بعد تعثرها في السنوات الأخيرة، قررت الشركات الفرنسية صب تركيزها مجددا على المغرب الذي يعتبر مركزا اقتصاديا وبوابة إلى الأسواق الواعدة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبعيد وصوله إلى المملكة المغربية الخميس على رأس وفد من رؤساء نحو مئة شركة، كرر رئيس نقابة أرباب العمل الفرنسيين بيار غاتاز في مناسبات عدة أن إفريقيا، التي من المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها إلى ملياري نسمة بحلول العام 2025 "في حاجة إلى كل شيء"، من المياه إلى الطاقة مرورا بالبنية التحتية، لذا، فهي "أولوية" وفقا لغاتاز. فما هو أفضل من المغرب ليكون جسر عبور إلى السوق الأفريقية الواسعة؟ وبحسب وزير المالية المغربي، فإن بلاده مرتبطة بأكثر من 500 اتفاقية تعاون اقتصادي مع الدول الأفريقية، وبينها اتفاقيات برسوم جمركية تفضيلية. وبين العامين 2004 و2014 ارتفع إجمالي حجم التبادلات التجارية بين المغرب والقارة الأفريقية بنسبة 13 في المئة بمعدل سنوي، ليصل إلى 37،6 مليار درهم (3،46 مليار يورو)، وفقا للمصدر نفسه. -شراكة استثمارية- بالنسبة لكزافييه بولان، نائب رئيس نادي رؤساء الشركات الفرنسية المغربية رئيس مجموعة "أفريل" للأعمال الزراعية، فإن للشركات الفرنسية مصلحة في الاستفادة من العلاقات المتميزة للمغرب مع شركائه الأفارقة للقيام مع الشركات المغربية ب"شراكة استثمارية" في القارة. هذه الشراكة كانت هدفا منذ سنوات عدة، لكنها تأثرت بالفتور النسبي في العلاقات التجارية بين البلدين. ورغم أن فرنسا كانت الشريك التجاري الأول للمغرب، أقصتها إسبانيا عن عرش الشراكة قبل ثلاث سنوات. وإذا كان عدد الشركات الفرنسية الحاضرة في المغرب في العام 2012 ألف شركة، فاليوم لا يوجد إلا 750 شركة فقط. وبحسب بولان، تراجعت الحصة الفرنسية في السوق المغربية من 20 في المئة مع بداية الألفية الثالثة، إلى ما بين 13 و14 في المئة حاليا. ومن هنا تأتي رغبة "حركة الشركات الفرنسية" بتنشيط العلاقات بين البلدين. وقال غاتاز خلال اجتماع مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الدارالبيضاء "يجب على علاقاتنا الاقتصادية أن تدفعنا للعمل معا في أفريقيا". ويبدو أن مشاريع جديدة بدأت تبصر النور. فقد قررت مجموعة "ديكاتلون" الفرنسية للمعدات الرياضية إنشاء مركز خدمات لوجستية على بعد مئات الأمتار من رصيف ميناء طنجة المتوسط المغربي (شمال)، لاستقبال حاويات محملة بالبضائع ومن ثم إعادة تصديرها، خصوصا إلى البلدان الأفريقية. ويعد مجمع طنجة المتوسط العملاق فائق الحداثة، يقع على بعد 14 كلم من السواحل الإسبانية، متصل ب160 ميناء في جميع أنحاء العالم. وتشكل منطقة غرب أفريقيا 40 في المئة من حجم مبادلاته التجارية.
-منبع مهارات بكلفة أقل-
وخلف المجموعات الاستثمارية الكبيرة، شركة فرنسية صغيرة تبحث أيضا عن موطئ قدم لها في المغرب. تماما مثل شركة "سيس إنيرجي" المتخصصة في الأنابيب الصناعية. وقالت جوديث كورونا، المديرة الإدارية والمالية لتلك الشركة التي تعد 40 موظفا، "لقد أتينا لنكون فكرة واضحة عن الأعمال المحتملة في المغرب، وبالتالي إنشاء وكالة يمكنها بعد ذلك الوصول إلى أفريقيا". من جهته، يوضح مدير الابتكار في شركة "تالان" الاستشارية سامي مبزع أن "المغرب منصة كبيرة من أجل سوق أفريقية في طور النمو". وشركة "تالان" تواكب التحول الرقمي لزبائنها، وخصوصا من المشغلين الكبار أمثال "أورانج" و"سوسييتيه جنرال". وتملك هذه المجموعة بالفعل موطئ قدم لها في القارة من خلال فرع لها في تونس، إلا أنها ترى في السكان المغاربة منبعا للمهارات أقل كلفة من فرنسا، ما يمكنها لاحقا من العمل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفقا لمبزع. وإدراكا لهذا الاتجاه، افتتح المعهد الوطني (الفرنسي) للعلوم التطبيقية فرعا له في مدينة فاس في وسط المغرب. وقال نائب رئيس المعهد المشارك في الوفد محمد دريسي إن "العديد من المدراء الأفارقة يأتون للحصول على تدريب في المغرب" حيث تكاليف المعيشة خصوصا أقل من فرنسا. وأضاف "بالنسبة إليهم، هي أيضا فرصة لخوض التجربة المهنية الأولى مع شركات أوروبية".