* حاورته: زينب مركز اعتبر الخبير الاستراتيجي عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط أن العلاقات الفرنسية المغربية علاقات استراتيجية كلاسيكية وقديمة جدا، لا تتأثر بذهاب هذا الرئيس أو مجيء آخر، سوى في بعض التفاصيل حتى تلك التي يكمن فيها الشيطان. لكن رئيس مركز «رؤى فيزيون» يرى أن فوز ماكرون لولاية ثانية انتصار للعلاقات المغربية الفرنسية، لأنه سيعطي دينامية جديدة في العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية والتجارية بين البلدين، دون أن يغفل الإشارة إلى الملفات العالقة بين البلدين والتي يوجد فيها اختلاف واضح في الرؤى والمواقف، فهل يتم تدارك أعطابها خلال الخمس سنوات القادمة؟
أعلن عن فوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فكيف تقرؤون هذا الفوز الذي أعاد للأذهان نفس السيناريو الذي حدث في انتخابات 2017؟
أفضت الانتخابات الفرنسية إلى فوز الرئيس إيمانويل ماكرون المنتهية ولايته، الذي هزم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وذلك بنسبة 58,58 بالمائة، فيما حصلت لوبان على نسبة 41,42 بالمائة، وهي نتائج تبين رغم ذلك مدى اكتساح اليمين المتطرف لفرنسا، والذي أصبح قوة سياسية مهابة الجانب، وأن خطابه السياسي له وزنه في المجتمع الفرنسي، استنادا إلى الأفكار العنصرية التي تعادي المهاجرين وتحاول أن يكون لفرنسا دور أكثر استقلالية عن الاتحاد الأوروبي.
هذه النتائج في تقديري تعبر عن نصف انتصار للرئيس ماكرون، وبالتمعن في تفاصيلها، يتضح أن هناك مشكلا سياسيا كبيرا في فرنسا. هناك عزوف كبير عن المشاركة في الانتخابات، فعدد المسجلين في اللوائح الانتخابية يصل إلى 48.753,500 ناخب، فيما نجد أن لائحة المصوتين بالورقة البيضاء أو العازفين ارتفع عددهم إلى 16.675,099 شخص، وهذا يبين أن ماكرون في الحقيقة حصل على نسبة 38,5 بالمائة من عدد المقيدين في اللوائح الانتخابية، ولوبان حصلت على 27 بالمائة، والحزب الآخر، حزب العازفين الذين امتنعوا عن التصويت والذين صوتوا بورقة بيضاء والذين يعتبرون القوة الثانية في الانتخابات يمثل 34,5 بالمائة. وفي الحقيقة لقي فوز ماكرون ترحيبا كبيرا في المجتمع الدولي بالخصوص لدى قادة الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي عموما، لأن التوجه الإيديولوجي لماري لوبان كان ضد الاتحاد الأوروبي مما كان سيشكل خطرا كبيرا وزلزالا قويا في ما يخص مشروع الوحدة الأوروبية.
ما هي إسقاطات فوز ماكرون بولاية ثانية على العلاقات المغربية الفرنسية، هل تتوقع تحسنا أم استمرارا على ذات النهج؟ ينبغي التنبيه إلى أن العلاقات الفرنسية المغربية هي علاقات استراتيجية كلاسيكية وقديمة جدا. وهي ثابتة بين الدولتين، ولا تتأثر بذهاب هذا الرئيس أو مجيء ذاك، سوى على مستوى تدبير أو إدارة بعض الملفات أو تقدير الاختلاف أو الانسجام حول تصريف هذا الملف أو ذاك. فوز ماكرون هو انتصار للعلاقات المغربية الفرنسية، لأنه سيعطي دينامية جديدة في العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية والتجارية بين البلدين، لكن تنبغي الإشارة إلى أنه لوحظ بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، أن هناك فتورا في العلاقات بين المغرب وفرنسا، بسبب انزعاج باريس من الدور المتنامي للمغرب في إفريقيا وفي دول الساحل، وكذلك في المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وقوة النفوذ الأمريكي الذي يزاحم اليوم المعمر التقليدي في القارة السمراء، وهذا ما يفسر في جزء منه تنامي الاستراتيجية الهجومية للرباط في تثبيت دورها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، ويفسر كيف أن فرنسا لم تكن متحمسة للسير في اتجاه الاعتراف الأمريكي بكل وضوح. أضف إلى بعض الملفات التي شوشت على العلاقات بين البلدين ومنها ملف بيغاسوس، وتخفيض التأشيرات المخصصة للمغاربة لدخول التراب الفرنسي حيث تذرعت باريس بأن المغرب لا يريد أن يسترجع القاصرين المقيمين بطريقة غير شرعية في التراب الفرنسي، ولكن رد المغرب كان حازما وقال بأن ليس كل القاصرين مغاربة، وكذلك هناك إجراءات صحية احترازية أوصت بها منظمة الصحة العالمية في ما يخص قبول القاصرين الموجودين في التراب الفرنسي.
لكن هل يساهم استمرار نفس الإدارة الفرنسية في تحقيق انفراج أقوى وتعميق المصالح المشتركة بين البلدين؟ بعد إعادة انتخاب ماكرون، أظن أن هناك فرصة لحوار استراتيجي وإعادة دينامية في العلاقات الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا لأن هذا في صالح البلدين، ففرنسا أدركت بأن المغرب قوة استراتيجية نامية في إفريقيا، وهو شريكها الأول في إفريقيا ومن مصلحتها أن تعتمد على قوة المغرب الاستراتيجية والأمنية وتجربته في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية. وبالنسبة للمغرب كذلك، فإعادة الدينامية للعلاقات الفرنسية المغربية ستمكنه من تعميق علاقته مع الاتحاد الأوروبي، لأن هذا الأخير يبقى هو الشريك الرئيسي للمغرب، حيث أن 60 بالمائة تقريبا من صادرات المغرب تذهب إلى الاتحاد الأوروبي، فيما تصل الواردات إلى 57 بالمائة. ما يمكن أن يربحه المغرب من نجاح ماكرون في الانتخابات الرئاسية هو أولا وجود مناصرين للمغرب وسط الفريق الذي يخطط لسياسة قصر الإليزيه على عهد ماكرون، وهذه فرصة لإعطاء دينامية جديدة لعلاقة عرفت برودا طيلة ثمانية أشهر الأخيرة، وفق مقاربة رابح / رابح، ويمكن للبلدين أن يستفيدا من هذا التقارب من أجل تأثير أكبر في الملفات التي تهم إفريقيا وغرب البحر الأبيض المتوسط.
لو كانت لوبان هي الفائزة، فهل كانت مصالح المغرب ستتضرر؟ ألا يتعلق الأمر بمصالح ومواقف الدولة الفرنسية سواء كان ماكرون أو لوبان؟ حتى لو فازت مارين لوبان بالانتخابات الرئاسية لفرنسا فلا أظن أن مصالح المغرب كانت ستتضرر، لأن العلاقات المغربية الفرنسية علاقات قوية وراسخة، اقتصادية وتجارية وسياسية عميقة. دائما كان المغرب ينسق مع فرنسا وكانت باريس تدافع عن القضايا الكبرى للمغرب خاصة قضية الصحراء. الأمر يتعلق بموقف دولة فرنسا وليس بمناسبة انتخابية أو موقف رئيس من الرؤساء، فالعقيدة الدبلوماسية الفرنسية تعتبر أن المغرب شريك استراتيجي، وحليف في إفريقيا وفي بحر الأبيض المتوسط. ولكن هناك بطبيعة الحال في العلاقات الثنائية بين فرنسا والمغرب تحديات كثيرة نظرا للسياق المضطرب والصعب التنبؤ به في العلاقات الدولية التي هي رمال متحركة، فالجانب المهم هو العلاقات الاستراتيجية وقوة التأثير والموقع الاستراتيجي لفرنسا والمغرب، يعني أن العلاقات التجارية ليست هي الأهم ولكن تطابق الرؤى والعلاقات القوية لمواجهة الأخطار كالإرهاب والهجرة السرية والجريمة المنظمة.
هناك مصالح متبادلة ومتشابكة الخيوط، فالمغرب هو بوابة فرنسا نحو إفريقيا التي تضرر فيها نفوذها ومصالحها في العقد الأخير، كما أن فرنسا حصن وقوة في الاتحاد الأوروبي. أما من الناحية التجارية، فقد بدأت فرنسا في السنوات العشر الأخيرة تتجه نحو أوروبا لأن أغلب المبادلات التجارية لفرنسا هي مع الاتحاد الأوروبي، وبدأت ترى أن تأثيرها في إفريقيا ليس مهما، وهذا خطأ استراتيجي فظيع، فالمغرب بالنسبة لفرنسا يشكل تقريبا 1 بالمائة من مبادلاتها التجارية ومن صادراتها الخارجية، ولكن الشراكة الثقافية والدبلوماسية الناعمة ودور المغرب في إفريقيا وتجربته في الأمن وتثبيت الاستقرار في إفريقيا أقوى من الدور التجاري والاقتصادي الصرف.
أظن إذن أن العلاقات المغربية الفرنسية محكوم عليها بالتقدم والمزيد من التعاون وهذا في صالح البلدين وفي صالح السلم في البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، كما أن المغرب أصبح له دور آخر ويلعب وفق استراتيجيات كبيرة مع أمريكا وإسرائيل، وهنا أيضا دور الساسة في المغرب والدبلوماسية البرلمانية الموازية التي يجب أن تلعب دورا من أجل إقناع الطرفين بأن محور الرباطباريس عليه أن يتقوى، وأظن أنه في صالح الشعبين. ولا ننسى أيضا في ما يخص التعليم أن المغرب يستورد النهج الفرنسي وهناك تأثير كبير لفرنسا في المغرب، حيث أن الطلاب المغاربة يشكلون نسبة كبيرة في فرنسا تقدر ب 12 بالمائة من الطلاب الأجانب على أراضيها ويشكلون 58 بالمائة من كل الطلاب المغاربة الدارسين خارج المغرب، ونسبة المتحدثين بالفرنسية تفوق 35 بالمائة وهي نسبة أعلى من الجزائر (33 بالمائة) ومن موريتانيا (13 بالمائة)، ويقطن في فرنسا أكثر من مليون و500 ألف مغربي، وتشكل أكبر نسبة تجمع للمغاربة في الخارج وعدد المغاربة الحاملين للجنسية الفرنسية يبلغ تقريبا 760 ألف نسمة، مما يمثل 20 بالمائة من المهاجرين المقيمين في فرنسا. إذن، هناك علاقات قوية ويجب إضفاء دينامية عليها وفق المنظور الجديد للعلاقات الدولية، وهنا أقصد مقاربة رابح / رابح.
ما هي الملفات التي يمكن اعتبار فوز ماكرون بشأنها مفيدا للمغرب: الملف الاقتصادي، ملف الهجرة؟ الدعم الفرنسي في الاتحاد الأوربي؟ يعد المغرب المتلقي الرئيسي للاستثمار الفرنسي في القارة الإفريقية، حيث تظل فرنسا ثاني أكبر مستثمر أجنبي في المغرب وأكبر دائن له، ولحد الآن لا نظير لها في هذه المجالات، ما يعني أن هناك تعاونا اقتصاديا وتجاريا مهما بين البلدين، فالاستثمار الفرنسي المباشر موجود في كل قطاع من الاتصالات، وشركة الخطوط الملكية المغربية، وشبكة السكك الحديدية. وتوجد بالمغرب أكثر من 800 شركة فرنسية كبرى مثل أورانج وطوطال وليديك ورونو وبوجو… توظف أكثر من 80 ألف موظف، ولذلك نجد أن المغرب في إطار نظرته الجديدة أصبح يسعى لتنويع شراكاته. وأظن أن الساسة في فرنسا واعون بأن مغرب اليوم لم يعد هو مغرب الأمس، إذن نحن نقول بأن الميادين التي سيتم الاستثمار فيها كثيرة، فهناك صناعة السيارات وهناك قطاعات مهمة وواعدة للاستثمار الفرنسي كقطاع الطيران والطاقات المتجددة والأمن الغذائي والفلاحي والصناعة الغذائية والتبادل العلمي، والاستثمار في البنى التحتية.