تتواصل الزيارات الرسمية بين المسؤولين المغاربة والأمريكين، وذلك في أعقاب العلاقات الإستراتيجية بين البلدين التي زادتها إعتراف الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب بسيادة المملكة على كامل ترابها جنوبا، درجات في سلم تقوية العلاقات. من هذا المدخل يجري وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، زيارة رسمية للمغرب تمتد ليومين، حاملا معه ملفات ثقيلة في ميزان السياسات الخارجية. وزن الملفات يقاس بزمنية الزيارة والدول التي يرتقب أن تشملها، فالمسؤول الأمريكي بعد أن زار فلسطين وإسرائيل يحل بالمغرب ومنه إلى الجزائر، ما يحيل على مركزية ملف الصحراء المغربية في هاته التنقلات، علاوة على أزمة امدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا وحالة الشد المتواصلة بخصوصه، والعلاقات الإسرائيلية العربية إلى جانب بحث ملفات التهديدات الإرهابية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وصولا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية.
الصحراء المغربية
شكل إقرار واشنطن بمغربية الصحراء نقطة تحول جوهرية في مسألة النزاع المفتعل، وما خلف ذلك من ردود فعل في عواصم كثيرة، سارت على ذات النهج، وإن مع إختلاف طريقة التعاطي، خاصة مع الشركاء الأوروبين التي يدعوها المغرب إلى الخروج من منطقة الراحة والغموض في المواقف وتبني خطاب صريح ومباشر يؤسس لعلاقات متوازنة وشفافة تحفظ مبادئ السيادة.
وقال بلنكين في هذا الإطار أن ما عبرت عليه بلاده سارت عليه عواصم أوروبية وعربية وإفريقية على غرار فرنسا وألمانيا وإسبانيا مؤخرا، فخطة الحكم الذاتي بالنسبة للمسؤول الأمريكي خطوة جادة يقدمها المغرب لإنهاء هذا النزاع الذي عمر طويلا.
بسبب الوضع المتوتر والغزو الروسي لأوكرانيا وانعكاسات ذلك على إمدادات الغاز من روسيا، تبحث دول الاتحاد الأوروبي على موردي غاز بدائل، حيث تلعب القارة الأفريقية دورا في الحد من الاعتماد على الصادرات الروسية. إذ أن بعض البلدان في أفريقيا لديها احتياطات كبيرة من الغاز. ولكن في كثير من الأحيان تكون قدرات الإنتاج والنقل محدودة.
من هذه الدول الجزائر والتي تعتبر عاشر أكبر منتج للغاز في العالم. فبعد أن قررت عدم الإعتماد على أنبوب الغاز المار عبر الأراضي المغربية منذ أكتوبر الماضي، خلق ذلك أزمة كبيرة على مستوى الإمدادات ما أدخل العلاقات الجزائرية الإسبانية في أزمة على اعتبار أكثر من 40 في المئة من مواردها.
وتلعب أوروبا ورقة الغاز للضغط ومحاولة زيادة قدرة خط أنابيب "ميدغاز" بسهولة، بيد أن الجزائر لا تملك القدرة على زيادة ضخ الغاز عبر هذا الأنبوب ولكن مع وجود خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي والذي يمر عبر المغرب، سيكون للجزائر طرق بديلة أخرى لضخ المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى إسبانيا والبرتغال.
العلاقات الإسرائيلية العربية
يأتي لقاء بلنكين وبوريطة بعد ساعات قليلة من لقاء جمعهما على هامش قمة النقب بصحراء "إسرائيل حيث هم الإجتماع المخصص لوزارء خارجية إسرائيل وأمريكا والمغرب والإمارات والبحرين ومص، لبحث ملفات مشتركة منها تكشيل وحدة ضد التمدد الإيراني المتنامي في عواصم عربية.
العلاقات العربية الإسرائيلة التي أعلن عن استئنافها بالنسبة للمغرب كانت سنة 2020 تحت رعاية اإدارة الأمريكية، ومنذ ذلك الحين دخلت الرباط وتل أبيب في اتفاقيات اقتصادية وسياسية وعسكرية متعددة الجوانب.
الأزمة الروسية الأوكرانية
في ظل الغزو العسكري للقوات الروسية على الأراضي الأوكرانية، تجري العمليات السياسية بالتوازي لبحث تموقعات جديدة على مستوى النظام العالمي الذي بدأت تقارير تتحدث عن إعادة تشكيله في ظل بروز قوى قديمة-جديدة، ما يفرض وفق خبراء إرساء مجموعات دولية متحدة المواقف والقرارات والتنسيق فيما بينها.
تداعيات الأزمة الأوكرانية على دول منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط ليست مرتبطة فقط بطبيعة المصالح التي تربط دول المنطقتين بأطراف الصراع أي روسيا وأوكرانيا ثم الولاياتالمتحدة وأوروبا، وهي مصالح متحركة ليس فقط بحكم التفاعل والتغير في العلاقات، بل أيضا بفعل الطبيعة المستجدة والمتطورة لأدوات التأثير في تلك العلاقات.