ما بين 1981 و 2016.. 35 سنة بالضبط على حدث قبول الملك الراحل بتنظيم الاستفتاء في الصحراء المغربية ! القرار الذي لم ير النور علما أن الحسن الثاني كان مستعدا لتنظيم الاستفتاء في أقل من أربعة أشهر، بعد عودته من مؤتمر نيروبي.
كل الذين سمعوا الملك الراحل يتحدث عن تنظيم الاستفتاء في الصحراء لا بد أنهم استغربوا أو ثاروا مثل ما حدث للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، الذي أصدر بيانا ساخنا رافضا القرار، وترتب عنه نفي قادته، وأبرزهم الراحل عبد الرحيم بوعبيد.
وكل الذين تابعوا مداخلة الحسن الثاني في الندوة الصحافية التي عقدها في الثاني من يوليوز 1981، أي قبل 35 سنة بالتمام، ساد لديهم الاعتقاد أن الملك الراحل جاد في قراره، خاصة حينما وعد بتنظيم الاستفتاء في أقل من ثلاثة أشهر، بل شهرين فقط !
كان أول سؤال طرح على الملك في نفس الندوة كالتالي : " صاحب الجلالة هلا تكرمتم وقلتم لنا كيف كان استعدادكم لنيروبي وكيف عدتم منها ؟"، وهكذا رد الملك: " لقد ذهبت إلى نيروبي وأنا مصمم العزم على فك المغرب من ذلك الطوق الذي كان يقيده، والذي كان يظهر بلدي وكأنه يعارض كل حوار في خصوص مشكل الصحراء"، أما حينما طرح عليه السؤال بدقة، "صاحب الجلالة، لماذا قبلتم في هذه السنة 1981 مبدأ الاستفتاء في حين أنكم كنتم ترفضونه من قبل ؟"، رد الملك قائلا: " في الحقيقة، لم أرفض أبدا الاستفتاء، رفضت بعض جوانب الاستفتاء، وأعني بهذا تقرير المصير. إن الاستفتاء كما تعلمون أمر يتعلق بالسيادة الداخلية، أما تقرير المصير فأمر قانوني، وهو لا يقتضي بالضرورة وجود سيادة في الأرض المعنية به. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا شك أنكم لاحظتم اللهجة المتصاعدة التي طبعت التوصيات الصادرة من منظمة الوحدة الإفريقية ، الأولى كانت حادة وتهديدية، ولذا ما كان ممكنا أن أقبلها لا مراعاة لنفسي ولكن لأجل الحفاظ على كرامة بلدي، أما الأخيرة فقد كانت تأخذ بعين الاعتبار المناخ الإفريقي، وفي نفس الوقت تاريخ بلدي وسمعته، لهذا قبلت هذه المرة في نيروبي الاستفتاء".
واضح أن ميزان القوى في القارة السمراء لم يكن حينها في صالح الملك الراحل، وهو ما عبر عنه الحسن الثاني بالمناخ الإفريقي، وواضح أيضا أن هذا الاختلال في ميزان القوى هو الذي قدم تبريرا لقبول الاستفتاء، لكنه استفتاء بمضمون تقرير المصير كما ورد في سؤال طرح على الشكل التالي: "صاحب الجلالة لكنكم في هاته السنة قبلتم استفتاء تقرير المصير، فأظن أن قرار نيروبي يتكلم عن استفتاء تقرير المصير ؟"، حيث رد الملك: " نعم، إن هذا النوع من الاستفتاء يكون دائما لأجل تقرير المصير، لكنه في مفهومي استفتاء تأكيد. لا أعتقد أنه بمناسبة الاستفتاء سيتنكر السكان المغاربة الصحراويون لكل المظاهر التي عبروا فيها عن انتمائهم للأسرة المغربية بأسرها، وذلك عن طريق البيعة المجددة لشخص أمير المؤمنين، أو أنهم سيكونون في تناقض مع مشاركتهم الواسعة في الانتخابات البرلمانية والجماعية، لهذا ففي مفهومي إن هذا الاستفتاء إنما هو للتأكيد".
وسيذهب الملك بعيدا في الشرح، حينما تحدث عن الفئة المعنية بالاستفتاء: "لا بد من الانطلاق من قاعدة راسخة، إن الإسبانيين، والحمد لله، قبل أن يغادروا أرض الصحراء، قاموا بإحصاء، وهو إحصاء دقيق، ففيه نجد اسم الشخص، الذكر أو المؤنث، واسمي أبويه واسم القبيلة أو العشيرة المنتمي إليها ذلك الشخص، وقد أودع في هيئة الأممالمتحدة، وكل أمة أرادت الرجوع إلى ذلك السجل فلها ذلك"، قبل أن يضيف أن هناك فئة ازدادت بين الفترة الممتدة من سنة 1975 إلى تاريخ الخطاب الموافق ل1981، وهم الذين لم يبلغوا حينها السن القانونية للاقتراع، وفئة بلغت السن القانونية: " أما الذين بلغوا السن القانونية، فلا مشكلة في خصوصهم، ومن المؤكد أننا سنكون في حاجة إلى مساعدة من لدن هيئة الأممالمتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، وكذلك إلى الإدارة الحسنة والفعالة لكل من الجزائروموريتانيا".
كان الملك جادا في قراره بتنظيم الاستفتاء، ليس فقط لأنه شرح للصحافيين الفئات المعنية به، ولكن بسبب دعوته لفتح مكاتب للإحصاء تحت المراقبة الدولية للتمكن من التعرف على هوية جميع المعنيين مباشرة بالاستفتاء والاستشارة الانتخابية، وأيضا بسبب الطريقة الهادئة التي كان يتحدث بها إلى الصحافيين، لدرجة أنه رد على جميع الأسئلة حتى تلك التي تتعلق بالتفاصيل الدقيقة حول الاستفتاء، بما في ذلك ما يخص المغاربة المتواجدين حينها بتندوف !
صاحب الجلالة، هل تعتبرون حشود السكان في تندوف مغاربة؟ وبأية طريقة ستثبتون انحدارهم؟ وهل ستشركهم في الاستفتاء؟ وإلى اي حد يكون ذلك؟ وبأي شكل؟
الملك: في ما يخص السكان غير الموجودين في الصحراء، السكان الذين هم في الجزائر أو موريتانيا، ينبغي أن تكون هويتهم مطابقة للسجل إذا كانوا مازالوا على قيد الحياة، أي السجل الذي هو مودع لدى الأممالمتحدة، والذي زكاه المسؤولون الإسبانيون وقت مبارحتهم الصحراء.
هل ستقومون بضبط تعداد هؤلاء السكان؟
الملك: نفعل هذا نحن، وإن كان آخرون يريدون التدخل في شؤوننا، فلا حق لنا في التدخل في أمور غيرنا، وفي ترابه. كل ما في الأمر، أننا نطلب من لجنة تابعة للأمم المتحدة ولمنظمة الوحدة الإفريقية، باتصال إما مع السلطات الجزائرية أو مع السلطات الموريتانية، أو تتفضل بتسجيل جميع الذين تكون هويتهم مطابقة لما في السجل الآنف الذكر.
صاحب الجلالة، هل سجل السكان الرحل في القائمة التي حضرها الإسبانيون؟
الملك: سجلوا.
وبكم تقدرون عدد سكان الصحراء؟
الملك: ليراجع سجل ذلك الوقت، لا أريد أن أدلي برقم غير صحيح، وإنما أظن أن العدد لا يتعدى 74 أو 75 ألفا. لا أعتقد أن العدد الحقيقي دون ذلك أو فوقه إلا بنزر يسير.
لم يقف الملك عند هذه التفاصيل، بل زاد عليها كثيرا، حينما تحدث عن تاريخ تنظيم الاستفتاء: " 21 غشت 1981 في ما أظن"، وقال الملك كذلك إن الأمر إذا كان متعلقا فقط بالمغرب، فإنه مستعد لتنظيم الاستفتاء في ظرف ثلاثة أشهر أو أربعة في أقصى تقدير: "إن المغرب إذا كان الأمر لا يتعلق إلا به وحده، مستعد بعد ثلاثة أشهر أو أربعة ليطبق الاستفتاء. في ما يخصنا، نتفق مع ملاحظي الأممالمتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية على عدد دوائر التصويت، وعدد المخادع، والأشخاص المتعين تسجيلهم من البالغين سن الرشد الانتخابي والمجتمعة فيهم الشروط المتصلة بالسجلات السكانية التي وضعها الإسبانيون، وتكون حرية تجول السلطة الدولية تامة للتعرف على الضغط إذا كان أو التثبت من عدم وجود ضغط. هذه مسائل تظهر وترى، فإذا قالت الأممالمتحدة إنها تريد ان تتم الأمور قبل نهاية عام 1981 فنحن مستعدون في حدود الأشهر الثلاثة أو الأربعة القادمة. والمؤمل أن الجهة الأخرى أو بالأحرى أن الجهتين الأخريين ستسهلان مهمة الإحصاء على السلطة الدولية".
لم يسبق للملك الراحل أن تحدث عن هكذا تفاصيل حول الاستفتاء في الصحراء مثل ما حدث في الندوة الصحافية التي عقدها في الثاني من يوليوز 1981، أي مباشرة بعد عودته من مؤتمر نيروبي الذي وافق فيه على تنظيم الاستفتاء ووصفه بالتأكيدي، بل إن الحسن الثاني سيشرح لضيوفه الصحافيين أنه في فترة الاستفتاء لن تنظم حملة انتخابية بقدر ما سيوجه سؤال مباشر للمعنيين به لن تكون حملة انتخابية، إن السؤال المطروح لعله يكون بسيطا بلا حرج، أتريد أن تكون هنا أم هنا، مثلا، مبدئيا لا حاجة في هذا إلى حملة انتخابية ، ومن المؤكد أنه إذا أتى أشخاص لا يحملون الجنسية المغربية ليدعوا في "حملتهم الانتخابية للانفصال فسيكون ذلك منافيا للنظام الداخلي، وعلينا ساعتها أن نمنعهم من الإذاية بكل لطف، أي بإرسالهم إلى بيوتهم. لا يمكن أن نقبل في أرضنا أهل إشهار بالانفصال، يكفي أننا قبلنا الاستفتاء فلم نقبل حالة تعسر استساغتها".
هكذا كان الملك حاسما حينما تعلق الأمر بالدعوة إلى الانفصال في فترة الاستفتاء، وسيكون كذلك حينما تحدث عن موقف الجزائر من الاستفتاء ، وسيكون كذلك حينما تحدث عن موقف الجزائر من الاستفتاء كما قدمه في مؤتمر نيروبي: "مما لا شك فيه أن الموقف الجزائري في نيروبي خيب ظني كثيرا، فاعتمادا على ما كان لدي من معلومات في خصوص المسؤولين الجزائريين، كنت أعتقد أن هؤلاء ما كانوا بحاجة إلا إلى تبرير أدبي لموقفهم حتى يتسنى الرجوع إلى سابق عهد الأخوة والتعاون، وقد قال لي عدة رؤساء دول إفريقية وحتى عربية إن الحكومة الجزائرية الحالية وجدت نفسها مقيدة بوضعية يصعب عليها التخلص منها، فطفقت تجر في أذيالها عدة دول إفريقية وغير إفريقية.. خاب ظني لكن الأمر يمكن أن يعود إلى مجراه الطبيعي، وكم خيب ظني ألا يحدث أن يأتوا لعناقي فيقولوا لي: الآن وقد نفذت الشروط المبدئية المسبقة، وقبلتم الاستشارة، فإننا نكون سعداء أن يكون المغرب هو القائم بالأمور هناك، فالمغرب الذي نعرفه، هو على الأقل دولة المستقبل مضمون معها بدون مغامرة، وها نحن أولا مستعدون لنقدم لكم يد المساعدة لضبط تعداد السكان، ولإحكام إقفال الحدود، فليس قط في صالح الجزائر أن تكون هناك دويلة مؤلفة مما يتراوح بين ،75 و100 ألف من السكان الذين لن يجدوا قوتهم والذين يكونون محاطين ومحبطين بموريتانياوالجزائر والمغرب".
كان الملك يتوقع مثل هذه الرسائل من قبل الجزائر، لكنه فوجئ بالجزائر تتمنى أن يسحب المغرب جيشه ومؤسساته وإدارته في الصحراء قبل تنظيم الاستفتاء !: " في الجزائر نفسها لم ينسحب الجيش الفرنسي ولم تشترط جبهة التحرير الوطني انسحابه، وكذلك لم يتم انسحاب الجيش لا في الزيمبابوي ولا في جيبوتي، وهكذا فإن السلطات والحكومة الجزائرية لم يكن عليها أن تضع في نيروبي تلك الشروط غير المقبولة والتي لم تقبل فعلا"، يقول الملك، ثم يسترسل: " فكل الذين كانوا حاضرين، من بين رؤساء الدول والمسؤولين، فضلا عن الحكماء، كانوا يعرفون جيدا أن ذلك الاقتراع مستحيل التطبيق، فإذا المغرب لم يسحب جيشه ، لست أدري ما الذي يقدر على سحب الجيش المغربي، مثل هذا لا يقع أبدا، والجزائريون لم يطلبوا شيئا من هذا القبيل يوم الاستفتاء في الجزائر".
في أجواء المؤتمر، كانت 26 دولة إفريقية عضو في منظمة الوحدة الإفريقية معترفة بالبوليساريو، تدخل منها ست دول في أشغال المؤتمر لضبط عملية الاستفتاء، على نحو ما كشفه الملك الراحل، وهي إشارة دالة في نظر الحسن الثاني، خاصة بعد أن قبل بمبدأ الاستفتاء، ولم يتبق سوى التفاصيل، والتي كشف عنها في نفس المناسبة الصحافية، لدرجة لم يخف إلا ما تعلق بالسؤال الذي سيوجه للمعنيين بالاستفتاء.
صاحب الجلالة، هل بالإمكان تصور صيغة السؤال في الاستفتاء ؟
الملك: الصيغة عندي، ولن أذكرها الآن. إنني لا أريد أن أكشف كل شيء، وإنني لم أعط الصيغة ولا حتى لمنظمة الوحدة الإفريقية.
غير ذلك، لم يكن الملك ممانعا لتنظيم الاستفتاء حتى من قبل إسبانيا، على حد ما جاء في نفس المناسبة لو أن إسبانيا: " قبلت القيام، قبل اليوم، بدورها وخاصة حينما كان يزعم وزير الخارجية الحكومة السابقة أن إسبانيا إنما سلمت إدارة البلد لا سيادته، لو أنها فعلت ذلك لكانت وفرت علينا الكثير من المتاعب.. لأن محكمة لاهاي استشيرت فعلا من قبل الأممالمتحدة في أمر الصحراء المغربية هل كانت قبل أن تستعمرها إسبانيا أرضا خلاء، وكان جواب محكمة العدل "لا" .. وقالت المحكمة إنه كانت هناك روابط ولاء وبيعة، أي روابط قانونية، بين المغرب والصحراء".