نبيل لحلو أعترف أنني إنسان جاهل لأنني لم أكن أعلم بأن إقليم الريف منطقة عسكرية، عسكرت بموجب ظهير شريف ما زال جاري به العمل إلى يومنا هذا، وقد مرت 59 سنة على إصداره بالجريدة الرسمية يوم 12 جمادي الأول 1378 الموافق 24 نوفمبر 1958. وما يثير الانتباه والتساؤل هو أن هذا الظهير الشريف لا يحمل لا خاتم الملك محمد الخامس ولا توقيعه الشريف بخط يده الشريفة، فتوقيع هذا الظهير الملكي باسم أحمد بلافرج يدل على أن المغرب، في بداية عهد الملك محمد الخامس، كان متجها بكل اطمئنان وسعادة نحو بناء وتشييد ملكية برلمانية مغربية على غرار الملكيات البرلمانية في بلدان أوربا الشمالية. حلم كاد أن يرى النور لولا اغتياله على يد الخونة، خدام فرنسا الخالدين، الذين لم يقبلوا أبدا باستقلال المغرب ولا أن يستقل المغرب عن فرنسا الاستعمارية. أشعلوا فتيل الفتنة عبر الاغتيالات والتصفيات الجسدية والحزبية، كما سيفعلون في شمال المغرب,و بالضبط في منطقة الريف,بعد نهاية الاستعمار الاسباني. منطقة ميتة ومهمشة، خوفا من عودة سكانها الى حلمهم بإحياء جمهورية عبد الكريم الخطابي. هده الجمهورية الريفية التي دخلت قلوب ونفوس الشعوب المستعمرة المناضلة من أجل استقلالها وتحرير بلدانها. فشيء طبيعي وجميل جدا أن يستمر الريفيون بالابتهاج والافتخار بجمهوريتهم وبمؤسسها البطل الأسطوري عبد الكريم الخطابي الذي حارب الاستعمار الفرنسي والاسباني بهدف تحرير المغرب واستقلاله. فاستمرارية العقلية الاستعمارية المخزنية، التي بناها الماريشال ليوطي، صانع الملكية المغربية الحالية، ما يزال جاري بها العمل، إلى يومنا هدا، بطرق مختلفة ومتخلفة تظهر لنا حديثة في وجوهها وأشكالها لكنها سرعان ما تكشف لنا عن سطحيتها و فارغ مضامينها. لقد مرت 83 سنة على موت الماريشال ليوطي، الذي كان ملكيا أكثر من الملك وعدوا للجمهورية. وكم كان غبيا عندما قرر محاربة عبد الكريم دون أن يستطيع هزمه. مات المارشال بعدما ظن أن مهمته التاريخية، في إخراج المخزن المتخلف وراعيته المشردة والمريضة من "الظلام إلى الضوء" ومن "الظلم والاستبداد إلى شيء من العدالة الاجتماعية والانساتية"، قد تحققت، فعلا، مند موت الحسن الثاني، مشاريع ضخمة وكبيرة تحققت في المدن المغرب من جنوبه إلى شماله. مشاريع ملموسة نراها بأعيننا دون أن نرى أو نعرف من يستفيد منها ويجني ثمارها كما كان الحال في ما كان يسمي بالمغرب النافع بمنظور الماريشال ليوطي. وبمنظوري، أرى أن ثروات البلاد لا تزال خيراته توزع بالأطنان على الفئة القليلة الميسورة، بينما أغلبية أبناء الوطن تتقاسم "الخريات". فالعهد الحالي، من منظوري الشخصي، لا ينفع إلا الذين ليسوا في الحاجة، أما الذين في الحاجة، فتعطى لهم قفة كما سنراه قريبا، بمناسبة شهر رمضان، عبر تلفازات الإمبراطور فيصل العرايشي التي تتجاهل ما يجري وما يحدث في الحسيمة، هذه المدينة الجميلة، الهادئة والنظيفة، التي زرتها ثلاثة مرة. المرة الأولى عندما صورت بها بعض مشاهد فيلمي الأخير: شوف الملك في القمر. وكانت زيارتي الثانية في إطار مناظرة حول بناء متحف للذاكرة في الريف، حيث اقترحت على ادريس اليزمي أن لا ينسى أن الذاكرة الريفية مرتبطة بعبد الكريم وان هذا الأخير يستحق أن يشيد له تمثال داخل المتحف المزعوم بناؤه. أما زيارتي الثالثة والأخيرة لأهل الحسيمة كانت بمناسبة تقديم مسرحية أوفبليا لم تمت من أداء صوفيا هادي ونادية نيازي. وقبل بداية العرض، الذي حضره طلبة وطالبات وشباب بدون عمل، دخلوا مجانا الى مسرح الأمير مولاي الحسن لمشاهدة مسرحية باللغة العربية، علما مني أنهم يفتخرون بلغتهم الريفية، كان علي أن أوجه لهم كلمة ترحيب، قائلا لهم إن اللغة العربية التي سيسمعونها جميلة كما كان يحبها بطلكم الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي الذي كان يراسل الدول باللغة العربية باسم جمهورية الريف. أعترف أنني إنسان جاهل لأنني لم أكن أعلم أن الحسيمة مدينة معسكرة، المدينة التي تجولت شوارعها ونمت في أمان في فندق من فنادقها الجميلة وتناولت الغداء والعشاء في مطعم شعبي بمينائها.لا، لم اشعر أبدا لا بالخوف ولا بوجود عسكري واحد. فلتسقط إذن هذه "العسكرة" لأن المغرب بلادنا جميعا ومنطقة الريف ريفنا جميعا كما أن الصحراء صحراؤنا، شريطة أن تكون ثروات المغرب موزعة بالقسط والميزان على كل المغاربة. فلتسقط القفة.