أصبحت دورة الألعاب الأولمبية الآن ظاهرة عالمية، لكن لا يعرف كثيرون أن أصولها الحديثة تعود إلى بلدة "ماتش وينلوك" الهادئة بمقاطعة شروبشاير. إذا زرت بلدة "ماتش وينلوك" بمقاطعة شروبشاير التي تعود للقرون الوسطى ويبلغ عدد سكانها نحو 3000 نسمة، سيكون من الصعب عليك أن تتخيل أي علاقة بين هذه البلدة الصغيرة وبين دورة الألعاب الأولمبية الحديثة، التي تحولت إلى ظاهرة عالمية يتابعها الملايين من جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي يثار فيه جدل كبير بشأن إقامة دورة الألعاب الأولمبية 2020 بطوكيو بعد تأجيلها بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا. ومع ذلك، شهدت هذه البلدة الجذابة في القرن التاسع عشر قيام طبيب محلي يُدعى ويليام بيني بروكس بإشعال الشعلة الأولمبية. وقد استحوحى بروكس هذه الفكرة من الألعاب الأولمبية لليونان القديمة، وأسس جمعية وينلوك الأولمبية، والتي تهدف من خلال مسابقة سنوية رائدة إلى "تعزيز الجوانب الأخلاقية والبدنية والفكرية لسكان البلدة وحي وينلوك، وخاصة الطبقات العاملة". بدأت دورة الألعاب الأولمبية في وينلوك عام 1850، وسرعان ما جذبت الآلاف من المتفرجين والمنافسين من أماكن بعيدة مثل لندن وليفربول (على الرغم من وجود نشاط "محلي فقط" واحد على الأقل لإبقاء سكان البلدة سعداء). ولا تزال هذه الألعاب تقام في البلدة حتى اليوم، إلى جانب بعض الرياضات الريفية وألعاب القوى الكلاسيكية، ومجموعة منتقاة من المسابقات التي تهدف إلى إمتاع الجماهير، مثل سباق العربات اليدوية التي يجرها أشخاص معصوبي العينين، أو "سباق النساء العجائز" للفوز برطل من الشاي. وكانت المسابقة الأكثر شعبية وإثارة على الإطلاق، والتي - وفقًا لإيما كيت لانيون، رئيسة خدمات تنظيم المعارض في مجلس شروبشاير - كانت "تتطلب مهارة فائقة وقدرات رائعة في الفروسية"، هي لعبة "رمي الحلقة"، إذ كان المنافسون يركضون بسرعة وهم يركبون الجياد نحو حلقة معلقة بحجم بنس قديم، بينما يمسكون برمح في أيديهم، في مهمة صعبة لإدخال الرمح داخل هذه الحلقة وإسقاطها. تقول لانيون: "كان الفائز في هذا السباق يصبح أحد المشاهير في المنطقة". لكن كيف أدت هذه الأنشطة المحلية إلى ظهور دورة الألعاب الأولمبية الدولية؟ يروي المسار الأولمبي في بلدة "ماتش وينلوك"، والذي يبلغ طوله 1.3 ميلا هذه الحكاية، إذ يشق طريقه عبر وسط المدينة الإنجليزية المتطورة من نقطة البداية في متحف ومركز معلومات الزوار في بلدة "ماتش وينلوك". وعلى طول هذا المسار يوجد عدد من الشوارع التي تضم العديد من معارض الزهور والشركات العائلية والمنازل الريفية المبنية من الحجر الجيري والطوب الجورجي. ولا تزال الأسواق تقام في بلدة "ماتش وينلوك"، بما في ذلك في السوق التي تقام في مبنى "تبادل الذرة" (وهو الآن مقر المكتبة العامة بالبلدة وجرى تسميته بهذا الاسم بسبب أسواق الذرة التي كانت موجودة بين جنباته). وكان هذا هو المكان الذي أنشأ به بروكس جمعية وينلوك الأولمبية، والتي كانت واحدة من مساعيه العديدة لتعزيز الرفاهية البدنية، بما في ذلك تقدمه بطلب لجعل التربية البدنية إلزامية في المدارس في جميع أنحاء البلاد، وهو الأمر الذي طبق بالفعل. وهناك لوحة على أحد الحوائط تبرز أيضًا مجموعة مختارة من الأشياء التي ساهم بروكس في تحسينها في المدينة، بدءا من السكك الحديدية وصولا إلى مبنى البلدية. ربما تكون المحطة التالية الأكثر دلالة هي فندق "رافين". وفي عام 1890، وبعد زيارة دورة ألعاب وينلوك الأولمبية والاستماع إلى حلم بروكس بإحياء دورة الألعاب الأولمبية الدولية في اليونان - على الرغم من الجهود الفاشلة لإقناع الحكومة في أثينا - ألقى المؤرخ بارون بيير دي كوبرتان خطابًا عبر فيه عن تأييده لمقترحات وأفكار بروكس. وشارك الشاب الفرنسي في تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية في عام 1894، وأقيم أول حدث للألعاب الأولمبية الصيفية في العاصمة اليونانية في أبريل/نيسان 1896، وللأسف كان ذلك بعد أربعة أشهر من وفاة بروكس عن عمر يناهز 86 عامًا. ويعتبر قبر بروكس في أراضي كنيسة ماتش وينلوك، بالقرب من مسقط رأسه، تذكيرًا مأساويًا بأنه عاش أكثر من أربعة من أبنائه الخمسة. ويوجد هذا القبر في مكان مميز على درب راقٍ مزين بلوحات ومنحوتات ذات طابع خاص ترسم صورة حية لتاريخ دورة ألعاب وينلوك الأولمبية، بدءا من المسابقة التي شهدت ذات يوم مسيرات تقودها فرق موسيقية عبر الشوارع المزينة وصولا إلى العضو الفخري الأول للجمعية، بيتروس فيليساريوس، الفائز بسباق 1400 ياردة الذي أقيم في أثينا والحاصل على 281 دراخما وتاج من الزيتون بعد الفوز بهذا السباق. وينتهي المسار كما يبدأ، في متحف ومركز معلومات الزوار في بلدة "ماتش وينلوك"، حيث يجري توزيع منشورات مطبوعة للبالغين والأطفال. ويرسم هذا المتحف، الذي وصفته لانيون بأنه "متحف صغير به قصص كبيرة يرويها"، قصة المدينة الأولمبية من خلال قدامى المحاربين الرياضيين وصولا إلى الزيارات الملكية والكرنفالات. وقد تم تجديد المتحف في عام 2012، وهو العام الذي جاءت فيه دورة الألعاب الأولمبية إلى لندن، وسط احتفال كبير بتراث بلدة "ماتش وينلوك" في جميع أنحاء العالم. وبلغت المبيعات العالمية لتميمة "وينلوك" في دورة الألعاب الأولمبية بلندن تسعة ملايين نسخة، وشوهدت صور تتابع الشعلة الأولمبية لعام 2012 في كل مكان من الصين إلى المكسيك. وفي الوقت نفسه، أقيمت نسخة خاصة من دورة وينلوك الأولمبية وشارك فيها 2385 متنافسًا تتراوح أعمارهم بين 8 و80 عامًا، من بينهم أربعة رياضيين برازيليين شباب كانوا يتطلعون إلى المنافسة في دورة الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو في عام 2016. لقد كانت هذه الدورة الأولمبية بمثابة لحظة فخر للسكان المحليين، الذين - حسب ماك باردسلي، مسؤول العلاقات العامة في جمعية وينلوك الأولمبية - يشعرون "بمسؤولية تاريخية" لتكريم ما بدأه بروكس منذ حوالي 170 عامًا لصالح مجتمعهم. ولا تزال الألعاب السنوية التي تقام في شهر يوليو/تموز من أبرز الأحداث التي تشهدها المدينة كل عام، إذ يشارك فيها البالغون والأطفال وعادة ما تضم حوالي 13 رياضة تشمل ألعاب القوى والرماية، كما تُنظم سباقات جري في الخريف ويقام مهرجان للفنون الحية في مارس/آذار من كل عام. ويعد إدراج الفنون تقليدًا آخر بدأه بروكس، الذي أنشأ أيضًا مكتبة، وأدخل فصولا تعليمية مختلفة (تتضمن دراسة علم النبات والموسيقى) في سعيه لتحسين القدرات الذهنية والجسدية للسكان. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Travel