في ظل استمرار الهزات الارتدادية في المناطق التي ضربها الزلزال، وفي ظل ما سيأتي من تغيرات مناخية في غضون الأيام والأسابيع المقبلة، لم يعد هناك أي خيار أمام الدولة المغربية بكل مؤسساتها، غير إجلاء السكان المتضررين إلى مناطق آمنة بالقرب من المناطق الحضرية، حتى لا تتعمق المأساة أكثر. لدينا آلاف عمال البناء في كل ربوع الوطن، ولدينا مئات الشركات العقارية الكبرى في كل الجهات، ولدينا مئات المساحين الطبوغرافيين، وآلاف المهندسين في مجال البناء والطرق، لكي نعيد الدفئ للعائلات المنكوبة في غضون شهور قليلة فقط. الدولة التي أنجزت الطريق السيار المائي، الذي يربط بين نهري سبو وأبي رقراق في غضون ثمانية أشهر، لها ما يكفي ويزيد من الإمكانيات لإعادة إعمار الدواوير المنكوبة خلال سنة على أبعد تقدير. لهذا على الدولة أن تبادر إلى إجلاء المنكوبين من المناطق التي ضربها الزلزال، وإحصائهم وتقييم اضرارهم، ومنحهم تعويض خاص بالكراء والمعيشة لمدة سنة كاملة في حدود 5000 درهم كحد أدنى، ثم إعلان مسيرة البناء وإعادة الاعمار بقرار من أعلى سلطة في البلاد، للتبرع ونقل قوافل مواد البناء إلى تلك الدواوير المتضررة إذا كانت إمكانيات الدولة لا تسمح بإنجاز المهام المطلوبة، وتأسيس هيأة وطنية مستقلة خاصة بتقييم ومتابعة تنزيل ورش إعادة الاعمار تتكون من خبراء وفنيين ومهندسين وأساتدة جامعيين ومقاولين على غرار ما حدث في تجارب أخرى. بمثل هذه القرارات الجريئة، تستطيع الدولة بدعم من المجتمع المغربي، الانتقال من مرحلة النكسة إلى مرحلة البناء، لإعادة الدفئ إلى مئات الأسر المكلومة، التي تعيش حلة من الترقب والانتظار والخوف والهلع مما تخفيه الاقدار والطبيعة في غضون الأسابيع والأشهر المقبلة. سواعد المغاربة بنت طريق الوحدة بالأمس، وقادرة الآن على بناء ما هدمه الزلزال في اقليمالحوز وباقي الأقاليم الأخرى، لأنه عندما تتوفر إرادة العمل كل شيء يهون. الرهان على الخيام في اقليمالحوز رهان مؤقت، ولا يمكن التعويل عليها في مواجهة المطر والبرد القارس الذي تشهده المنطقة. من باب التأكيد لما سبق ذكره هناك خيارين لا ثالث لهما لتجاوز تداعيات الزلزال الذي ضرب المنطقة: إما تسريع عملية الاعمار وهذه المسألة ستأخد بعض الوقت بالنظر لصعوبة التضاريس وبالنظر أيضا لوضعية الطرق والمسالك المؤدية للدواوير والتي تضررت بشكل كبير بعد الزلزال. وإما إجلاء سكان الدواوير إلى آماكن آمنة بمحيط المدن ومنحهم تعويض الإيجار والمأكل والمشرب لمدة سنة إلى حين بناء مساكن لائقة لهم. اذا حضرت الارادة، وحضر المعقول، تبددت المخاوف، وتم تحقيق كل الأهداف المسطرة. الحلول موجودة بكل تأكيد، وعدد الدواوير المتضررة لن يتجاوز 300 دوار في المجمل وفق تقديرات أبناء المنطقة، والدولة من خلال أموال الصناديق الخاصة بمواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية، والمساعدات الدولية، وتبرعات المواطنين والمواطنات والشركات والمؤسسات العامة والخاصة والإدارات العمومية، قادرة على حفظ ما تبقى من كرامة ساكنة الحوز التي برهنت على وطنيتها من خلال صبرها وتحملها للمأساة رغم الظروف المزرية التي تعيش فيها. الجيش والدرك والأمن والقوات المساعدة ورجال الوقاية المدنية ومسؤولي الإدارة الترابية والمواطنين من كل جهات المملكة فعلوا الكثير خلال الخمسة أيام الأولى لانقاذ ما يمكن انقاذه وتقديم الدعم الواجب للمنكوبين تلبية لنداء الوطن الذي يبقى فوق كل شيء وأغلى من كل شيء ولكن مسؤولية الحكومة خلال المرحلة المقبلة تبقى مسؤولية جسيمة في إعادة إعمار الدواوير المتضررة وتأمين حاجيات الأسر المكلومة وحفظ كرامتها.