يتعلق الأمر نظريا بعقد بين الملك والشعب ممثلا في الأعيان، وهنا علينا أن نتحدث عن «مبايعة»، كما جاء في القرآن. بما أن هذه الصيغة النحوية تعني المعاملة بالمثل. ولكن منذ مدة طويلة لا تستعمل سوى كلمة «بيعة» التي تعني فعل الولاء الذي يتجسد رمزيا من خلال حفل سنوي، يمكن تحيينه في كل لحظة، في إطار الدستور المكتوب، من خلال أسلوب الاستفتاء. فالملك يتوفر على إمكانية أن يطلب من الشعب موافقته حول أي موضوع، من استغلال الفرصة لتذكيره بواجب الطاعة والولاء، وأي نتيجة سلبية أو فقط مشكوك فيها، تأخذ طابع تنصل، قطيعة مع التقاليد. ويتعلق الأمر هنا بتفسير ينسى أن لمفهوم البيعة أيضا تاريخا. هذا التفسير ليس جديدا، فالسنيون يرجعونه دون تمييز بقيصرية الأمويين وبالإمامة الفارسية التي أثرت عميقا في العلويين والعباسيين، فهم يزعمون العودة الى المفهوم الأولي، مفهوم الرسول [ص] الذي يفترض وجود ضامن، في هذه الحالة طبقة العلماء التي تمثل جماعة المؤمنين والبيعة السياسية، يجب، في نظرهم، أن تفصل بعناية عن التبجيل الواجب لسلالة النبي والتي تعبر عن نفسها بأشكال أخرى. هذا التفسير المعتدل تم تحريفه في ما بعد، من طرف العلماء أنفسهم، عندما اضطر الإسلام، الذي تعرض لهجمات الصليبيين، للاستنجاد بالمحاربين الأتراك. وفي ظل الخلافة، ولدت السلطنة. والبيعة، تحت ضغط الضرورة، أصبحت مزدوجة، وبنفس المناسبة، تقلصت إلى طقس الطاعة ل «أمير الجهاد الذي يباركه الخليفة». في المغرب بيعة إدريس الأول مختلفة عن بيعة ابن تومرت، المنصور أو اسماعيل، وفي التاريخ الأول كان يسمى «إمام» والثاني «إمام» و«مهدي» والثالث «خليفة» والرابع «مولاي» و«سلطان»، الشكل يبدو ثابتا، بينما المحتوى يتغير باستمرار. وفي عهد الإصلاح الذي دشنه محمد الثالث في القرن 18 وواصله ابنه سليمان في القرن 19 قرر العلماء تجاهل هذه التطورات، والارتباط مباشرة بالتفسير السني السابق على مجيء السلطنة التركية. واستلهم زعماء الحركة الدستورية لسنة 1908 تصورهم النظري، من بينهم علال الفاسي الذي يعتبر نفسه وريثهم، والتي عبر عنها ابن زيدان ِمؤرخ سلالة العلويين، مع بعض التحفظات. وعلى أساس تفسير هذا الأخير، قام الوطنيون بقراءة روسوية [نسبة الى جان جاك روسو] للبيعة [عقد تفويض وشرعية سياسية] وتم تجاهل الطابع الإمامي تماما، ضد الفقهاء القانونيين للحماية الذين كانوا يزعمون الدفاع عن التقاليد الحقيقية للمخزن. كانوا متشبعين بالأحكام المسبقة للقرون الوسطى، حريصين على حماية إدارة الأمور، هذه التي فوضها السلطان لمواطنيهم وبالتالي عرفوا كيف يعطون للنظام الشريفي لبوسا عصريا، كملكية مطلقة على طريقة طوماس هوبس. بالنسبة لهم البيعة هي مراسيم تقليدية لفعل بدائي أسلمت من خلاله الجماعة روحها وجسدها، وإلى الأبد[ وهكذا كانوا يفهمون كلمة «إسلام»] للنبي وسلالته، وهكذا يكون المسلمون قد تخلوا طواعية ونهائيا عن جميع حقوقهم الطبيعية بتخليهم لفائدة الحاكم، عن كل مسؤولية في تدبير شؤونهم العامة، في هذه الشروط، فإن البيعة طقس للوفاء للأسلاف وللتقاليد وللذات. وهذا التفسير منسجم في نفس الوقت، في إطار السلطنة المرتبطة بالإمامة وفي إطار ملكية مطلقة على طريقة هوبس، هذه السهولة في الانتقال من مفهوم لغوي إلى آخر جعلها مغرية بشكل خاص بالنسبة لرجل كالحسن الثاني.