حجب الحكومة أو ما أصبح متعارفا عليه في الخطاب الإعلامي المغربي الحالي بالبلوكاج، واستعمال هذا المصطلح في حد ذاته هو بداية التمويه حول وضعية سياسية شاذة بل وخطيرة في بلد يقوم بخطوات جبارة للتموقع إقليميا كقوة إفريقية صاعدة يصعب تجاوزها دوليا ويضرب لها ألف حساب، نتيجة دبلوماسية أصبحت تحرك أكثر من قوة على نفس رقعة الشطرنج في لعب الكبار، معتبرة موقعها الجغرافي قلعتها الحصينة أمام الخصوم وقوتها الأمنية والاستخباراتية زادها الذي تنهل منه كبريات عواصم العالم. وقد يرى بعض المتتبعين أو حتى الفاعلين أن هذه الإنجازات التي يحققها المغرب على المستوى الدولي منذ مدة، لاسيما توسع دائرة الحلفاء داخل القارة الإفريقية بما فيها إفريقيا الأنجلوسكسونية، مكسبا لصالح قضيتنا الوطنية وجنة اقتصادية تفتح أبوابها أمام المغرب بما راكم من خبرات اقتصادية، اجتماعية، سياسية وعسكرية؛ بضخامتها هي البناء الحقيقي لمغرب الغد وأن الأمور تسير بشكل عادي جدا بالرغم من عطالة البرلمان وعدم وجود حكومة. المثير للقلق هو أن هذا الخطاب أصبح متداولا حتى بين النخب، فلا يجد بعض الفاعلين المدنيين والسياسيين وحتى الإعلاميين من حرج في التعبير عن ذلك في بعض الحوارات والتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتبرون هذا الغياب راحة واستراحة من سجال سياسي عقيم بين الفرقاء السياسيين. وإذا كان هذا تعبيرا عن رفض بؤس العمل السياسي واكتشاف أن المؤسسات تشتغل بشكل عادي في ظل الوضع الراهن، فإن خطورة ذلك تكمن بالأساس في تسريب هذا الإحساس إلى عامة المواطنين وهو الشيء الذي أصبح واضحا في النقاشات المثارة في شبكات التواصل الاجتماعي؛ مما سيؤدي لا محالة إلى مزيد من العزوف عن صناديق الاقتراع ويشكل بالتالي ضربة قد تكون قاضية للبناء الديمقراطي للبلاد. كما أن انشغال بعض الباحثين والأكاديميين بهذه الوضعية الشاذة جعلنا نقف على بعض الاجتهادات التي تدعو إلى خرق سافر للدستور ولازلنا نذكر أن حزبا سياسيا عقب الانتخابات طالب بتغيير الدستور في رفض مبطن لنتائج الانتخابات؛ وقد طال عيب التجريح الكثير من الاجتهادات بسبب انتماءات أصحابها السياسية وإن حاولت تغليف ذلك بدعوة ملك البلاد للتحكيم والتدخل لترجيح كفة ما وإخراج الحكومة لحيز الوجود وإن اقتضى الأمر الانقلاب على نتائج اقتراع السابع من أكتوبر. وعليه فإن أول المنزلقات لحجب الحكومة واستمرار البلوكاج في انتظار مؤتمرات الأحزاب السياسية هو انتشار ثقافة الاستبداد وإفراغ المؤسسات من دورها بشكل يجعل الرصيد السياسي الأول الذي يستند عليه المغرب في التموقع الإقليمي والدولي كاستثناء استطاع أن يحافظ على استقراره في ظرفية دولية مليئة بالتوترات والتجاذبات مجرد ذريعة عوض أن يكون صلب مشاريع التعاون المغربي الإفريقي من جهة والشركاء الشماليين من جهة أخرى. أما المنزلق الآخر، وهو الأشد خطورة على ما سيأتي من محطات انتخابية، فهو إعدام ما بقي من أمل في العمل السياسي ومقاطعة الصناديق بشكل قد يجعل المؤسسات حينها ليس في حالة بلوكاج، ولكن في حالة سكتة قلبية ودماغية قد لا يخرجنا منها لا إنصاف ولا حتى مصالحة كوننا حينها سنكون قد استنفذنا الثقة التي قد تحيي الرميم.