* محمد كريم بوخصاص منذ اليوم الأول لانتخاب سعد الدين العثماني أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية في المؤتمر الوطني العادي في دجنبر 2017 لم يُخفِ عبد الإله بن كيران انزعاجه من طريقة تشكيل العثماني أمانته العامة، وظل طيلة السنوات الأربع الماضية يُذكر مقربيه ب»خطيئة» ولادة القيادة السابقة المتمثلة في «إقصاء» المختلفين مع العثماني وأنصار الولاية الثالثة لابن كيران. لكن بمجرد وضعه شارة عمادة الحزب من جديد في المؤتمر الاستثنائي، فعل ابن كيران ما عابه على العثماني، وقدم تشكيلة للأمانة العامة خالية تماما من الأسماء التي لا تسايره في مواقفه، وصفها قياديون في حديث ل»الأيام» بالأضعف في تاريخ مؤتمرات الحزب، لدرجة أن عضوا بالمجلس الوطني صاح أمام ابن كيران «هذه أمانة عامة للفايسبوك!» قبل أن يُلزمه ابن كيران بالصمت لعدم تنصيص القانون الداخلي على فتح التداول بشأن مقترحات الأمانة العامة. وباستثناء جامع المعتصم الذي انتخب نائبا أول لابن كيران، خلت الأمانة العامة من قيادات جيل التأسيس (مثل محمد يتيم، وسعد الدين العثماني، سليمان العمراني، ومحمد الحمداوي، وعزيز رباح)، وضمت من الجيل الثاني فقط القيادات التي تتماهى مع مواقف ابن كيران، وهم عبد العزيز العماري (النائب الثاني) والحبيب الشوباني ومصطفى الخلفي ونبيل شيخي وأمينة ماء العينين وخالد البوقرعي وسعيد خيرون. فيما أرجعت مصادر اقتراح ابن كيران لمحمد رضا بن خلدون إلى اعتبارات تَسكُن ذهن ابن كيران مرتبطة بتمثيلية المنحدرين من «رابطة المستقبل الإسلامي» التنظيم الذي التحق ب»حركة الإصلاح والتجديد» لتأسيس حركة «التوحيد والإصلاح»، بينما شكل اقتراحه الكاتب الجهوي السابق للشرق عبد الله الهامل مفاجأة من العيار الثقيل، وأيضا أحمد لمين ديدة الكاتب الجهوي للحزب بالصحراء الذي أثمرت عضويته بالأمانة استقالة البرلمانية السابقة خديجة أبلاضي. انتقاد اختيارات ابن كيران طال أيضا الوجوه الشابة، فباستثناء جهاد رباح ابنة الوزير عزيز رباح الذي يُقاطعه ابن كيران ونوفل الناصري، تفاجأت شبيبة الحزب من غض ابن كيران الطرف عن أعضاء الأمانة السابقين سعد حازم مدير ديوان المصطفى الرميد والباحث السياسي محمد الطويل والمحامي رضا بوكمازي، ويبقى المشترك بين الأسماء الثلاثة التي لم يطرحها ابن كيران أنها لم يُعرف لها صوت في الدفاع عنه أو زيارته في منزله، فيما انتخب شابا مقربا منه ينحدر من مراكش هو يونس الداودي. وكان أكثر ما شد الانتباه في اختيارات ابن كيران لقيادة الحزب، الطريقة التي اقترح بها رئيس اللجنة المركزية لشبيبة الحزب حسن حمورو، والتي أظهرته ك»عجلة احتياط»، وهو ما التقطه المجلس الوطني ولم يمنحه التزكية المطلوبة، إذ اقترح ابن كيران بشكل أثار استغراب كثيرين – شابا من مدينة سطات يحمل اسم «علي فاضلي» لا يمتلك عضوية في المجلس الوطني لكنه كان من أشد منتقدي تدبير العثماني والأكثر تدوينا لصالح ابن كيران، وبعد تنبيهه إلى استحالة انتخابه للأمانة العامة لعدم امتلاكه عضوية بالمجلس الوطني، عاد ابن كيران ليسحب اسمه ويعلن بطريقة «إيوا ديرو حسن حمورو!». وتبقى اختيارات ابن كيران للأمانة العامة امتحانا رَسَبَ فيه، برأي نجلته «سمية بن كيران» التي هددت بالاستقالة من الحزب في تدوينة نشرتها بصفحتها في «فايسبوك» جاء فيها: «مع حبي وتقديري لوالدي، أعتقد أن العديد من اختيارات الأمانة العامة غير صائبة (..) أعتقد أني سأعجل بقرار الاستقالة الذي طالما أخرته»، وأيضا برأي قياديين رأوا فيها ضربا بعرض الحائط لخطاب التجميع الذي ألقاه مباشرة بعد انتخابه. قصة فقدان خدمات «رجل الظل» في الحزب رغم أن عبد الإله ابن كيران تجنب اقتراح القيادات البارزة في الفترة السابقة، إلا أن سليمان العمراني النائب الأول لسعد الدين العثماني كان حاضرا في ذهن بن كيران، بل عرض عليه اقتراحه أمام المجلس الوطني لشغل النيابة الأولى، لكن العمراني اعتذر له. وتفيد المعطيات التي توصلت إليها «الأيام»، أن ابن كيران اتصل هاتفيا بسليمان العمراني الذي لم يحضر أشغال اليوم الثاني من المؤتمر ليعرض عليه الاشتغال معه كنائب أول أو ثانٍ، لكن العمراني اعتذر له بلطف بدعوى أنه «يشعر بالتعب ويفضل أن يرتاح في المرحلة المقبلة»، وخوفا من عدم قبول اعتذاره، أرسل إليه اعتذارا مكتوبا. ويعتبر سليمان العمراني «رجل الظل» في حزب العدالة والتنمية الذي يمسك بتلابيب تنظيم الحزب ويضمن عدم انفراط عقده، حيث قضى 13 عاما كاملة في منصب «نائب الأمين لعام (من 2008 إلى نهاية أكتوبر 2021)، اشتغل خلالها بجانب شخصيتين مختلفتين تماما هما عبد الإله ابن كيران (من 2008 إلى 2017) وسعد الدين العثماني (منذ 2017). لكنه عاش في الفترة السابقة ضغطا نفسيا تفاقم بعد تصويت المؤتمر ضد تأجيل المؤتمر الوطني العادي لعام، إذ لم يخف ضجره لمقربيه حتى أنه غادر بوزنيقة حيث انعقد المؤتمر مباشرة بعد إسدال الستار على أشغال يومه الأول دون حتى تناول وجبة العشاء. وبعد أن اعتذر العمراني عن الاشتغال بجانب ابن كيران لجأ هذا الأخير إلى اقتراح جامع المعتصم للنيابة الأولى وعبد العزيز العماري للنيابة الثانية، وكلاهما حظيا بموافقة مطلقة من المجلس الوطني. «حماقة» أفتاتي ورسالته الإنذارية لابن كيران حضر اسم عبد العزيز أفتاتي بقوة في المؤتمر الاستثنائي لحزب الإسلاميين، خاصة بعد وصفه من لدن عبد الإله بن كيران أمام الملأ ب»الحماقة»، وعدم اقتراحه لعضوية الأمانة العامة كما توقع كثيرون. لكن في اتصال «الأيام» مع أفتاتي ظهر أن له قراءة مختلفة لمخرجات المؤتمر، فهو يعتبره عرسا للحزب، لكن لديه في نفس الوقت تساؤلات تحتاج إلى أجوبة واستدراكات سيوجهها لابن كيران بعد انقضاء «العرس» حتى لا يفسد هذا الأخير، وسيحيل الأستاذ ابن كيران على «شيخ الإصلاحية المغربية السلفي والوطني لكبير محمد بن العربي العلوي المدغري الفيلالي أستاذ الزعيم علال الفاسي، واجتهاداته فيما يتعلق بعلو سلطة الشعب على ما سواها». وفي الوقت الذي يرى البعض أن ابن كيران أحدث قطيعة مع القيادة السابقة، يقول أفتاتي إنه «لا وجود لأي قطيعة لأن جل القيادات التي امتلكت عضوية في الأمانة العامة ساهمت في تدبير المرحلة السابقة، إما من موقع المسؤولية الانتدابية (رئاسة جهة، مجلس مدينة، برلمان) أو المسؤولية التنظيمية (عضو الأمانة، مسؤولية جهوية) أو هما معا». قبل أن يُعلن بشكل صريح أن «كل ما كان يظهر أنه خلاف بين ابن كيران والقيادة السابقة هو في الحقيقة خلاف غير سياسي حكمته هواجس نفسية وشخصية». ومما يدل على أن الخلاف كان نفسيا وشخصيا، برأي أفتاتي، هو المواقف التي فجرت الخلاف طيلة المرحلة السابقة بدءا من «فرنسة التعليم» وانتهاء بالتطبيع، حيث قال: «بالنسبة لموضوع فرنسة التعليم فإن عملية أجرأته انطلقت منذ عهد حكومة ابن كيران مع الوزير بلمختار الذي حشر في الحكومة إلى جانب حصاد بعد فشل الإطاحة بالحكومة غداة الإيعاز لحزب الاستقلال بالانسحاب، بينما عجز الحزب عن مخاطبة الجهة التي أصدرت القرار خاصة أن التعديل الذي طرأ ظهر بعد مرور قانون الإطار من محطة المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك. وفيما يخص التطبيع فإن ابن كيران نفسه دعا إلى الاصطفاف مع الدولة في اللايف الشهير الذي أصدره، ولو كان رئيسا للحكومة لأتى ما فعله العثماني». كما عاد أفتاتي إلى حكاية إدخال الاتحاد الاشتراكي لحكومة العثماني والتي لطالما اعتبرها ابن كيران أصل كل المشاكل، وقال: «ابن كيران نفسه عرض على الاتحاد المشاركة في الحكومة في 2011 و2016، وكان محقا في ذلك لخلق نواة صلبة للإصلاح، فمُنع الحزب دون إرادته من الالتحاق بالحكومة الأولى وأريد له أن يدخل من الباب الخلفي تحت وصاية أخنوش في الثانية وذلك بتوجيه من الدولة، وشخصيا اعتبرت في الثانية وفي خضم البلوكاج أن الحزب عليه أن «يحط السوارت»، لكن مادام لم يتخذ هذا القرار ورحب المجلس الوطني لاحقا بتعيين سعد الدين العثماني فإن «اللعب سالا» في هذا الموضوع». ومما دفع أفتاتي إلى اعتبار أن الخلاف لم يكن سياسيا أن ابن كيران والبعض لم يكن لديهم عرض سياسي، حيث أعلن بشكل صريح: «إذا كان لديهم عرض سياسي أو طول سياسي وكانوا يتفرجون على الحزب يخسر في الانتخابات فتلك مصيبة ووضعية غير أخلاقية وتسمى عدم إسعاف الانتقال الديمقراطي وهو يتعرض لأخطار محدقة!»، وتابع أن «إشكال 8 شتنبر هو تجريف الانتقال الديمقراطي وأن التناقض الأساسي ليس بينيا من داخل الحزب وإنما بين الحزب وخصوم الديمقراطية». وأردف مخاطبا ابن كيران ومن معه: «لكنهم يقولون إنهم جاهزون فأرونا الأطروحة السياسية الجديدة في أسرع وقت». وعند سؤاله عن قصة توصيفه من لدن ابن كيران ب«حماقة»، قال أفتاتي إن التوصيف لم يسئه لأن الذي يتحمل مسؤوليته هو ابن كيران وهو المعني بالإساءة، لأن غرضه الأساسي هو أن يعلن على رؤوس الأشهاد ولمن يعنيهم الأمر تمايزه عني في موضوع يتعلق بتدبير الدولة ل8 شتنبر، وأوضح أن دعوته للتصويت على ابن كيران كان من أجل ما عبر عنه من قدرته على نقل الحزب من مرحلة إلى أخرى بإحلال الثقة في إخوانه والتعاون الواسع معهم والوحدة والتمسك بالمنهج»، واستدرك: «الآن وبعد أن تسلم مفاتيح قيادة الحزب عليه أن يُظهر لنا وجزء من القيادة التي تتصور أنها تتقاسم معه ما يسمى بالعرض السياسي عرضهم السياسي، وليس إسكات الأمانة العامة». سر حامي الدين وسؤال بووانو بمجرد إسدال الستار على المؤتمر الاستثنائي للعدالة والتنمية، تساءل كثيرون داخل الحزب عن سر غياب عبد العالي حامي الدين عن تركيبة الأمانة العامة الجديدة، وهو الذي كان من أشد المدافعين عن عودة ابن كيران لقيادة الحزب، فبتين أن عدم اقتراحه كان بسبب مانع قانوني مرتبط بالقانون التنظيمي للأحزاب الذي يشترط على أعضاء الهيئات التنفيذية للأحزاب أن يكونوا مسجلين في اللوائح الانتخابية، وهو ما لا ينطبق على حامي الدين بعد واقعة «التشطيب عليه» قبل انتخابات 8 شتنبر. وبعد أن وصف البعض داخل الحزب هذا التأويل القانوني ب»القراءة المتعسفة»، سارع ابن كيران إلى البرهنة على أن حامي الدين جزء رئيسي في قيادة الحزب في المرحلة المقبلة، حيث عقد اجتماعا للأمانة العامة مباشرة بعد انتهاء المجلس الوطني تضمن جدول أعماله نقطة فريدة تمثلت في المصادقة على إلحاق عبد العالي حامي الدين، وهو ما حصل، حيث أصبح حامي الدين يمتلك عضوية كاملة في الهيئة التنفيذية للحزب، دون أن يتم إدراج اسمه في اللائحة التي وجهت إلى وزارة الداخلية. ولم يكن حامي الدين الوحيد الذي تساءل كثيرون عن غيابه عن تشكيلة الأمانة العامة الجديدة، فحتى عبد الله بووانو الذي نافس ابن كيران على رئاسة الحزب لم يتم اقتراحه، ورغم أن بووانو يمتلك عضوية بالصفة في الأمانة العامة لكونه رئيس المجموعة النيابية للحزب إلا أن البعض كان يتمنى أن يمتلك عضوية رئيسية باعتباره أحد القيادات الوازنة والمؤثرة، وكي لا تسقط عضويته بمجرد اختيار رئيس آخر للمجموعة النيابية. اعمارة وتدبير مالية الحزب بعد أن حسم ابن كيران قراره بعدم العمل مع كل وزراء الحكومة السابقة، بمن فيهم عبد القادر اعمارة الذي لم يكن ضمن قائمة وزراء الحزب الذين أعلن ابن كيران مقاطعتهم غداة تصويتهم على تقنين الكيف في المجلس الحكومي، يمتلك اعمارة اليوم عضوية بالصفة في الأمانة العامة لكونه المسؤول المالي الوطني، لكن لا يعرف ما إن كان سيستمر في تدبير مالية الحزب في المرحلة المقبلة، خصوصا أن عبد الحق العربي المدير العام للحزب هو من تعود إليه سلطة اقتراح المسؤول المالي في الأمانة العامة وهو على خلاف دائم مع اعمارة لدرجة أنه قدم استقالته من الإدارة العامة للحزب بعد مؤتمر 2017 الذي انتخب العثماني قبل أن يعدل عنها. وعلى مدار العقدين الماضيين، حافظ اعمارة على تدبيره مسؤولية مالية الحزب لدرجة أنها ارتبطت باسمه، كما أن ابن كيران أصر على الإبقاء على اعمارة في هذا المنصب عندما استشاره العثماني بعد انتخابه أمينا عاما في دجنبر 2017، لكن يرجح البعض تغيير ابن كيران موقفه تجاهه، خاصة أنه لم يقترحه لعضوية الأمانة العامة، ولم يعد ينظر إليه بعين الرضا. مفاجأة: "فرملة" خطاب الحزب في المعارضة بدأ عبد الإله ابن كيران ممارسة سلطته في ضبط إيقاع الحزب كما هو معهود عليه منذ الساعات الأولى لانتخابه أمينا عاما، حيث طلب من أعضاء الأمانة العامة عدم الإدلاء بأي تصريح في الفترة الراهنة، في وقت أعلن قياديون ل»الأيام» أنه طلب من رئيس المجموعة النيابية للحزب عبد الله بووانو خفض صوت معارضة الحكومة حاليا، وذلك في قرار لم يفهمه القياديون الذين تحدثوا ل»الأيام» وعجزوا عن تفسيره. ويُعرف على ابن كيران منذ أن كان يقود الحزب سابقا حرصه على ضبط ما يجب أن يقال وما لا يجب أن يقال، وفي كثير من المرات كان يلجأ إلى إصدار بلاغات تدعو أعضاء الحزب إلى عدم التعليق على قضية ما، لكن طلبه خفض سقف المعارضة لم يكن مفهوما أو مبررا بالنسبة لكثيرين، بحكم أن الحزب يتموقع في المعارضة، ما يفرض عليه ممارسة هذا الدور بشكل كامل. وفي انتظار اتضاح صورة ما يرمي إليه ابن كيران من هذا الطلب يبقى الذهول سيد الموقف داخل حزب العدالة والتنمية الذي لم يتعود طيلة المرحلة السابقة على «صمت» قواعده وقياداته.