بالتمام والكمال تمر 18 سنة على خراب بنيان وألم اعتصر القلوب ومازال..زلزال الحسيمة مر صاخبا حاملا معه تعداد قوة بلغت 6.5 على سلم ريشتر، كانت كافية لتحول مناطق إمزورن وتمانسيت أيتق امرة ومركز المدينة، إلى ركام وأنقاض تحتها أناس معطوبين وجرحى ومشردين وقتلى فاق عددهم الألف. في الليلة الظلماء من يوم الثلاثاء 24 فبراير 2004، زمجرت الأرض والناس نيام، اهتزت الحسيمة، بالضبط كانت عقارب الساعة تشير إلأى الساعة الثانية والنصف صباحا، السكان بهتوا بما كان أشبه بفيلم رعب يصور على أرضهم، غير أنه واقع ترك ورائه دمارا وضحايا لقوا حتفهم ومحاصرين تحت الأنقاض أو من أخفاه الغبار الكثيف.
زلزال لايبق..
البحث عن ناجين في ظلمة الليل، كان أقرب إلأى ساعات مابعد الحرب، صراخ وركض هنا وهنا إلى أين لا أحد يعلم، ربما غريزة الخوف والموت وحدت الجميع للهروب إلى "الأمان"، غير أن روح الإنسانية أبت ألا تترك روح أخرى تغرق في جراحها، إنها حرب الجغرافيا التي استعصت معها جهود الانقاذ التي نزلت بها السلكات بقوة، دخل شباب المدبنة على الخط وبسواعدهم إلى جانب فرق الوقاية المدنية سرعت العملية ولو وبوسائل بدائية، أسهمت في إخراج جثث أو فك أرواح كانت تتنظر فقط الخلاص، قبل أن يكتب لها فصل جديد بالحياة.
ثواني تجري وراء ثواني، والهلع والخوف يسيطران على المدينة الهادئة، انطلقت المهمة ابتداء من تحديد المواقع الاكثر تضررا بالمناطق القروية والحضرية المتاخمة لمدينة الحسيمة، وعلى رأسها جماعة أيث قمرة التي سجل بها 203 قتيلا، تليها مدينة امزورن ب 165 قتيل، ثم الجماعة القروية بني عبد الله التي سجلت وفاة 90 شخصا، وإمرابطن 107 قتيل، و أيت يوسف وعلي 64 قتيلا، وجماعة الرواضي 24 قتيل، في حين تراوح عدد القتلى في الجماعات القروية بين 58 قتيل كأعلى رقم وسجل في قرية ايت داوود وقتيلين كأدنى رقم سجل في قرية ازمورن.
فرق الوقاية المدنية حولت الساحات الفارغة إلى مناطق للإيواء، إذ بنت بها مئات الخيام، وكان المأوى الوحيد الذي تكدس فيه أفراد الاسر بالعشرات، حيث قدر أنذاك عدد اللاجئين من مخاطر الهزات الارتدادية بنحو 15 ألف من أصل أزيد من 70 ألف نسمة.
حرب الجغرافيا
تحت رحمة سماء ممطرة وطقس شديد البرودة، قضى بالجماعات القروية للحسيمة أزيد من 650 قتيل تحت الأنقاض فقد كانت مشاهد جثث الأطفال والنساء والرجال أكثر ترويعا وانتشر بين مئات السكان، الذي قضوا الثلاثة أيام التي أعقبت الهزة العنيفة في العراء.
تدبير الأيام الأولى للكارثة لم يكن سهلا بالطريقة التي توقعها البعض أو انتقدها البعض الآخر فكون المنطقة ذات تضاريس غاية في الصعوبة وسط مرتفعات شاهقة ووديان متشعبة اضطرت فرق الإنقاذ أن تبذل جهدا مضاعفا للوصول إلى الدواوير والقرى النائية المتضررة الشيء الذي استدعى فتح جسور جوية تكلفت بتنفيذها القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي لنقل الخيام والجرحى والأغطية والمؤونة لمئات العائلات ووالدواوير المنتشرة بين قمم ومنحدرات ووسط مناخ متقلب اتسم بأمطار وبرودة.
زادت من تأزم الأوضاع بالمنطقة وفي حالة نفسية متدهورة للمحتاجين للمساعدات الذين وصل عددهم إلى ما يناهز 30 ألف رقم ينضاف إلى وضعية المئات من الأسر التي اصيبت بصدمة نفسية حادة استوجبت تدخل أخصائيين وأكثر من 350 مساعدة اجتماعية تابعة للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية.
مشاريع للتضميد
وبعد مرور 14 عاما على هذه الأحداث، ما زالت الهيئات المدنية و السياسية بالحسيمة تطالب بتنفيذ البرامج التي تم اطلاقها بعد زيارة الملك للمنطقة أيام الزلزال، ويرى عدد من المهتمين بالشأن المحلي أن تضميد الجراح التي خلفها الزلزال تمت على المستوى الانساني والاجتماعي أكثر مما هو اقتصادي، لاسيما ما يتعلق بإعادة الإعمار و تعويض المتضررين و احداث بدائل اقتصادية تمكن الأفراد والأسر من الدخل القار.
رغم أن الزلزال خلف دمارا لكن أعاد المدينة إلى تصدر الواجهة الوطنية على صعيد حجم المشاريع التنموية التي عرفتها المنطقة، خاصة الطرق المؤدية إلى البوادي والمناطق النائية وانفتاح الحسيمة على الناظور وتطوان عبر الطرق الساحلية، غير أن هذه الانجازات تبقى ضعيفة بالنظر إلى حجم المطالب التي يتم ترديدها بالمنطقة منذ الزلزال إلى يومنا هذا بعد بروز "حراك الريف" والاحداث التي توالت بعده.
ومن البرامج الكبرى التي أحدثت في المدينة مشروع التنمية المجالية "الحسيمة منارة المتوسط"، الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس في أكتوبر من سنة 2015، زخما تنمويا متميزا وغير مسبوق لإقليم الحسيمة، بفضل المشاريع المهيكلة الكبيرة والأوراش التنموية العديدة التي تضمنها.
وتعرف معظم أوراش هذا البرنامج التنموي المتميز، التي يفوق عددها 1000 مشروع تشمل مختلف القطاعات وتهم المجالين الحضري والقروي بإقليم الحسيمة على حد سواء، تقدما مهما في الأشغال حيث انتهت الأشغال ببعضها، فيما توجد عدد من المشاريع في مراحل متقدمة من الإنجاز.
وتتميز هذه المشاريع المهيكلة، التي رصد لإنجازها غلاف مالي إجمالي يناهز 5ر6 مليار درهم، بكونها تتوزع بين مختلف المجالات القروية والحضرية بإقليم الحسيمة في مسعى للحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية الموجودة وتعزيز ودمقرطة الخدمات الاجتماعية وخدمات القرب، وتمكين الساكنة من الولوج للبنيات التحتية الأساسية.