كان الروائي المصري الكبير الراحل الحائز على جائزة نوبل للآداب، نجيب محفوظ، وثلاثيته الشهيرة، (قصر الشوق) و(السكرية) و(بين القصرين)، في قلب جدل دار الأسبوع الماضي بمقر مجلس النواب المصري أثناء مناقشته لمقترحات بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات في قضايا النشر الخاصة بخدش الحياء العام. وواكبت هذا الجدل حملة على صفحات الجرائد المصرية ضد نائب قال في معرض رفضه لهذه التعديلات وتأييده لتطبيق عقوبة خدش الحياء على الأعمال الفنية والإبداعية، إن "(السكرية) و(قصر الشوق) فيهما خدش حياء، ونجيب محفوظ (كان ) يستحق العقاب (..)". ورفضت اللجنة التشريعية بمجلس النواب يوم 28 نونبر الماضي بأغلبية كبيرة مشروعي قانونين مقدمين من عضوين بالمجلس، بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات المتعلقة بالعقوبات في قضايا النشر الخاصة بخدش الحياء العام. وينص هذا القانون على أنه "يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه مصري ولا تزيد على خمسين ألف جنيه كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورا محفورة أو منقوشة أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت خادشة للحياء العام". وتضمنت التعديلات المقترحة بحسب صحيفة ( الأهرام ) أنه لا يجوز رفع أو تحريك الدعوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية التي تحتوي على الأشياء والصور العامة "الخادشة للحياء العام" أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة. كما يجوز للمتضرر من عمل كل مبدع لعمل فني أو أدبي أو فكري تضمن طعنا في أعراض الأفراد بشكل علني، تحريك الدعوى الجنائية ضده للمطالبة بتعويض مدني عما لحقه من أضرار من الجريمة. وبحسب صحيفة (الوطن) المصرية، رفض بعض النواب المقترح، فدار بينهم وبين صاحب الفكرة حوار مفاده أن الأخير ذهب إلى أن روايتي (السكرية) و(قصر الشوق) بهما "خدش حياء، ونجيب محفوظ يستحق العقاب (..)"، مشيرا إلى أنه حينئذ لم يحرك أحد الدعوى الجنائية في هذا الشأن. وعلق الكاتب الصحفي محمود خليل، على الواقعة في عمود بعنوان "وصلوا إلى نجيب محفوظ "، قائلا "عندما يصبح اسم نجيب محفوظ وإبداعاته الأدبية في مرمى القصف، فلا بد أن تعلم أن عقل هذا المجتمع ووجدانه يعيش حالة غير مسبوقة من الاضطراب. فنجيب محفوظ عمود من الأعمدة التي يرتكز عليها العقل والوجدان المصري. وثلاثيته التي كانت مثارا لهذا الجدل المتجرئ تعد وثيقة فريدة للتاريخ الاجتماعي للمصريين خلال النصف الأول من القرن العشرين (…) وعندما يصبح مثل هذا الرجل، الذي حقق نجاحا لم يحققه مصري غيره، مادة لحوارات من هذا النوع، ويتجرأ عليه أشخاص ربما لم يقرأ أحدهم سطرا له، يبقى فيه حاجة غلط!". وفي عمود له بصحيفة (الأهرام) بعنوان "حاكموا الظلام لا محفوظ"، كتب منصور أبو العزم: "تجاهل نواب الشعب القضايا والأزمات التي تطحن المواطنين حاليا،(…)، وراحوا يلوكون في قضايا جدلية عديمة الجدوى تتعارض مع توجه الدولة المصرية، وتصريحات الرئيس السيسي نفسه، الذي طالب مرارا وتكرارا بتجديد الخطاب الديني والإعلامي، وتنقية الأفكار من التحريض على العنف والكراهية". ها هو نائب في مجلس النواب – يضيف أبو العزم – يريد إعادة الكاتب العالمي نجيب محفوظ إلى الحياة لمحاكمته، وربما سجنه، أو إعدامه، لأن رواياته، خاصة (السكرية) و (قصر الشوق)، تحتوى على "خدش للحياء"، وهو في ذلك "لم يختلف عن فكر الجماعات الظلامية التي كفرت محفوظ في الماضي، وحضت شابا ساذجا لم يقرأ أبدا كلمة لمحفوظ، ولم يكن حتى يعرف الرجل، وشجعته على محاولة قتله في 14 أكتوبر 1995″. "نجيب محفوظ اغتيل ثلاث مرات، الأولى بفتوى الغزالي، وبعدها صودرت روايته "أولاد حارتنا"، والثانية بسكين جاهل أحمق نفذ فتوى عمر عبد الرحمن (سلفي مصري)، وبعدها صودرت حياته نفسها وفقدت أصابعه القدرة على الكتابة، والثالثة بصراخ نائب برلماني تحت القبة بضرورة عقابه على ما اقترفه في فيلم (قصر الشوق)، فاقدا حتى التمييز بين الرواية والفيلم!". هكذا علق الكاتب الصحفي خالد منتصر في عمود له، وتساءل: "ما جدوى أن نشق طرقا ونحفر ترعا ونبني خرسانات والوجدان خرساني متكلس ما زال يعتبر نجيب محفوظ كافرا زنديقا خادشا للحياء؟"، موجها انتقادا للنائب البرلماني المعني، ومعتبرا إياه واحدا ممن "افترسهم المزاج السلفي الكئيب المعادي للحياة، الكاره للبهجة"، لأن الفن "يمثل لهؤلاء السلفيين أصحاب بوتيكات التقوى الزائفة والورع المنافق عدوا وشيطانا رجيما، فهو ينافسهم على الوجدان ويسحب من تحت أقدامهم البساط، كلام الفن أكثر سحرا من كلامهم". المفكر المصري الشهير، أسامة غزالي حرب، نقل عن النائب البرلماني المذكور قوله استنادا إلى تسجيلات الجلسة التي عقدتها اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إن "نجيب محفوظ يستحق العقاب.. ولكن لم تحرك ضده الدعوى الجنائية…"، مشيرا إلى أن النائب أجاب عندما سألته إحدى القنوات الفضائية عما قاله، بأنه "طالب بمحاكمة مخرجي أفلام روايات محفوظ، خاصة (بين القصرين) و(قصر الشوق) و(السكرية)، لما تحتويه من مشاهد مخلة ولقطات خادشة للحياء العام لا يجوز أن تدخل المنازل وتطلع عليها الأسر والعائلات". وخلص غزالي حرب إلى القول أن ما يفهم مما قيل هو أن "النائب غالبا لم يقرأ روايات نجيب محفوظ وإنما شاهدها في السينما. ولم يسمع عن بعض عيون الأدب العربي مثل: (الأغاني) للأصفهاني أو (ألف ليلة وليلة) أو كتابات الإمام السيوطي وقصائد أبو نواس (…)". وأضاف أن "السيد النائب يقول بما أن كتاب الأدب يقولون كلاما فاضحا، فلماذا نعاقب المواطن الذي يتلفظ بألفاظ بذيئة في الشارع..؟ ، أي أن سيادة النائب يساوى بين كلام الشتائم والبذاءات في الشارع، وبين ما يكتب في أعمال أدبية". وفي خضم هذا الجدل، طالب مثقفون بميثاق وطني يكفل حرية الإبداع، نشرت صحيفة (الوفد) تقريرا عنه وقدمت له الصحفية نهلة النمر بالقول إنه بعد مرور أقل من شهرين على طلب لنائب آخر ب"إطلاق حملة لكشف العذرية" على الطالبات داخل الجامعات بشكل دوري قائلا: "ينبغي أن تقدم كل بنت مستندا رسميا عند تقدمها للجامعة بأنها آنسة، من أجل القضاء على ظاهرة انتشار الزواج العرفي في مصر"، تأتي تصريحات النائب الذي طالب بمعاقبة الأديب المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ، ومعاقبة صناع السينما، التي نقلت أعمال محفوظ للشاشة الكبيرة بتهمة خدش الحياء، "مما أصاب المشهد الثقافي بالدهشة والانزعاج". ومن هذا المنطلق، طالب المثقفون ممثلين في"جبهة الإبداع المصري"، بالعمل عبر الحكومة ووزارة الثقافة وبالتعاون مع صناع الرأي على إنتاج ميثاق وطني للإبداع يكفل حماية التراث وحرية الإبداع وإزالة كل المعوقات التي "تحول دون تفعيل القوى الناعمة لمصر حتى يتبوأ الوطن مكانته الأصيلة على خريطة الإنسانية، وتعود (مصر المصرية) عزيزة أبية بإبداع يعبر عنها ويعبر بها إلى المستقبل، حيث الانتصار لمصر قبل نجيب محفوظ وبعده".