في تتبع لبلاغات الاتحاد الاشتراكي بعد نكبة 7 أكتوبر خديجة قرياني في بلاغ المكتب السياسي الأخير21 أكتوبر، ستوقف القارئ ثلاث إحالات محددات يلفها الغموض من حيث المضمون والدلالات؛ ومن حيث الهدف من استحضارها في منطوق نص البلاغ. الإحالة الأولى: تهم لفظة الصف الديمقراطي ماذا يقصد البلاغ بالصف الديمقراطي- علاقة بحالة الركض واللهث التي تعيشها القيادة للالتحاق بدائرة المشاركين في الحكومة- ما هي مكونات الصف الديموقراطي بالنظر للاصطفافات القائمة في تشكيل الحكومة المقبلة. هل يتعلق الأمر بمكونات الكتلة كما عهدناها سابقا؟ في هذه الحالة كان يمكن أن يكون لهذا الكلام معنى لو اجتمعت الكتلة قبل الاستحقاقات كما كان يتم سابقا لتنسيق المواقف ولم يأخذ كل حريته الكاملة دون الالتفات إلى الآخر. ناهيك أنه لم يصل إلى علمنا أنه تم نسخ مصطلح الكتلة الوطنية أو المكون الأساسي لها بمصطلحات حزب آخر. هل أصبح الصف الديموقراطي فضفاضا ومطاطيا إلى درجة تجعله يدمج في كل استحقاق مكونا سياسيا؛ بحيث يتسع اليوم مثلا للعدالة والتنمية. لماذا أطرح هذا السؤال؟ لأنه قبل سبع سنوات وقبل استوزار السيد لشكر نتذكر أنه "طالب" لجينة صياغة بيان المجلس الوطني بتضمين البيان لفظة الصف الديمقراطي. ولعل العبارة في ذهنه كانت تحيل إلى حركة لكل الديموقراطيين؛ بما يسمح بفسح جسور التلاقي مع ما كان يطلق عليه هو نفسه الوافد الجديد. هل يقصد؛ وعليه أن يعلن بوضوح أين يضع رجليه معا اليوم وإن كانتا تظهران أرجلا معلقة! أقول هل يقصد اليوم بالصف الديموقراطي، الحزب المتصدر للانتخابات اليوم، فقط ولأن نتائج الانتخابات أربكت حساباته، هو الذي كان "يتوقع" أن يحتل البام الصف الأول ويرتكن ويرتاح، ويحافظ في هذه الحالة على منطوق الصف الديموقراطي كما ورد لديه في كل خطبه وتصريحاته في المنابر وكل المناسبات. إلى هذا الحد يمكنه تطويع الصف الديموقراطي بالتمديد والتمطيط!؟ الإحالة الثانية: وتهم إصلاح المنظومة الانتخابية منطوق البلاغ حاول تقريبنا من محتوى نبأ المذكرة -ووجه الاستغراب أن المضمون ليس إلا ما أعلن عليه بلاغ البام فيما يتعلق بمذكرته (وان كان البام اكثر وضوحا في شق تعديل المادة 47 من الدستور). إذن المذكرة المزمع تقديمها لجلالة الملك ستتضمن المطالبة بإصلاح المنظومة الانتخابية كجزء من الإصلاح السياسي الشامل –هذا الشق الأخير مسكوت عنه عند قيادة الاتحاد – ما علاقة مرة أخرى النتائج الانتخابية الهزيلة للاتحاد الاشتراكي في عهد لشكر بالمنظومة الانتخابية. نتذكر أن التمثيل النسبي كان خيارا اتفق عليه بصورة توافقية منذ حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي باعتباره الاكثر تمثيلية وقربا من العدل الانتخابي خاصة وقد خفضت العتبة الى3% والعتبة كانت معركة القيادة الحالية ولم تطالب بتغيير نمط الاقتراع. ونود أن نطرح سؤالا بسيطا وصريحا في هذا الصدد. هل يعتقد السيد لشكر ولنعفيه من الجزم، أن إخفاقه يعود وفقط للمنظومة الانتخابية؟ هل مثلا الاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية كانت ستعطيه نتائج أفضل في ظل هذا الوضع الذي أوصل إليه الحزب. هل يمكن أن نتصور أنه وحتى مع اقتراع في دورتين كان يمكن أن يعطي نتائج أفضل للاتحاد في ظل التدبير الأهوج؟ إذن، والحالة هاته ما هي الجوانب تحديدا التي تستدعي تغيير المنظومة الانتخابية؟ ولماذا لم يتم الإشارة إلى أي منها في البلاغ؟ الإحالة الثالثة وتهم ما أسماه البلاغ بالتحول السوسيولوجي الذي جعل جزءا كبيرا من الطبقة المتوسطة تحجم عن المشاركة. كان حريا بالسيد لشكر أن يوضح طبيعة هذا التحول السوسيولوجي ومضمونه. وإن يجيب عن السؤال: لماذا غابت شرائح واسعة من الطبقات الوسطى عن صناديق الاقتراع؟ بل أن يتساءل ألم تصوت فئة منها لربما، مكرهة أو معاقبة حتى، عن رموز انتخابية أخرى.. وهي التي كانت في السابق قاعدة انتخابية متينة للاتحاد الاشتراكي؟ إن هذه القاعدة – والتي أضعفت بغيابها نسبة المشاركة -نحن نفترض أن غيابها راجع إلى اقتناعها بضعف العرض السياسي للاتحاد الاشتراكي الآن في وضعه السياسي والتنظيمي الزعامي الحالي. ودون إدراك هذا المعطى البنيوي يبقى الحديث عن التحول السوسيولوجي كلاما فارغا لا معنى له؛ أو مجرد هروب للإمام لإخفاء الأسباب الحقيقية للعجز والفشل. ستظهر لا محالة معالم مسخ الاتحاد مع انطلاق العمل في المؤسسة التشريعية، ستعقد مقارنات الأسى بين فريق الاتحاد الاشتراكي المقلص إلى 14 نائبا يزلزلون القبة في 1977، والفريق الآن 14 مقعدا المزود بجرعات النفخ. كم سيتطلب الأمر وهل ستنفع طاقيات الإخفاء طمس حقيقة أن الاتحاد يعيش السكتة القلبية والدماغية فهل من منقذ؟ لن تنقذه بالتأكيد مشاركة لا يتوخى منها إلا ذر الرماد في الأعين والبحث عن مكاسب ذاتية شخصية. الحقيقة المؤلمة أن القيادة الحالية نزلت بحزب عتيد إلى وضعية لا يمكن معها أن يكون قويا لا في المعارضة ولا في المشاركة نهمسها في أذن النوايا الحسنة المتوخاة الإنقاذ.. وضع الحزب يتطلب التوقف والضغط على زر انطلاقة جديدة. ومن ثم المنطق السياسي والمعقول السياسي يفترض في بلاغ صادر عن هيئة قيادية أياما بعد ظهور النتائج أن يحلل الأسباب، أسباب تقلص وانكماش مقاعده وتراجع حضوره، والسخط العارم الذي قوبلت بها هيئاته التقريرية بالرغم من كل مجهوداتها، وتراجع وزنه الانتخابي في كل المدن والمناطق هذا الذي كان مفروضا أن يتم. وبعده تستخلص النتائج المنطقية كما يجري في الأحزاب التقدمية وفق الأعراف الديمقراطية والتي لا تخرج عن منطق واحد ووحيد: المسؤولون عن الفشل يقدمون تفسيرا مقنعا وواضحا لما حدث ودرجة مسؤوليتهم بكامل الصدق والشجاعة وما يترتب عن ذلك…