا منها ضباطا كبارا في الجيش الفرنسي، شاركوا في كل الحروب الفرنسية، وقتل أحدهم في حرب الهند الصينية سنة 1952. أما أبوه فهو محمد سعيد الجزائري الحساني الذي كان سمسارا وتاجرا في الضيعات العربية التي بِيعَت للصندوق الوطني اليهودي أحد فروع الصهيونية العالمية.
بعيدا عن أبيه وإخوته، حصلت تحولات كبرى في مسار حفيد عبد القادر، أولها سنة 1930 حين أصبح شيوعيا ماركسيا، وثانيها سنة 1937 لما سافر إلى مستوطنة يهودية بفلسطين تسمى «عين كيب» وأصبح ناشطا في محاربة النازية في أوساط اليسار الفرنسي، وثالثها عندما انخرط في الشبكة السرية للمقاومة في سوريا ولبنان ضد الشريف حسين.
لكن التحول الأبرز في مساره كان سنة 1948 تاريخ قيام الدولة الإسرائيلية، حيث قام بمجهود جبار في تنظيم ميليشيا يهودية ساهمت بشكل مباشر في تكوين دولة إسرائيل، قبل أن يشرع سنة 1952 في التعبير عن آماله بأن تقوم الجزائر مسقط رأس أجداده بعد الاستقلال باتباع نهج إسرائيل والابتعاد عن نموذج الناصريين والقوميين العرب.
ولاحقا، انضم إلى جيش التحرير الوطني الجزائري وتبوأ منصبا رفيعا، خاصة في المنظمة الخاصة وفيدرالية جبهة التحرير بفرنسا، ثم دخل إلى الجزائر سنة 1962 ليؤسس إلى جانب بعض النشطاء الماركسيين اللينيين الجزائريين جماعة معارضة للنظام البعثي الجزائري الذي كان يديره الرئيس أحمد بن بلة وهواري بومدين، فكانت النتيجة أن تم القبض عليه والزج به في السجن بعد أن فتح الباب على مصراعيه أمام الموساد والمخابرات الإسرائيلية.
قضى أشهرا قليلة في السجن قبل أن يجد نفسه يعانق الحرية سنة 1963، وذلك في إطار صفقة أجراها النظام الجزائري مع عائلته للسماح بنقل الجزائر رفاة جده الأمير عبد القادر من سوريا إلى الجزائر، حيث اشترطت العائلة إطلاق سراح ابنها، ليتم نفيه إلى فرنسا ثم انتقل بعدها إلى إسرائيل.
بعد عودته إلى إسرائيل، أعلن عبد الرزاق عبد القادر اعتناقه اليهودية واستقر بمستوطنة «مجدال» قرب طبرية وتزوج من إسرائيلية من أصل ألماني-نمساوي، وبقي مستوطنا وعاش ما تبقى من عمره فقيرا إلى أن قضى في ظروف مأساوية سنة 1998، وكان ممن شيعه في مقبرة «إفيكن» رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير.