يحكي الملك الراحل الحسن الثاني في إحدى حواراته عن طفولته في رمضان، ويتذكر كيف كان يجد مربِّيته الخاصة وهي تصلي طيلة ليلة السابع والعشرين من رمضان وتدعو الله بما في نفسها من طلبات، ويروي أنها كانت تقول لهم: «اطلبوا ما شئتم.. فسيدنا قدر سيستجيب لكم في هذه الليلة الخاصة». ويبدو أن هذه الذكرى بقيت راسخة في ذهن الأمير مولاي الحسن، حتى أصبح ملكا في مطلع ستينيات القرن الماضي، فحرص على إحياء هذه الليلة وجعل منها طقسا رمضانيا ملكيا بامتياز. وبدوره، حافظ الملك محمد السادس على هذا التقليد الرمضاني منذ اعتلائه العرش إلى يومنا هذا، بنفس طقوسه الموروثة عن والده الحسن الثاني، فكان أول شهر رمضاني يحييه كملك في العام 2000، وكانت الغالبية الساحقة من ليالي القدر التي أحياها تتم عادة بمسجد حسان بالرباط أو بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء. مع استثناء وحيد، هو المتعلق بالسنة الماضية، حيث قام الملك محمد السادس بإحياء ليلة القدر بشكل مخفف في قصره بالدار البيضاء، بحضور 10 أشخاص فقط من عائلته إضافة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، الذي قام بختم صحيح البخاري أمام الملك بعد الاكتفاء بأداء صلاة العشاء والتراويح في احترام صارم للتدابير الاحترازية الوقائية لمواجهة فيروس «كورونا»، وهو الأمر نفسه الذي يرجح القيام به هذه السنة، في ظل منع إقامة صلاة العشاء والتراويح في كافة مساجد المملكة. ولم يكن إحياء ليلة القدر في السنوات العادية يخلو من طقوس، فبعد صلاة العشاء جماعة، يصلي الملك خلف الإمام، وعلى يمينه ولي العهد وشقيقه وابن عمه وأبناء عماته وأفراد من ذكور العائلة الملكية، وعلى يساره رئيس الحكومة ثم وزير الأوقاف، وغيرهم من مستشاري الملك والوزراء… وبعد نهاية صلاة العشاء يصلي الملك رفقة الحاضرين 10 ركعات من صلاة التراويح، ثم يتقدم الطفل الفائز بالمرتبة الأولى لجائزة محمد السادس للقرآن الكريم لتلاوة آيات من الذكر الحكيم في حضرة الملك، وبعدها يتقدم العلماء الأجانب المشاركون في الدروس الحسنية بكلمة شكر وامتنان أمام الملك يلقيها نيابة عنهم واحد من العلماء الأجانب، ثم تنطلق حصص الذكر والمديح إلى منتصف الليل، ليتم ختم صحيح البخاري بعد سرد «حديث الختم» من طرف شخصيتين علميتين مرموقتين، ثم تتعالى الأدعية الملحنة على الطريقة المغربية، وسط عبق البخور، لتكون هذه الليلة بدورها طقسا رمضانيا راسخا، يتكرر كل سنة في عهد الملك محمد السادس، ألفه مع والده وهو ولي للعهد، ويحافظ عليه اليوم كملك مع ولي عهده.