يبدو أن الموعد العالمي مع ارتفاع درجات الحرارة والذي حذر منه العلماء منذ عقود قد حان موعده، مع ما يحمله من أخطار بيئية وصحية هائلة على المجموعة البشرية قاطبة. والخميس، قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هذا العام كان أكثر الأعوام ارتفاعا في درجات الحرارة على الإطلاق منذ أكثر من قرن وربع من الزمن، حيث بلغ غاز ثاني أكسيد الكربون مستويات مرتفعة جديدة مما يزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
وذكرت المنظمة في بيان لها أن يونيو/حزيران كان الشهر الرابع عشر على التوالي الذي يشهد درجات حرارة قياسية في الأرض والمحيطات.
ولم تقتصر آثار الموجة الحارة على منطقة الشرق الأوسط كدول الخليج والعراق وحدها، لكنها امتدت إلى دول أخرى مثل أوروبية وآسيوية وإلى الولاياتالمتحدة الأميركية ما جعل التقسيمات الجغرافية المناخية التقليدية للعالم تكاد لا يبقى له من أثر، إذ بدا انه لم يعد من فارق كبير بين المناطق الباردة والمعتدلة والحارة بالنسبة لارتفاع درجة الحرارة.
ودعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى تنفيذ اتفاقية باريس التي جرى التوصل إليها في ديسمبر/كانون الأول للحد من تغير المناخ من خلال التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة بحلول 2100.
والتحذيرات من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة على الحياة في كوكب الأرض ليست جديدة. فمع تفاقم موجات الحرارة، ترتفع أصوات خبراء المناخ للتحذير من مغبة التهاون مع ظواهر التغير المناخي والاحتباس الحراري.
وعلى مدى سنوات، ظل علماء المناخ يحذرون العالم من أن الإفراط في استخدام الوقود الأحفوري على سبيل المثال (الفحم والنفط والغاز الطبيعي) يهدد العالم بتغير مناخي دراماتيكي وقاتل.
ويعتبر ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون، المنتج الثاني لحرق الوقود الأحفوري في الغلاف الجوي للكرة الأرضية أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض. وبدوره يؤدي هذا العامل إلى تغيير أنماط سقوط الأمطار وهبوب العواصف ورفع مستويات البحار.
وأظهرت البيانات الصادرة من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن درجات الحرارة خلال العام 2016، كانت عالية خاصة في منطقة القطب الشمالي مما أدى إلى بداية مبكرة جدا للذوبان السنوي لجليد البحر القطبي الشمالي والغطاء الجليدي في غرينلاند.
وأعلنت الإدارة الوطنية الأميركية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي أن شهر يونيو/حزيران 2016، سجل أعلى درجات حرارة على الإطلاق مقارنة بدرجات حرارة الشهر ذاته منذ 136 عاما موضحة أن تاريخ تسجيل درجات الحرارة يعود إلى العام 1880.
كما تشير صور الأقمار الصناعية أظهرت انحسارا حادا، وبشكل فائق السرعة خلال السنوات الأخيرة، للأنهار الجليدية في عدد من مناطق العالم الباردة، مثل جبال الهيمالايا في آسيا، والإنديز في أميركا الجنوبية والألب في أوروبا وروكي في أميركا الشمالية.
وتؤكد تلك الصور أن ذوبان الأنهار الجليدية بتلك السرعة قد يؤدي إلى غرق العديد من الراضي والمدن المتاخمة للسواحل مع ارتفاع شديد الخطورة ومتواصل في مستوى سطح البحر.
والمشاكل البيئية وحتى الاجتماعية المتأتية من ارتفاع درجات الحرارة أو ظاهرة الاحتباس الحراري تتناسل تباع الواحدة تلو الأخرى.
وطيلة المفاوضات الطويلة والشاقة التي استمرت لعقود في سياق البحث عن صيغة ترضي جميع الدول قبل التوقيع على اتفاق المناخ تسعى الأممالمتحدة للتحذير المتواصل من أن ازدياد الانحباس الحراري سيرفع من أسعار الغذاء، ومعها مناطق الجوع حول لدى أفقر شعوب العالم، بينما تؤكد الدراسات العلمية أن "انبعاث الغازات الدفيئة الناتجة في معظمها من حرق الوقود الحفري ستقلص من توافر بعض الخضراوات والفواكه والكائنات البحرية".
ويقول العلماء إن التغيرات المناخية تشكل تهديدا كبيرا ليس فقط على الصحة البدنية والعقلية، بل إنها قد تسهم في خلق اضطرابات اجتماعية وصراعات وعنف. ويؤكد هؤلاء أن "التقلبات والتغيرات المناخية قد تؤدي إلى موجات هجرة على نطاق واسع بعيدا عن المناطق التي لم تعد قادرة على توفير ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى للسكان الحاليين".
ومنذ أكثر من ست سنوات نشر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) تحت اسم "البيئة العربية: تغير المناخ"، تقريرا حذر من أن البلدان العربية هي في طليعة المناطق المهددة بتأثيرات تغير المناخ.
وقال التقرير إن "صحة البشر سوف تتأثر بارتفاع درجات الحرارة، ويزداد تفشي الأمراض المعدية مثل الملاريا والبلهارسيا، وتزداد حالات الحساسية والأمراض الرئوية مع ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون واشتداد العواصف الرملية وتكرارها".
وأضاف التقرير انه "مع ازدياد قسوة الجفاف وتوسعه، وتغير امتدادات الفصول، قد تنخفض المحاصيل الزراعية إلى النصف، ما لم يتم تطوير واعتماد محاصيل تحتاج إلى مياه أقل وتتحمل ارتفاع مستويات الملوحة".
ويقول مراقبون إن البشرية تعاني اليوم في وجه من وجوه مشكلتها مع ارتفاع الحرارة الناتج عن واقع مناخي متقلب، من عدم تعاملها بجدية مع تحذيرات العلماء من خطورة التهاون مع الأخطار البيئية المحدقة بالكرة الأرضية، ولذلك فإن ما يحدث اليوم من هذا الارتفاع المخيف لدرجات الحرارة كان بالإمكان تداركه من مدة أو على الأقل التخفيف من حدته لو تخلصت الكثير من الدول من انانيتها وتبرعت ببعض من رخائها الاقتصادي لفائدة بيئة كونية مهددة.
ويضيف هؤلاء أنه من المؤسف أن التوجه لإنقاذ كوكب الأرض من حالة الكارثة البيئية التي هو بصددها والمرشحة للتفاقم أكثر في قادم السنوات، قد تم في وقت متأخر جدا وقد يكون لا يسمح بتدارك حالة الدمار الهائل التي تعرض لها مناخ الأرض.