مع احترامي وتوقيري لأساتذتي في التاريخ، وغيرهم بجامعة محمد الخامس بالرباط من قبيل: ذ.جامع بيضا، ذ.ابراهيم بوطالب، ذ.عبد المجيد القدوري، ذ.محمد كنبيب، ذ.عمر أفا، ذ عبد الرحيم بنحادة، ذ.عبد الله العروي… غير أنه من المؤلم أن يتكلم إنسان يرافع في عدم "شرعية" الاحتفال بذكرى تاريخية، وهو يحمل صفة الأستاذية في التاريخ بالجامعة المغربية التي أنجبت مفكرين ومؤرخين عظام، ولا يضبط تاريخ إقرار هذه الذكرى التي هي تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي ينفي عنها صفة العيد الوطني. لقد قال الأستاذ الجامعي مصطفى قادري، المتخصص في تاريخ القرن العشرين، خلال تصريح أدلى به لإحدى الإلكترونية إن " 11 يناير لا يستوجب أن يكون عيدا وطنيا، ولا يستحق أن يكون يوم عطلة مؤدى عنه؛ لأنه يوم يحتفل فيه المغاربة رغما عنهم بعيد حزب الاستقلال" مضيفا أن "هناك ملاحظات كثيرة من حيث الشكل حول هذه الوثيقة وطريقة الاحتفاء بها، من بينها أنه لم يكن عيدا وطنيا منذ 1956، بل تم اعتماده كعيد وطني في أواخر السبعينات أو منتصف الثمانينات فقط، وإن كنت لا أتذكر الصيغة بالضبط"، يقول الدكتور مصطفى قادري، أستاذ التاريخ الراهن بجامعة محمد الخامس بالرباط. بالله عليك أيها الجامعي أليس مخجلا ألا تكون ضابطاً للسنة التي أقرت فيها الدولة المغربية يوم 11 يناير عيداً وطنياً للإحتفال بذكرى وثيقة المطالبة بالاستقلال، في الوقت الذي تنفي فيه "مشروعية" الاحتفاء بالوثيقة، وتتحدث عنها شكلا، وأنت غير متمكن من "شكلا" من معلومة تتعلق بالتأريخ للمناسبة (ترسيم العيد)، وسياقها التاريخي، وهو عمل من صلب منهج البحث التاريخي في عملكم الأكاديمي، الذي لا نشكل في تمكنكم منه بالجامعة المغربية، لكن نشك في حيادكم العلمي، والانتصار للتوجه الثقافي/ الإيديولوجي، إلى أن يثبت العكس . أتمنى أيها الجامعي ألاّ تكون قد خنت الأمانة العلمية، وسخرتها للأجندة السياسية. أو لأي أحقاد ثقافية شخصية. فليس عيبا أن يكون للمثقف موقف سياسي من حزب طالما تموقفت منه الحركة الأمازيغية بسبب سوء الفهم الكبير بين الطرفين لفترة من الزمن، بسبب "الظهير البربري" وإن حاول التنظيم طي صفحته في 2001، بل وأقر في 13 من يناير 2014، ، يوم رأس السنة الأمازيغية، عيدا وطنيا، مؤدى عنه لكل موظفي مؤسسات الحزب في غياب ترسيم لليوم من طرف الدولة، وبالمناسبة فقد فعل الحزب ذلك أيضا، فيما قبل مع يوم 11 يناير، منذ تاريخ 1956 ، قبل أن يتخذ الملك الراحل الحسن الثاني في 1984 قرار ترسيم اليوم عيدا وطنيا للاحتفاء بذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال. وإن كان قرار الملك قد تزامن قبل أيام من اندلاع انتفاضة الريف في 19 يناير من نفس السنة، وما للأمر من سياق سياسي (تنزيل التقويم الهيكلي) واحتقان اجتماعي (احتجاجات التلاميذ جراء تطبيق رسوم إضافية على التعليم وهو القطاع الذي كان يشرف عليه الاستقلالي عز الدين العراقي، الذي ظل في منصبه رغم خروج حزبه من الحكومة حينئذ). أتمنى أيها الجامعي ألاّ تكون من جيل المتهافتين على التصريح الصحفي بدل التحقيق التاريخي. لماذا المساهمة والانخراط في مهاجمة الوثيقة في هذا التوقيت بالضبط الذي يعيش فيه حزب الاستقلال هجوما شرسا من طرف "الدولة العميقة"؟، إن كلامك يزكي فرضية النية المبية إلى أن يتبث العكس، تزامنا مع بلاغ وكالة المغرب العربي للأنباء (الصادر عشية يوم العيد الوطني) التي تصر على إسقاط إسم حزب الاستقلال عند الحديث عن وثيقة المطالبة بالاستقلال، وتمتنع عن نشر رد الحزب في الموضوع. لا شك أن تاريخ المغرب في فترة الحماية على الخصوص، وحتى المكتوب بعد الاستقلال، تعتريه كثير من العتمة والتمجيد للسلطان/ الملك أو بعض "الوطنيين" وتهميش آخرين، لدواعي سياسية وسياسوية، وما أحوجنا إلى التمحيص والتحقيق العلمي من طرف الباحثين في التاريخ المعاصر، للمساهمة في نفض الغبار على بعض الحقائق المتوارية، لكن بضمير علمي بعيدا عن الأحقاد الفكرية والسياسية… بنزاهة علمية أولا وأخيراً. جيد جدا أن نستعين بالشك الديكارتي كآلية للبحث عن المعلومة في سبيل الوصول إلى الحقيقة (النسبية غالبا في التاريخ)، بل مطلوب أن ننفض الغبار عن كثير من المسلمات بواسطة الشك العلمي، بلغة عالمة متمكنة ، لا متهافتة. إن وثيقة 11 يناير وغيرها من الوثائق التي سبقتها، تراث تاريخي في ملك كل الذاكرة الجمعية المغربية، فهي ليست أيضا مقدسة، بل ينبغي تشجيع الباحثين في التاريخ لدراستها وغيرها من زاوية علمية بحثة بعيدا عن التأثير والتجاذب السياسي الظرفي أو الانخراط فيه. إن وثيقة 11 يناير ليست حكرا على حزب بعينه وإن كان بعض أعضاءه من صنعوها إلى جانب آخرين، وإن تقزيم رمزية هذه الوثيقة، بتصريح صحفي غير مأصل بمراجع موثوقة، قد يفهم منه ضرب حزب له ما له وعليه ما عليه، وهذا الأمر مقامرة بالتاريخ الذي لا يختصر في حزب أو ظرفية سياسية عابرة. إن تسفيه الرموز المحلية والانخراط في جوقة التهافت السياسي والسياسوي معا، يعني المساهمة في مزيد من الاحتقان الثقافي، وخلق فراغ في المرجعية المحلية/ الوطنية ، وتشكيل نوع الانكسار والضعف النفسي لدى الأجيال الصاعدة اتجاه الوطن، أكثر مما هو حاصل لدى بعض الناس الآن، جراء جزء من السياسات العمومية الممنهجة. الوطن في حاجة إلى مؤرخين أكاديميين نزهاء، يضعون مسافة كبيرة عرض المحيط الأطلسي، في تناولهم العلمي مع مجريات التاريخ، المعاصر على سبيل المثال لا الحصر، يساعدون الشعب على معرفة الماضي، لفهم الحاضر، للتمكن من التخطيط والتنبؤ للمستقبل، بثقة وثبات في إطار إرادة جماعية تنهل من بنية الكتلة المحلية/ الوطنية/ التاريخية، تضم الإصلاحيين والمحافظين، لا تقصي أحداً. محور اشتغالها تنمية الإنسان ومحيطه.. ومن ثمّةَ المساهمة انطلاقا من الخصوصية المحلية في الحضارة الإنسانية.