إعياء شديد، غثيان، ضيق بالصدر، نوبات صداع حاد، تشوش، والآم بالمفاصل، جميعها أعراض تحدث بعض المصابين بكوفيد-19 على مدى أسابيع، وربما أشهر بعد تشخيص إصابتهم.يُسمي هؤلاء أنفسهم "أصحاب الرحلة الطويلة" إذ تستمر معاناتهم مع أعراض المرض لفترات تتجاوز مدة ال 14 يوماً التي يُقال إنها مدة استمراره في المتوسط.وثمة دعوات للاختصاصيين في مجال الصحة وأصحاب العمل على السواء للأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأشخاص قد يحتاجون وقتاً أطول من أسبوعين للتعافي.تقول هيلين كالدر من ليفربول لمراسل بي بي سي لشئون الصحة دومينيك هيوز " هذا أغرب شيء واجهته على الإطلاق".فبعد أربعة أشهر من إصابتها وأسرتها بالفيروس، واستدعاء حالتها دخول المستشفى مرتين لتلقي العلاج، مازالت هيلين تتعرض لانتكاسة كل أسبوعين تقريباً، يداهمها خلالها شعور بالإجهاد الشديد والغثيان، بجانب نوبات الصداع وآلام المفاصل.حتى أنها اضطرت لملازمة الفراش لأيام بسبب شعورها بإرهاق شديد لمجرد قيامها بمطاردة سريعة لابنتها وهي تلهو معها خلال نزهة عائلية.وكذلك تقول دونا ماكلوك من ونشستر -والتي لم تجر فحصا- إنها شعرت بأنها في أسوأ حالاتها بعد سبعة أسابيع من تشخيص الأطباء لإصابتها بفيروس كورونا المستجد في23 مارس/ آذار.تقول دونا "كنت في حالة انهيار كامل طيلة شهر إبريل/ نيسان وأغلب أيام شهر مايو، الجميع يقولون إن الأعراض تستمر 14 يوماً، لكنني لم أشعر بتحسن قط، بحلول الأسبوع السادس دخلت في حالة من الهلع".وتضيف أنها كانت قلقة من احتمال إصابتها بعدوى ثانوية ووصف لها الأطباء مضادات حيوية ما جعلها تشعر بمزيد من السوء. والآن تعتقد دونا أخيراً بأنها في طريقها للتحسن " لم أعد مثلما كنت في السابق، لكنني فعلت كل ما أستطيع كي أرجع إلى حياتي الطبيعية". هناك الكثيرون مثل هيلين ودونا آلاف الأشخاص يتحدثون عن معركتهم الطويلة مع كوفيد-19 من خلال الوسوم (هاشتاغات) وصفحات الدعم على موقع فيسبوك مثل مجموعة دعم المرضى والتي تضم أكثر من 5200 عضو. Long Covid Support Groupيقول خبير الأوبئة الوراثية البروفيسور تيم سبيكتور وهو صاحب فكرة تطبيق يختص بدراسة أعراض كوفيد-19 Covid Symptom Study إنه تم تحميل معلومات من التطبيق لأكثر من ثلاثة ملايين مرة، ما يرجح أن "عددا كبيراً" من الأشخاص أبلغوا عن استمرار أعراض لنحو شهر كامل، بينما أبلغ واحد من بين 10 إلى 20 شخصاً عن استمرار الأعراض لفترات أطول من ذلك.ويضيف البروفيسور سبيكتور "ظن الجميع في البداية أن هذا الفيروس مثل الإنفلونزا، ستنتهي أعراضه خلال أسبوع، وقد يحتاج عدد قليل فقط إلى دخول المستشفى، وسيتعافى البعض فيما يعاني آخرون من مشكلات."" نعرف الآن من خلال هؤلاء الذين يستخدمون التطبيق يومياً أن هناك نسبة لا بأس بها من الأشخاص تعاني من مشكلات صحية تستمر أكثر من المعتاد ولفترات تزيد عن شهر".الدكتور جاك سويت وهو طبيب بالعناية المركزة في نورفولك، واستمرت الأعراض لديه شخصياً لعدة أسابيع، وجه رسالةً مفتوحة للحكومة للمطالبة بإجراء المزيد من الأبحاث حول الأعراض طويلة المدى لفيروس كورونا المستجد، وكذلك من أجل رفع الوعي بين الاختصاصيين في القطاع الصحي، وأيضاً أرباب العمل الذين قد يجدون موظفيهم غير قادرين على العمل لمدة تتجاوز أسبوعين.وكتب سويت في رسالته "هؤلاء المرضى قد يحتاجون دعماً مالياً، ويحتاج أصحاب العمل لبناء تصورات واقعية بشأن الفترة التي قد يحتاجها المرضى للتعافي".وقد أثيرت هذه القضية في البرلمان بشكل منفصل، وأطلقت هيئة الخدمة الصحة الوطنية في إنجلترا خدمة جديدة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من تأثيرات مديدة لفيروس كورونا المستجد.كما أعنت الحكومة عن دراسة بتكلفة 8.4 مليون جنيه إسترليني لبحث الآثار بعيدة المدى على الصحة. أما الدكتور جاك سويت فلم يتلق رداً على رسالته بعد. ما الذي يحدث إذن؟ توثر التبعات طويلة الأجل أيضاً على هؤلاء الذين يعانون من أمراض تنفسية مزمنة، كالالتهاب الرئوي الفيروسي بصوره المختلفة، وفقاً للدكتور مايكل هيد خبير الأوبئة بجامعة ساوثمامبتون، الذي يرى أنه في حالة كوفيد- 19 يصعب تحديد ما إذا كان عدد الأشخاص المتضررين في زيادة أو نقصان، نظراً لأن الدراسات الموجودة حالياً بشأن حالات أخرى لا تعطي نتائج حاسمة.ويقول الدكتور هيد إن ما قد يجعل كوفيد-19 مختلفاً هو اتساع نطاق تبعاته الصحية طويلة الأمد. فالإرهاق وتشوش الذهن واستمرار فقدان حاستي التذوق والشم هي من بين الأعراض التي دفعت المرضى الذين طالت معاناتهم إلى أن يتساءلوا حول ما إذا كان الفيروس يهاجم الدماغ بالفعل.وأضاف قائلا " لا يُعرف بعد بشكل كامل كيف تحدث هذه الأعراض، وما إذا كان الفيروس - على سبيل المثال - يؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي، أو ما إذا كان قادراً على اختراق الحاجز بين الدم والدماغ ليؤثر على الأخير بشكل مباشر. من الواضح جداً أن الفيروس يؤثر على أجزاء عدة في الجسم بخلاف الرئة".البروفيسور بول غارنر من كلية طب المناطق الاستوائية في ليفربول وهو خبير في الأوبئة عكف على دراسة رحلته الطويلة مع أعراض كوفيد-19 منذ بدء إصابته في 19 مارس آذار.يصف غارنر حالته بأنها تشبه متلازمة الإجهاد المزمن Chronic Fatigue Syndrome (CFS) or ME.ويقول إن بعض المرضى يعتقدون أن أعراضهم تعود لأسباب نفسية لأنهم لا يصدقون أنهم يشعرون بأعراض شديدة لهذه الدرجة طيلة هذا الوقت، " يقولون لأنفسهم: لا يمكن أن يكون هذا شعوراً حقيقيا، إنه شعور غريب للغاية. لابد وأنه انهيار عصبي".ويضيف أنه تحدث لأطباء كانوا يعتقدون أنهم يعانون أنفسهم من انهيار عصبي، لكنها كانت في الواقع أعراض المرض.ويقول البروفيسور غارنر إن الراحة التامة ضرورية من أجل التعافي في نهاية المطاف، لكن كثيرين غير قادرين على القيام بذلك، إما لأسباب مالية أو عائلية أو كليهما معا. " إذا لم تمنح جسدك الوقت الكافي ليتعافى، فسوف ينتكس من جديد. التسرع في العودة للعمل من المرجح أن يجعلك مريضاَ مجدداّ ويؤخر التعافي. أعتقد أن الناس لم يفكروا في هذا بشكل جيد".