راج حديث في الأوساط السياسية المغربية مؤخرا عن ضرورة المرور إلى حكومة وحدة وطنية، ماهي خبايا هذه الدعوة بروفيسور خالد فتحي ؟ فعلا كانت هنالك بعض الهمهمات غير الواضحة بهذا الخصوص من طرف بعض القوى السياسية، وكان هناك رد من رئيس الحكومة، همهمات لم تتحول إلى صوت مرتفع، مما يدل على أن الأمر لا يعدو كونه جس نبض وبالون اختبار ليس إلا. والغريب أن هذه القوى توجد ضمن التحالف الحكومي مما يظهر أن هناك عدم انسجام حكومي يريد له البعض أن يخرج للعلن لوضع رجل داخل الحكومة وأخرى خارجها حتى إذا كان هناك امتعاض شعبي من إجراءات قادمة أمكنه التنصل من تحمل عبئ القرارات الحكومية. ثم نحن الآن بصدد طوارئ صحية ولم نعمد منذ البداية الى إعلان حالة الحصار، بمعنى أن كورونا لم يخلق وضعا استثنائيا على المستوى السياسي يمكن أن نلجأ معه إلى حكومة من هذا النوع. والبرلمان يجتمع والقوانين تصدر والإدارة مرت للسرعة القصوى لتنفيذ الإجراءات المواكبة لحرب كورونا. ولا أظن أن هذه الدعوة لحكومة وطنية تعبر عن قناعة سياسية تحصلت لدى هذه الأحزاب بل هي تمنيات لأجهزة قيادية فيها تريد أن تبرز قوتها الاقتراحية بهذا الشكل ، وتعتقد فوق ذلك أن هذه الحكومة فرصة لها للتموقع الشخصي. في رأيكم هل نحتاج لمثل هذه الحكومة في ظل ظروف الوباء؟ أظن أننا لا نحتاج لها لأن الهدف من حكومة الوحدة الوطنية هو تحقيق تعبئة شاملة لكل فئات الشعب في مرحلة تكون عصيبة. والحال أن هذا الهدف حاصل بفعل الالتفاف المنقطع النظير حول المبادرات المعلنة من طرف جلالة الملك منذ إنشاء صندوق مكافحة كورونا. فالتبرعات التي بلغت 3مليارات دولار تقاطرت لأن المؤسسة الملكية هي من قادت المبادرة، هذا جلي للعيان، الحكومة الوطنية ينبغي أن تمهد لها الأحزاب بإقناع نوابها بالتخلي عن التعويضات خلال الجائحة، فإذا كان من فوضك صوته يوجد في ضائقة كيف لا تنعكس عليك انت الذي تقول إنك تمثله هذه الضائقة؟. آنذاك يمكن أن يكون لمثل هذه الدعوات شرعية، ثم من شأن هذه الحكومة أن تأتي ببعض رؤساء الأحزاب الذين مل الشعب من زمانتهم في المشهد السياسي، لا أظن أنهم رجال مرحلة ما بعد كورونا، لأننا نحتاج لبلورة حلول إبداعية، كلنا يعرف ما ينبغي أن يكون، ولكننا ننتظر التنزيل على شكل اجراءات مرقمة بأسماء القطاعات وبالآجال. وأعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية ستمنع احتدام الآراء وتقارع وجهات النظر مابعد الحجر الصحي ، كما سنضيع وقتا ثمينا نحن في حاجة له .ثم كل الشعوب أبقت على حكوماتها حتى تلك الشعوب التي تعيش في خضم أزمات. لا حكومة أسقطها كورونا الى الآن في العالم.
إذن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني كان على صواب في رفض مناقشة هذا المسار؟ المنطق يقتضي أننا نحن من يطلب تحمل الآخرين للمسؤولية بجانبنا حين تسوء الظروف ،المنطق السياسي هو منطق برغماتي، ولذلك الحزب الحاكم يريد بقاء الوضع على ماهو عليه حكوميا، وهو يعرف أن الحرب ضد كورونا هو رهان دولة وليس رهان حكومة، ويريد أن يطاله نصيب من التقريظ والمديح الشعبي لما تم تحقيقه وماينتظر تحقيقه، رغم أن الوزراء الذين أبانوا عن حركية ونشاط خلال الجائحة أغلبهم لا ينتمي له. كما أن حكومة وحدة وطنية ربما تتشكل على غير قاعدة احتساب الثقل الانتخابي وقد تمنح رئاسة الحكومة خارجه، ويقلص حجمه داخلها. ثم ربما تدوم هذه الحكومة لسنتين وربما أكثر بسبب احتمال تأجيل الانتخابات أو بسبب تطور الوباء والوضع الاقتصادي والاجتماعي، وهذا قد يضر بمصالحه في الانتخابات القادمة إذا ما فقد قطاعات تضمن له توسيع وعطائه الانتخابي، الأحزاب المطالبة والرافضة كلها توجد داخل الحكومة الحالية وكلها يطلب ويرفض لحسابات حزبية وليس لمصلحة الوطن. ماهي إذن حظوظ تحقق هذا السيناريو؟ في الوقت الحالي لا حظوظ له خصوصا إذا استمر التحكم في الحالة الوبائية وترسخت أكثر حالة التضامن التي يعيشها المغاربة أو أسفر الحجر الصحي عن إبداع مغربي في طرح الحلول وتطبيقها على أرض الواقع، لكن إذا طرأت مستجدات قد يتغير اتجاه الرياح. مثلا كأن يصبح إجراء الانتخابات مستحيلا ،آنذاك لا يمكن أن تستمر أغلبية انتهى زمن تفويضها الشعبي، أو تقع أزمة حكومية بانسحاب حزب من أحزاب الأغلبية منها، خصوصا وأنها أبانت أنها جزر متباعدة في قانون تكميم الأفواه لا لاحم لها. في هذه الحالة البحث عن أغلبية جديدة سيكون مكلفا للبلاد في سياق كورونا الذي لن يمنح للحزب الحاكم ترف الوقت اللازم لإدارة المفاوضات، كما أن جبر الحكومة بحزب آخر لن يغري أيا من أحزاب المعارضة، وبالتالي قد تصبح حكومة الوحدة الوطنية مطلب الجميع او الممكن المتبقي أمام الطيف السياسي المغربي.