في ظل استمرار "الأزمة الصامتة" بين المغرب وألمانيا، والتي بدأت بإعلان الرباط تعليق التواصل مع سفارة برلين والمنظمات التابعة لها في العاصمة المغربية، جراء "خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية"، تحاول الجزائر وحكومة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، تكثيف الاتصالات الديبلوماسية بينهما، فبعد اللقاء الذي عقده الاثنين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع السفيرة الألمانية بالجزائر، أجرى وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم الثلاثاء، محادثات هاتفية مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، تناولا خلالها عدة قضايا وملفات إقليمية ودولية وعلى رأسها النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية. وحسب قصاصة لوكالة الأنباء الجزائرية، فقد أشار بوقادوم إلى أن تعزيز التشاور وتنسيق المواقف بين الجزائروألمانيا حول القضايا الاقليمية، شكلت المحاور الرئيسية للمحادثات "الثرية والايجابية" التي جمعته مع نظيره الألماني هايكو ماس، "حيث تم خلالها التذكير بعمق العلاقات التاريخية بين البلدين، والتي تعود جذورها لمعاهدة السلام الموقعة بين الجزائر وهامبورغ سنة 1751.
وكان المغرب قد قرر قطع علاقاته المؤسساتية مع سفارة ألمانيا بالمغرب، وارجع سبب هذا القرار، إلى "خلافات عميقة" تهم قضايا المغرب المصيرية بين الرباطوبرلين، مما استدعى بحسب مراسلة لوزارة الشؤون الخارجية، قطع العلاقات التي تجمع القطاعات الحكومية والإدارات العمومية مع سفارة ألمانيابالرباط، وكذا جميع العلاقات مع مؤسسات التعاون وجمعيات السياسية الألمانية.
ويعتبر متتبعون، بأن تعليق الرباط علاقاتها مع السفارة الألمانية، له علاقة بقضية الصحراء، بسبب اعتراض برلين على صيغة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وسعيها لعرقلة ذلك الاعتراف، وبادرت إلى طلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي وكانت عضوا غير دائم فيه، الأمر الذي أثار غضب المغرب.
فيما يرى آخرون، أنه لا يعرف موعد لإنهاء "الأزمة الصامتة" الحالية بين برلينوالرباط، ولن تؤثر على العلاقات التجارية بين البلدين لأن ألمانيا حليف استراتيجي للمغرب، مع وجود اتفاقيات في قطاع الطاقة المتجددة ، وتحديداً في الصحراء. كما يوجد بنكان ألمانيان و شركات ألمانية في شمال البلاد.
ومنذ قرار المغرب قطع التواصل مع سفارة برلينبالرباط والمؤسسات الألمانية التابعة لها، أكد بعض المسؤولين الألمان، أنهم يرغبون، في الحفاظ على العلاقات المثمرة مع الرباط، وآخرهم المسؤولة الإعلامية في وزارة الخارجية فرانسيسا أوبرماير التي قالت إن ألمانيا "لن تتنازل" عن العلاقات مع المغرب ولن تغير سياساتها تجاهه.
في هذا السياق، يرى تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بالرباط، أن التقارب بين الجزائروألمانيا، في عز "الأزمة الصامتة، بين الرباطوبرلين، ليس بحديث العهد، حيث تجد ألمانيا في الجزائر منبعا مهما للغاز الطبيعي والبترول، كما أنها ميدان مهم لاستثماراتها في هذه المجالات، وبالتالي إذا أخذنا بعين الاعتبار ميزان الأداءات القائم بين الجزائروألمانيا هو متوفق على نظيره بين الرباطوبرلين".
وأوضح المحلل السياسي، في تصريح ل"الأيام24″، أن الأمة الحالية أعتقد لها أسباب أخرى لا ترتبط بما هو جزائري، خاصة أن الرئيس عبد المجيد تبون، قضى علاجه وفترة نقاهته الطويلة في ألمانيا، وبالتالي هذا النوع من العلاقة، جاءت في إطار نوع من التفوق الذي أصبح المغرب يحققه في علاقاته مع أقطاب أهم من برلين، وخاصة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية".
وأضاف الحسيني، أنه "علينا أن ندرك جيدا أن وجود واشنطن في المنطقة ليس مرتبطا فقط بمسألة الإرهاب أو الأمن أو الوضع الاستراتيجي للمنطقة، بل هي ترتبط حتى بالأفاق العالمية للاقتصاديات العالمية، وعلينا أن نعرف مثلا أن شركة أمريكية عابرة للقارات في ميدان السيارات الكهربائية، بحاجة إلى المعادن التي تتوفر عليها منطقة الاقتصادية الخالصة المحددة بمقتضى القانون 38.17، التي تتضمن جبل التروبيك الغني بحسب الاستكشافات التي قامت بها شركة بريطانية بعدد من المعادن.
واعتبر الحسيني، أن "التوتر بدأ عندما تم تحديد المنطقة الاقتصادية المغربية على مستوى شواطئ طرفاية إلى حدود الداخلة، وهذه الشواطئ معروفة أنها فيها نوع من الجبال البركانية المائية، فيها مجموعة من المعادن المهمة جدا، التي تصنع بها عادة بطاريات سيارات كهربائية، وبالتالي ألمانيا تدرك أن أي تعاون متفوق بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، قد يؤدي إلى استغلال هذه الثروات، لصالح الشركات الأمريكية الكبرى".
وشدد الحسيني، أن "هذا النوع من التعاون حيث الصراع الاقتصادي علينا ألا نهمشه في مثل هذه العلاقات، لأن لديه أهمية كبرى، خاصة أن سوق السيارات الكهربائية، في أفق العشرينية المقبلة، قد يتجاوز 300 مليار من الدولارات، وبالتالي السيطرة على الصناعة والتصميم، لديه أهمية كبرى".
ولفت أستاذ العلاقات الدولية، أن "هذه الحرب بدأت منذ الآن وأقطابها هم اليابانوألمانيا والصين والولاياتالمتحدة، التي لها منظور، الهيمنة الشاملة، والمنظور الشمولي للهيمنة، ربما يصدم بالطموحات الألمانية بالخصوص، ليس فقط في ميدان السيارات الكهربائية، بل حتى في ميدان الطاقة النووية والريحية، وبرلين في حاجة كبيرة إلى هذه الطاقة، بعد التراجع عن المفاعلات النووية.
وأشار إلى أن "هذه المجالات تعرف كلها نوعا من التنافس الشديد على المستوى الدولي، ناهيك عن ذلك أن الجزائر الآن تبحث عن موضع قدم حتى ولو أدى ذلك إلى تقديم عدة تنازلات في الميدان الاقتصادي خاصة مع دولة مهمة مثل ألمانيا، وأعتقد أن الدبلوماسية المغربية ينبغي أن تتجاوز هذه الأزمة الصامتة وتقوم بدور إيجابي في العلاقات مع برلين، فهي محور مهم ليس فقط في إطار العلاقات الثنائية بل حتى من خلال محور الاتحاد الأوروبي، حيث ان المغرب له مركز متقدم داخل الكتلة الأوروبية، وله علاقات قوية، على كافة المستويات، خاصة الاقتصادية منها، وبالتالي عليه ألا يفوت إعادة العلاقات مع برلين".