لقاء بالداخلة يناقش مبادرة الحكم الذاتي    مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    ترامب يعين "كارولين ليفيت" متحدثة باسم البيت الأبيض في إدارته الجديدة    بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس        مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    وزير الصحة: نصف المغاربة عاشوا ويعيشون اضطرابات نفسية    سقوط قنبلتين مضيئتين في ساحة منزل نتنياهو (فيديو)    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    وزير الداخلية يدعو الولاة والعمال إلى التصدي للنقل "غير القانوني" عبر التطبيقات الرقمية    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    الجامعة الملكية للملاكمة تنتخب بالإجماع عبد الجواد بلحاج رئيسا لولاية جديدة    صحيفة بريطانية تستعرض الوقائع التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    بالصور.. ارتفاع كمية المؤثرات العقلية التي تم حجزها بميناء طنجة المتوسط إلى أزيد من 188 ألف قرص مهلوس    المنتخب المغربي يُحقق الفوز الخامس توالياً في تصفيات كأس إفريقيا 2025    فرقة "يوبا للابد المسرحي " تطير عاليا بنجوم ريفية في تقديم عرضها الأول لمسرحية " هروب في ضوء القمر    انعقاد الدورة الثانية للجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن لمنظمة الكشاف المغربي بجهة مراكش-أسفي    حاتم عمور يكشف تفاصيل ألبومه الجديد "غي فنان"    ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك    حصة تدريبية خفيفة تزيل عياء "الأسود"    أسباب اندلاع أحداث شغب في القليعة    الرايحي يقنع موكوينا قبل مواجهة الرجاء في "الديربي"    انعقاد الاجتماع الإقليمي للمدن المبدعة لليونيسكو بتطوان من 19 إلى 22 نونبر الجاري    حريق ياتي على العديد من المحلات التجارية في سوق الجوطية بالناظور    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    المغرب يعزز جهوده لإغاثة فالينسيا عبر إرسال دفعة جديدة من الشاحنات ومعدات الشفط    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    منظمات مغربية تدين تحيّز الإعلام الهولندي للاسرائيليين في أحداث أمستردام    عمر حجيرة: لا ترضيات في التعديل الحكومي    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    من أصول مغربية.. وزيرة هولندية تهدد بالاستقالة بعد أحداث أمستردام    المحامون يتوصلون إلى توافقات مع وزارة العدل    إنعقاد المؤتمر الدولي بالداخلة حول "المبادرة المغربية للحكم الذاتي:نموذج للحكامة الترابية بإفريقيا الأطلسية".    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي        ‪أمن دبي يقبض على محتال برازيلي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024        فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخنوش: حياة الرجل الذي قطف رأس الإسلاميين بعدما أينعها السخط الشعبي
نشر في الأيام 24 يوم 20 - 09 - 2021


* رضوان مبشور
هو عريس هذه الانتخابات.
أسقط ابن كيران قبل 5 سنوات، وأسعفه السخط الشعبي على الإسلاميين في إسقاطهم بطريقة هوليودية في انتخابات "يوم القيامة" التي نزل فيها الملتحون من 125 إلى 12 مقعداً.
لا ثروة بدون سلطة، ولا سلطة بدون ثروة.
إنها العلاقة المعقدة التي يلعب على حبلها عزيز أخنوش، وهو يزاوج بين كونه إمبراطور الغاز والمحروقات والأوكسجين، وترؤس حزب "التجمع الوطني للأحرار" لقيادة الحكومة الجديدة، في ورش مفتوح بدأه قبل 5 سنوات من اليوم، بعد خلافته للرئيس السابق للحزب صلاح الدين مزوار، مستعملا في ذلك أموالا طائلة وشركات عديدة في التواصل والإشهار، وعشرات المستشارين والأعيان الذين انضموا لحزبه أفواجا من كل فج عميق.
وعينه منذ تلك الفترة على شيء واحد لا غيره، هو إسقاط الإسلاميين من الحكومة التي تربعوا على عرشها لعشر سنين، وبالتالي النجاح في ما فشل فيه إلياس العماري لما كان على رأس "البام"، رغم اختلاف أسلوب الرجلين.
أخنوش: حياة الرجل الذي قطف رأس الإسلاميين بعدما أينعها السخط الشعبي
من المؤكد أن عزيز أخنوش المولود سنة 1961 بدوار «أكرض أوضاض» بمنطقة تافراوت القروية التابعة لإقليم تيزنيت، ينطبق عليه توصيف «ولد وفي فمه ملعقة منذ ذهب»، ففي تلك الفترة كان والده قد بدأ مراكمة ثروة لا بأس بها، وهو الذي غادر قريته سنة 1919 مشيا على الأقدام ملتحقا بمدينة الدار البيضاء ليتعلم فيها التجارة بالتدرج، وينتقل من مجرد فتى صغير يشتغل عند تاجر، ثم يفتح لنفسه أول دكان يبيع فيه المحروقات التي يقتنيها من شركات أجنبية مشهورة في تلك الفترة على غرار «بريل» و»سوكوني»، ليقوم بإعادة البيع بالتقسيط، وبعده سيفتتح الدكان الثاني والثالث…
في سنة 1949 سيبدأ والد عزيز أخنوش بإنجاز مشروع العمر مع صهره الحاج أحمد واكريم في مدينة الدار البيضاء، حين اشتركا معا في شراء أول محطة لبيع البنزين، بموقع ممتاز عند ملتقى شارعين مهمين، شارع السويس (الفداء حاليا) وشارع طريق مديونة المسمى الآن بشارع محمد السادس، وكانت هذه المحطة قبل ذلك تابعة لشركة «موبيل أويل».
في سنة 1958، وقصد النهوض بقطاع الوقود في مغرب ما بعد الاستقلال، سيتعزز التعاون الثنائي بين أخنوش الأب وصهره أحمد واكريم بتأسيس الشركة المغربية لتوزيع الوقود «أفريقيا»، التي تعتبر أول شركة مغربية خالصة في القطاع. ولم يمر وقت وجيز حتى تحولت شركة «أفريقيا» من مؤسسة مغربية صغيرة إلى شركة ذات طموحات واسعة الآفاق ومتواجدة في كل ربوع المملكة.
في تلك الفترة بالذات، كان أخنوش الأب يباشر مشاريع أخرى كبيرة بمدينة أكادير القريبة من مسقط رأسه، وبينما كان يسكن رفقة عائلته في حي تالبرجت، ستهتز المدينة في إحدى ليالي شهر فبراير من العام 1960 على وقع زلزال سيدمر المدينة بأكملها، سيحصد أرواح الآلاف، بينهم 10 أفراد من عائلة أخنوش من بينهم الأخوان الأكبران لعزيز، واحد اسمه عبد الله يبلغ من العمر 9 سنوات والآخر اسمه صلاح الدين وعمره 7 سنوات، بينما نجت الأخت الكبرى، ووالدته، اللتين وجدتا نفسيهما تحت الأنقاض لساعات طويلة قبل أن يتم إنقاذهما، بينما شاءت الأقدار أن يكون والده أحمد أولحاج في تلك الفترة خارج المدينة.
ستغادر العائلة أكادير التي دمرت عن آخرها، الأب سيعود إلى الدار البيضاء بينما الأم ستختار العودة إلى منطقة تافروت القروية بضواحي تيزنيت، وهناك ستنجب ابنا ذكرا، وهو عزيز أخنوش، وبعدها ستنتقل العائلة إلى العيش في منطقة عين السبع بالدار البيضاء رفقة الأب الذي بدأت أنشطته الاقتصادية تتوسع، وبدأ في مراكمة ثروة كبيرة رفقة صهره أحمد واكريم، وفي كل قراراته التجارية كان يحضر معه الطفل الصغير عزيز ليعلمه حرفة التجارة وفن الصفقات ومتى يختار الوقت المناسب لعقدها، فهو يدرك أن التعليم الأكاديمي وحده لا يكفي لخلق تاجر أو رجل أعمال ناجح.
في بداية ثمانينيات القرن الماضي سيختار أخنوش الأب أن يرسل ابنه عزيز إلى كندا لمتابعة دراساته العليا، وبالضبط في جامعة شيربروك، ومن غرائب الصدف أنه كان يدرس في نفس الجامعة مع رجل أعمال مغربي آخر شهير اليوم وهو مولاي حفيظ، زميله في الحزب والحكومة، وزير التجارة والصناعة.
في العام 1986 سيعود الشاب عزيز من كندا، وفي جيبه أكثر من دبلوم في التسيير والتدبير الإداري، وفي نفس الفترة كانت ابنة عمه سلوى قد كبرت، وزوج عمته الحاج أحمد واكريم ووالده يحصدان ما زرعاه بشركة توسعت خلال السبعينات والثمانينات لتنشئ حاويات التخزين الضخمة، ثم تؤسس للقاعدة الصلبة لشركة «مغرب أكسجين»، كصناعة تكميلية لتوزيع المحروقات.
أخنوش الابن.. بدايات وأسرار مضاعفة ثروة الأب
كما لو كان أخنوش الأب يتوفر على موهبة التجارة بالفطرة، وفطنة الأعمال التي انطلقت في الأربعينيات واشتهر بها أهل سوس بالسليقة، كان على الشاب عزيز العائد لتوه من كندا أن يأخذ زمام الأمور ويطور التدبير اليومي لشركة «أفريقيا غاز»، ويوسع مجالات أنشطتها لتصبح رائدة في قطاع المحروقات.
شرع الشاب أخنوش في إعادة هيكلة الهولدينغ، ثم بدأ يبحث عن شركاء جدد، يربط جسور التواصل مع رجال المرحلة الذين يتغيرون بتغير الظرفية السياسية والاقتصادية، ويركب المغامرة تلو الأخرى، إلى أن التقطته أعين الرجل القوي في مغرب الحسن الثاني، وزير الداخلية إدريس البصري، بعدما لمس فيه توفره على حس رجال الأعمال الناجحين وميزة المجازفة بالرأسمال في المرحلة الفاصلة بين ما يقبله العقل وما يسمح به الحد الأدنى للجنون.
إدريس البصري سيكون حاسما لا محال في شراء عزيز أخنوش لكافة أسهم شركة «سوميبي» لصاحبها رجل الأعمال السوسي مصطفى أمهال ليدمجها في أفريقيا غاز التي لم تعد الشركة الأم، بعدما أصبحت مجرد فرع من فروع مجموعة «أكوا» القابضة.
إلى جانب مجموعة «أكوا» ستنشئ زوجته سلوى مجموعة «أكسال»، المتخصصة في عالم أفخم ماركات الموضة النسائية والرجالية، الذي دخلته من أوسع أبوابه، بينما سيبدأ أخنوش في الاستثمار في قطاع العقار الذي بدأه بإنشائه لمارينا أكادير، ثم تتوسع بعد ذلك استثماراته بعاصمة سوس على الخصوص من خلال مشاريع كبيرة، لتصبح اليوم شركته العقارية «أكوا إيمو» أكبر المستثمرين في قطاع العقار خاصة في منطقة «تاغازوت» السياحية شمال مدينة أكادير، بعدما استثمرت الملايير في بناء الفنادق والإقامات الفاخرة السياحية.
استثمارات الملياردير السوسي شملت كذلك قطاع الفنادق من خلال تحالفه مع مجموعة «إكور» حيث يمتلك أسهما في عدد من فنادق الخمسة نجوم بأكادير، كما ولج كذلك إلى مجال الاستثمار في مجال الصحافة من خلال مجموعته الإعلامية «كاراكتير» التي تضم مجموعة من الصحف والمجلات الناطقة باللغة الفرنسية.
وفي عز ثورة الاتصالات التي عرفها المغرب في العشرية الأولى من الألفية الجديدة، سيختار أخنوش الاستثمار في قطاع الاتصالات، بعدما كان يتوفر على أسهم عديدة في شركة «ميديتل» للاتصالات، التي عرف كيف يغامر في الاستثمار فيها، بعدما كانت «اتصالات المغرب» تحتكر القطاع، قبل أن يختار بعناية الوقت المناسب للانسحاب منها ويبيع أسهمه، كما اختار بعناية كذلك متى يبيع نسبة 25 في المائة من أسهم شركة «إفريقيا غاز» للإماراتيين كي يتخلص من الديون التي حصل عليها من «التجاري وفا بنك» لاقتناء «سوميبي» من مصطفى أمهال.
ووسط هذه النجاحات في استثمارات العائلة، عادة ما ينزعج أخنوش من الذين يربطون مضاعفته عدة مرات ثروة والده بتدخل إدريس البصري ودعمه من طرف جهات في الدولة ليكون محتكرا فوق العادة للمحروقات والغاز والأوكسجين، وعادة ما يشبه من يقومون بهذا الربط بأنهم «ينفخون في جرة مثقوبة»، محاولا في كل مرة ألا ينسب نجاحاته في مضاعفة الثروة إلى أي جهة من الجهات، مرددا عبارة أهل سوس الشهيرة «أغاراس أغراس» ليقوم أنها السر في نجاح استثماراته المتعددة.
بلغة اليوم، فثروة عزيز أخنوش بحسب مجلة «فوربس» الأمريكية تتجاوز ملياري دولار، أي قرابة 2000 مليار سنتيم، تضعه على رأس أثرياء المغرب ومن بين أثرياء أفريقيا والعالم، وهي الثروة التي لم تتضرر كثيرا من حملة المقاطعة التي شملت شركاته، التي استمرت في احتكار سوق المحروقات بالمملكة مستغلة في ذلك تحرير السوق بداية من العام 2015، وهو ما جر عليه اتهامات تقول بأن شركته وشركات أخرى للمحروقات ربحت 17 مليار درهم في ظرف وجيز بعد تحرير سوق المحروقات، ووصفتها أطراف بالأرباح اللاأخلاقية وغير الشرعية، في الوقت الذي يحاول في العديد من خرجاته الإعلامية أن يبعد هذه التهمة عن نفسه، وأن يضع حدا فاصلا بينه كوزير وبين شركات العائلة، التي يقول إنه قدم استقالته من رئاستها بعدما أصبح وزيرا، حتى لا يحصل تضارب بين المصالح، كما يفرض القانون.
أخنوش.. السياسية و"الباراشوت"
عندما يهاجمه خصومه يصفونه بأنه ابن غير شرعي للعمل السياسي، وأنه نزل لملعب السياسة ب»الباراشوت»، ويعيبون عنه أنه بعيد كل البعد عن هموم المناضلين ولا يحق له أن يدافع عن المقهورين والطبقات الشعبية لأنه لم يعش أبدا همومهم، فهو لم يحمل يوما لافتة ولم يكتب شعارات حائطية، ولم يتم اعتقاله في درب مولاي الشريف على غرار بعض اليساريين، ولم يشتك في يوم من الأيام من بطش البوليس السياسي على غرار ما يردده مجموعة من الإسلاميين.
لكن أخنوش عندما يحاول أن يرد عليهم، عادة ما يستنجد بمسار والده أحمد أولحاج، فأخنوش الأب واحد من أبرز رجال الحركة الوطنية في منطقة سوس التي ينحدر منها، كما كانت تربطه علاقة وطيدة مع الوطنيين بمدينة الدار البيضاء على وجه الخصوص، التي كانت تتركز فيها غالبية أنشطته الاقتصادية، حيث كان من كبار مموليهم بالمال، وبسبب نشاطاته تلك تم اعتقاله أكثر من مرة من قبل المستعمر الفرنسي.
أحمد أولحاج أخنوش سبق له كذلك أن ولج العمل السياسي، فالقليلون يعرفون أنه في العام 1974، سينجح في تأسيس حزب سياسي سيطلق عليه اسم «الحزب الحر التقدمي»، وكان مقره المركزي في عمارة بشارع لالة ياقوت بدرب عمر في مدينة الدار البيضاء.
إضافة إلى ذلك امتلك والده في تلك الفترة جريدة كان يمولها وتصدر باسم الحزب تحمل اسم جريدة «العدالة»، مسندا مسؤولية تسيير إدارتها إلى إبراهيم شرف الدين الذي كان يومئذ من النخبة المثقفة بتعدد مشاربه المعرفية.
يقول أخنوش إنه في تلك الفترة، وكان حينها لم يلتحق بعد بكندا لمتابعة دراساته العليا في الاقتصاد والتسيير، تشبع بالعمل السياسي رفقة والده، ولذلك رغم أن حزب والده لم يكتب له النجاح، فقد دخل عزيز أخنوش غمار الانتخابات في سن مبكرة، فقد انتخب في لائحة مستقلة عضوا في جماعة قروية تدعى جماعة أربعاء أيت أحمد، التي تضم مسقط رأسه دوار «أكرض أوضاض»، التابعة إداريا لاقليم تيزنيت، وهو ما أهله ليصبح عضوا للمجلس الإقليمي لتيزنيت، ثم يصبح في العام 2003، رئيسا لجهة سوس ماسة درعة (الاسم القديم لجهة سوس ماسة حاليا)، والتي استطاع انتزاع رئاستها من سياسيين لهم تاريخ طويل جهويا ووطنيا، وعلى رأسهم الاستقلالي علي قيوح وابنه عبد الصمد، والتجمعي محمد بودلال.
ورغم أن عزيز أخنوش لم يكن يحمل أي لون سياسي وهو في بداية الألفية الحالية عضو للمجلس الإقليمي لتيزنيت ورئيس لجهة سوس ماسة درعة، فقد اختارته الدوائر العليا ليكون وزيرا للفلاحة في حكومة عباس الفاسي، بداية من العام 2007.
وتحكي مصادر مقربة من عزيز أخنوش ل «الأيام» بعضا من كواليس استوزاره باسم «التجمع الوطني للأحرار»، حيث اقترحت مستشارة الملك الراحلة زوليخة نصري على الأمين العام لحزب «الحركة الشعبية» امحند العنصر أن يتم استوزار 3 وجوه مستقلة باسم حزب «السنبلة» في حكومة عباس الفاسي، وهم عزيز أخنوش الذي سيصبح وزيرا للفلاحة والصيد البحري، وياسر الزكاني الذي عين وزيرا للسياحة وأمينة بنخضرا وزيرة للطاقة والمعادن، غير أن امحند العنصر واجه رفضا كبيرا من حزبه واعتذر للراحلة زوليخة نصري. وهكذا وعوض أن يتم استوزار أخنوش بألوان حزب «الحركة الشعبية» اختير له في اللحظات الأخيرة أن تتم صباغته بألوان حزب التجمع الوطني للأحرار سنة 2007، وهو من بقي يمارس مهامه في تلك الفترة رئيسا لجهة سوس ماسة درعة بدون لون سياسي.
في العام 2011 سيقرر عزيز أخنوش أن يستقيل من حزب «التجمع الوطني للأحرار» الذي اختار أن يركن لصفوف المعارضة بعد فوز «العدالة والتنمية» بانتخابات 2011، حتى يبقى في منصبه وزيرا للفلاحة، وقال في بيان شهير: «بعد أربع سنوات من النشاط داخل حزب التجمع الوطني للأحرار أقدم استقالتي…»، معلنا أنه «لن ينضم إلى أي حزب سياسي آخر»، لكن رغبته تلك ستصطدم برغبات جهات أخرى أرادته أن يكون في الواجهة، ولذلك عاد في العام 2016 إلى أحضان الحزب، بعدما قدم رئيسه آنذاك صلاح الدين مزوار استقالته بسبب نتائجه الانتخابية السيئة في انتخابات 2016، حيث لم يتمكن سوى من حصد 37 مقعدا برلمانيا، ويصبح أخنوش رئيسا للحزب، في خرق سافر للقوانين الداخلية للحزب التي تشترط أن يكون المرشح لرئاسة الحزب عضوا في المكتب التنفيذي، وهو ما لم يكن يتوفر في وزير الفلاحة التي أصبح رئيسا للتجمعيين في جمع عام صوري كان مناسبة احتفالية أكثر مما هو مشهد ديمقراطي.
وهكذا كان أول ما باشره أخنوش وهو رئيس ل «الأحرار» الضغط على رئيس الحكومة المعين آنذاك من طرف الملك بعد انتخابات 2016، عبد الإله ابن كيران، الذي فرض عليه مجموعة من الشروط لتشكيل الحكومة، من بينها إبعاد حزب «الاستقلال» من الائتلاف الحكومي بسبب خلافه مع حميد شباط، وضم «الاتحاد الاشتراكي»، وشرط آخر قال ابن كيران إن أخنوش أراد فرضه وهو ضرورة إلغاء الدعم المباشر للأرامل والمطلقات، ليصل الرجلان إلى الباب المسدود. وكان ما كان، إعفاء عبد الإله ابن كيران وتعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة، لكن علاقة الرجلين لم تكن سمنا على عسل، رغم أنهما يستغلان لقاءتها المباشرة ليتحدثا بالأمازيغية، هويتهما المشتركة، ويتبادلان المجاملات في المجالس الحكومية، لكنهما لا يترددان في قصف بعضهما البعض في اللقاءات الحزبية.
حزبيا ومنذ العام 2017 لا أحد يمكنه أن ينكر أن عزيز أخنوش قد خلق دينامية غير مسبوقة داخل المياه الراكدة ل «التجمع الوطني للأحرار»، فقد أعاد هيكلة الحزب وفروعه المحلية والجهوية، وأنشأ تنظيمات وطنية للشباب والنساء، وصرف أموالا طائلة لإطلاق مجموعة من البرامج كلفت الحزب ملايير السنتيمات على غرار قافلة «100 يوم 100 مدينة»، كما خلق ديناميكية غير مسبوقة في مواقع التواصل الاجتماعي، مستعينا بالعديد من شركات التواصل والإنتاج والاستشارة، وفي كل يوم كان الحزب يستقبل المئات من طلبات الانخراط، حتى تجاوز اليوم عدد منخرطيه عتبة ال 100 ألف منخرط، وهو ما لم يبلغه أي حزب سياسي في تاريخ المغرب، حتى في أوج قوة الأحزاب الوطنية وعلى رأسها «الاستقلال» و»الاتحاد الاشتراكي».
عائلة أخنوش وفروعها المصاهراتية
إمبراطورية أخنوش المالية، تستمد قوتها كذلك من اللحمة العائلية، وهو ما جعل اليوم مجموعة "أكوا" واحدة من مرجعيات الأعمال في المغرب، حيث ركزت عائلة أخنوش على العلاقات العائلية للحفاظ على الثروة مجتمعة، فوالده أحمد أولحاج أسس شركة "أكوا" مع زوج عمته أحمد واكريم، أما عزيز أخنوش فبعدما قرر أن يتزوج في العام 1993 اختار الزواج من ابنة عمه سلوى، المنحدرة بدورها من عائلة أمازيغية سوسية والتي رضعت التجارة منذ صباها داخل عائلة لا تعرف سوى المال والأعمال، حيث كان والدها من كبار تجار الشاي في المغرب، ولهما اليوم ثلاثة أبناء، بنتان وولد، لا أحد يعرفهم بالاسم، بعدما اختير لهم أن يبقوا بعيدين عن الأضواء وعن بوليميك وسائل الإعلام.
زوجة أخنوش هي اليوم رئيسة مجموعة "أكسال"، التي كانت سباقة لإدخال الماركات العالمية في عالم الموضة النسائية والرجالية للمغرب، خاصة ماركات "زارا" و"كوتشي" و"بول أندبير"، ثم انفتاحها لاحقا على الماكياج بعد إنشائها ماركة "يان أند وان"، وكانت مجموعتها من كبار المساهمين في المشروع التجاري الضخم "موروكومول" بالدار البيضاء، الذي يعد أكبر مول تجاري في القارة الإفريقية ككل، ومن بين أكبر المراكز التجارية في العالم ككل، وها هي مجموعتها تستعد لافتتاح مولين تجاريين ضخمين على شاكلة "موروكومول" بكل من الرباط على ضفاف نهر أبي رقراق وآخر بمدينة مراكش.
شبكة أفراد عائلة أخنوش وفروعها المصاهراتية لا تنتهي عند هذه الحدود، فعزيز أخنوش هو ابن رقية عبد العالي، شقيقة عبد الرحمان بن عبد العالي، أول وزير للأشغال العمومية في حكومة عبد الله إبراهيم في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وهو، أي خاله عبد الرحمان، زوج عائشة الغزاوي ابنة محمد الغزاوي أول مدير عام للأمن الوطني ومدير الفوسفاط وسفير سابق للمملكة بعدة دول، بالإضافة إلى أنه كان صديقا حميما للسلطان محمد الخامس.
وعائشة الغزاوي زوجة خاله مرة أخرى، هي أم مليكة زوجة الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس. باختصار فزوجة الأمير مولاي هشام هي ابنة خال عزيز أخنوش.
داخل المربع الذهبي للبلاط الملكي
اليوم أصبح من الصعب الفصل بين عزيز أخنوش السياسي ورجل الأعمال، فالرجل الذي ولد في عالم الأعمال بدأ السياسة من جماعته القروية بمنطقة تافراوت ليكبر طموحه ويقوده بالتدرج ليصبح عضوا في المجلس الإقليمي لتيزنيت ثم رئيسا لجهة سوس ماسة درعة ثم وزيرا للفلاحة والصيد البحري ثم يقود حزبه لرئاسة الحكومة.
لكن كل هذه الأمور ولو أنها جاءت بالتدرج ما كان لها أن تكون لولا شبكة العلاقات المعقدة للرجل مع رجال السلطة ورجالات الدولة، والتي أوصلته إلى المربع الذهبي للبلاط، وهو الذي تنقل الملك محمد السادس قبل سنوات قليلة ليتناول في إقامته الفاخرة في حي كاليفورنيا بالدار البيضاء وجبة إفطار رمضاني، في رسالة تحمل أكثر من دلالة.
عزيز أخنوش هو كذلك صديق لمستشار الملك فؤاد عالي الهمة، وهو من قال عنه في حديث ل»الأيام» يعود لسنة 2009: «.. الهمة صديق، أنا أحترمه، وأؤمن بمقدراته السياسية، وأدعم مشروع قطبه السياسي، فحينما دعمت مرشح الأصالة والمعاصرة بتيزنيت، لم يتقبل الإخوة في التجمع الوطني للأحرار ذلك بسهولة، لكنني مقتنع أن مصلحة منطقتي كانت تقتضي مني دعم هذا المرشح وليس ذاك».
أخنوش نفسه، في انتخابات 2016، وكان حينها مستقيلا من حزب «الأحرار» وعلى هامش الانتخابات التشريعية سيلتقي بمجموعة من مناضلي «الأحرار» بمدينة تيزنيت وسيلقي كلمة شهيرة تفاجأ بها الجميع عندما طالب من التجمعين أن يدعموا فوز مرشح حزب «الأصالة والمعاصرة» بأحد المقاعد، وقال ما مضمونه إن دائرة تيزنيت الانتخابية تتوفر على مقعدين برلمانيين، الأول يجب أن يذهب للتجمعيين والثاني ل «البام»، رغم أن حزب «الحمامة» كان آنذاك باستطاعته أن يفوز بالمقعدين البرلمانيين، بحكم أن المدينة كانت في السنوات الأخيرة معقلا للتجمعيين منذ انضمام أخنوش للحزب سنة 2007، وفيها ترشح سنة 2011 واكتسح نتائج الانتخابات التشريعية، بفارق كبير عن باقي منافسيه وبأقل المجهودات.
لكن الكثيرين لا يعرفون أن عزيز أخنوش الذي كان من المقرر أن يكون وزيرا في 2007 بألوان «الحركة الشعبية» قبل أن ينضم ل «الأحرار»، كان قبل ذلك عضوا للمكتب الوطني للحركة من أجل الديمقراطية التي ارتبط تأسيسها بنزول الرجل القوي فؤاد عالي الهمة من سيارة الداخلية ليؤسس في وقت لاحق حزب «الأصالة والمعاصرة»، ومنذ تلك الفترة بدأ ينسج خيوط علاقة الود مع المستشار الحالي للملك ويوطدها، وهو ما جعل هذا الرجل السوسي يركب أمواج التحدي السياسي ويغطي طموحه الشخصي بأن يقود حزبه لرئاسة الحكومة لأول مرة في تاريخه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.