بعد أسابيع من سحبه وجمود دام سنوات، يطرح السؤال متى سيتم إعادة مشروع القانون الجنائي إلى مجلس النواب وبأي صيغة؟، فالمشروع المثير للجدل بررت الحكومة سحبه بمراجعته في شموليته، عكس الممارسة السابقة لحكومة سعد الدين العثماني ومعاتبتها على طرحها للمشروع وفق صيغة تجزيئية وليست شمولية. الجدل السياسي الكبير الذي خلفه سحب مشروع القانون الجنائي رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي، قابلته رغبة معلنة من حكومة عزيز أخنوش بتوسيع التعديلات ومراجعة القانون برمته وليس بعض الفصول فقط، التي طالها الجمود منذ تاريخ الإحالة على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، على إثر عدم توافق الفرق البرلمانية حول مجموعة من مقتضياته طيلة السنوات الماضية.
يعود وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، وهو من أقدم بالمناسبة على قرار السحب بناء على طلب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ليذكر بأن وزارته تعمل على تعديل قانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية والقانون الجنائي، وإدخال تغييرات وتعديلات عميقة عليهم تعزز حقوق المرأة وحقوق الطفل، وكذلك تعزز ضمانات المحاكمة العادلة وتكريس مبادئ وقيم حقوق الإنسان.
مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد والقانون الجنائي، والتي تتجه نحو المحاكمة العادلة، يقول عنها وهبي من جنيف السويسرية إبان لقائه بالمدير العام لمركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن (DCAF)، توماس كير بير، إن تجربة المملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان هامة وجديرة بالتتبع والاهتمام في المنطقة وإفريقيا، إذ أن المغرب حسم في خيار حقوق الإنسان ويتجه نحو ترسيخ دولة حقوق الإنسان بأثر لا رجعة فيه، مضيفا أن المملكة دولة قوية باحترامها لحقوق الإنسان، وهي ماضية في الإصلاحات الحقوقية التي باشرتها بقيادة الملك محمد السادس.
وعلى مستوى حقوق المرأة، أوضح وزير العدل أن قضية المرأة تحظى بأهمية قصوى داخل الوزارة، وتعطى لها أولوية كبرى لتعزيز حقوق المرأة أثناء المحاكمة، وذلك من خلال رفع عدد المساعدات الاجتماعيات وتخصيصهم لمساعدة المرأة، وتعزيز البنية التحتية للمحاكم وجعلها فضاءات ملائمة ومناسبة لاستقبال المرأة فيما يخص قضاء الأسرة وقضاء القرب.
وينص مشروع القانون الجنائي الذي تم سحبه على جرائم جديدة، من بينها الاختفاء القسري وتهريب المهاجرين واستفادة الغير بسوء نية من الجرائم المالية المتعلقة بالاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ وتجريم الإبادة، بالإضافة إلى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
بيد أن أهم مقتضى جديد تضمنه المشروع، وخلف ردود فعل، هو تجريم الإثراء غير المشروع بهدف تعزيز منظومة مكافحة الفساد، ويتجلى هذا الإثراء في الزيادة الكبيرة وغير المبررة للذمة المالية للشخص الملزم بالتصريح الإجباري للممتلكات أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح مقارنة مع مصادر دخله المشروعة دون استطاعته إثبات المصدر المشروع لتلك الزيادة.