اعترف الكاتب الأمريكي الشهير، توماس فريدمان، أنَّ "أهم عملية إصلاح في الشرق الأوسط هي التي تتم في السعودية"؛ حيث "يقود الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد عملية تغيير من أعلى إلى أسفل" بهدف "إعادة النموذج الإسلامي المعتدل" وفق (ما ورد في حديثه المطول مع ولي العهد في نيويورك تايمز). وعبر "فريدمان" عن دهشته مما يحدث في السعودية، قائلًا: "لم يخطر ببالي قط أنني سأعيش بما فيه الكفاية لأشهد عملية الإصلاح الأكثر أهمية في المنطقة"، مؤكدًا أن "ما يتم –في المملكة- صحيح.. إنه ربيع عربي على النمط السعودي". وفرَّق "فريدمان" بين ما وصفه ب"الربيع السعودي" وما أطلق عليه قبل سنوات "الربيع العربي"، موضحًا أنّ ما يحدث في السعودية "تغيير لم يأت من الطبقة الأدنى إلى الأعلى"، لكن "ولي العهد بدأ بعلية القوم نزولًا إلى من دونهم من الأعلى إلى الأدنى". وأكد فريدمان أنه "في حال أتت ثمارها، فإنها لن تقلب موازين السعودية فحسب بل إنها ستغير أيضًا معنى ومفهوم الإسلام في جميع أرجاء العالم"، واصفًا من لا يقف في صف ما يتم ب"الأحمق" وتناول فريدمان (عبر حوار موسَّع استمر 4 ساعات، مع ولي العهد في قصر العوجا الرياض) تفاصيل ما يجرى في المملكة. وحول ما يحدث في فندق الريتز (ملف الموقوفين من الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين على ذمة قضايا فساد) نقل فريدمان تقييم ولي العهد لما يحدث في هذا الشأن. تفنيد قال ولي العهد ل"فريدمان": "أمر مضحك أن تقول إنَّ حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلة لانتزاع السلطة، لاسيما أنَّ الأعضاء من الموقوفين أعلنوا مسبقًا بَيْعَتهم ودعمهم للإصلاحات، وأن الغالبية العُظمى من العائلة الحاكمة تؤازِر ما يحدث". وتابع ولي العهد: "لطالما عانت دولتنا من الفساد منذ الثمانينيات حتى يومنا هذا.. تقول تقديرات خُبرائنا بأنّ ما يُقارب 10% من الإنفاق الحكومي تعرّض للاختلاس في العام الماضي بواسطة الفساد، من قبل كلتا الطبقتين: العُليا والكادحة". تغيير وأضاف: على مر السنين، كانت الحكومة قد شنّت أكثر من حربٍ على الفساد، لكنها فشلت جميعًا. لماذا؟ لأنّ جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعودًا إلى غيرها من الطبقات المرموقة"، وأنّ الملك سلمان قطع عهدًا على نفسه بوضع حدٍ لهذا كله. وقال ولي العهد: "رأى والدي أنهُ ليس من المُمكن أن نبقى ضمن مجموعة العشرين في حين تنمو بلادنا بهذا المُستوى من الفساد. ففي وقتٍ سابق من العام 2015 كانت أول الأوامر التي أعطاها والدي لفريقه هي جمع كل البيانات المُتعلقة بالفساد عند الطبقة العُليا". وأوضح أنّ "الفريق ظلّ يعمل لمدة عامين كاملين حتى توصلوا لجمع هذه المعلومات الأكثر دقةً، ومن ثم جاءوا بحوالي 200 اسم"، وعندما كانت جميع البيانات جاهزة، اتخذ النائب العام، سعود المعجب، الإجراءات الازمة". وكشف ولي العهد أن "كل من تم الاشتباه فيه من أصحاب المليارات أو الأمراء تم إلقاء القبض عليه.. أريناهم جميع الملفات التي بحوزتنا وبمُجرد أن اطلعوا عليها، وافق 95% منهم على إجراء تسويات، ما يعني أنّ عليهم دفع مبالغ مادية أو وضع أسهم من شركاتهم في وزارة المالية". ونبَّه ولي العهد (خلال الحوار) إلى أنّ "1% من المُشتبه بهم أثبت براءته، وتم إسقاط التهم الموجهة لهم في حينها، وقال 4% منهم أنهم لم يشاركوا في أعمال فساد، ويُطالب مُحاميهم باللجوء إلى المحكمة". نتائج وتوقع ولي العهد أن يكون "مردود التسويات في حدود 100 مليار دولار أمريكي"، وأن هذه الخطوة "إشارة، تعنى أنك لن تنجوا بفعلتك"، فيما نقل "فريدمان" عن سعوديين التقاهم في الرياض دعمهم المُطلق لحملة مكافحة الفساد. وفيما اعتبر "فريدمان" حملة مكافحة الفساد بمثابة المبادرة الثانية" لولي العهد، فقد أشار إلى "المبادرة الأولى ممثلة في "إعادة الإسلام إلى أصوله الأكثر انفتاحًا واعتدالًا"، الذي سبق أن وصفه ب"إسلام معتدل ومتوازن، ينفتح بدوره للعالم وللديانات الأُخرى ولجميع التقاليد والشُعوب". وأعاد "فريدمان" التذكير بمزاعم العناصر المتشددة في السعودية بعد عام 1979، وكيف "اتهموا العائلة الحاكمة في السعودية بأنها فاسدة، وكفرةً مُنصاعين للقيم الغربية"، مشيرًا إلى أنّ هذه الشريحة "فرضت إسلامًا متزمتًا على المجتمع السعودي". وشدَّد "فريدمان" على أن ولي العهد "في مهمةٍ لإعادة الإسلام إلى الاعتدال"، وأنه "لم يكتف بكبح تجاوزات سلطة الشرطة الدينية السعودية، لاسيما دورها في توبيخ النساء، بل إنه سمح للنساء بالقيادة". وعلى النقيض من أي زعيمٍ سعودي سابق (على حد وصف فريدمان) فإنّ ولي العهد "يواجه المتشددين أيديولوجيًا"، ونقل على لسان سيدة سعودية أنه "يستخدم لغة مختلفة، خاصة قوله سندمر التطرف.. هو لا يستخدم عبارات لطيفة، وهذا مطمئن". ونقل على لسان ولي العهد: "نعمل على إعادة الإسلام لأصوله.. سنة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- أهم أدواتنا.. في زمن النبي محمد، كان هناك الرجال والنساء يتواجدون سويًا وكان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية". وأضاف: "كان قاضي التجارة في سوق المدينةالمنورة، امرأة.. إذا كان خليفة النبي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قد رحب بكل ذلك، فهل يقصدون أنه لم يكن مسلمًا"؟. الخارج خارجيًا، لفت نظر "فريدمان" ملف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ واستقالته (قبل التريث فيها) من السعودية، حيث فسّر ولي العهد ما حدث بأن ّ"خلاصة القضية تتمحور حول أنّ الحريري، وهو مسلمٌ سني، لن يستمر في توفير غطاء سياسي لحكومة تخضع بشكل رئيس لسيطرة ميليشيا حزب الله الشيعية، التى تخضع بشكل رئيس لسيطرة طهران. وتابع: "الحرب في اليمن، تميل كِفّتها لصالح الحكومة الشرعية، التى تُسيطر الآن على 85% من البلاد، إلا أنّ قيام المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، بإطلاق صاروخ على مطار الرياض يعني أنّه، إذ لم يتم السيطرة على كامل البلاد، فإنّ ذلك سيُمثل مشكلةً". واعتبر ولي العهد (وفقًا لفريدمان) أنّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب "الرجل المناسب، في الوقت المناسب"، وفيما يتعلق بإيران يرى ولي العهد أنّ "المرشد الأعلى الإيراني هتلرٌ جديد في منطقة الشرق الأوسط". وأضاف: "تعلمنا من أوروبا أنّ الاسترضاء في مثل هذه الحالة لن ينجح.. لا نريد أن يُكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا هنا في الشرق الأوسط.. كل شيء تفعله السعودية محليًا يهدف لبناء قوتها واقتصادها". فخر ويرى فريدمان أنّ منح هذا الجهد الإصلاحي للشباب مصدر فخر، ويمنحهم هوية جديدة، وهو ما يستمتع به الكثير منهم بوضوح تام.. الآن، لديهم قائد شاب يقود إصلاحات دينية واقتصادية، ويتحدث لغة التكنولوجيا المتقدمة جدًا. وأضاف فريدمان: "قائد لا ذنب له إلا في رغبته بالانطلاق بسرعة فائقة للمستقبل".. أخبرته (يقصد ولي العهد) بأنّ عادات العمل الخاصة به تُذكرني بنص ورد في مسرحية "هاملتون"، عندما يتساءل الجوقة قائلاً: لماذا يعمل دومًا كأن الوقت يُداهمه؟". ثم اختتم حديثه بإجابة ولي العهد على السؤال: "إنني أخشى أن أموت دون أن أحقق ما يدور في ذهني.. الحياة قصيرة جدًا، وقد تحدث الكثير من الأمور، كما أنني حريص جدًا على مشاهدته بأم عيني، لهذا السبب أنا في عجلة من أمري".