استكمالا لحلقات المسلسل الانتخابي لإفراز الأجهزة المُسيرة للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، تطبيقا لمقتضيات القرار المشترك لوزير الشغل والادماج المهني ووزير الاقتصاد والمالية الصادر في 4 أكتوبر 2019، والقاضي بإسناد السلطات المخولة للمجلس الإداري للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بالمغرب إلى أربعة متصرفين مؤقتين…، صدر يوم 15 دجنبر 2021 ، البلاغ رقم 9 المُقرر من خلال مضامينه عقد الجمع العام 72 ، يوم الأحد 10 يناير 2021 ، بإحدى كليات جامعة محمد الخامس بالرباط، لانتخاب أعضاء المجلس الإداري ولجنة المراقبة برسم سنة 2019. ويحدد البلاغ شروط الترشيح، وسأركز أساسا على الشرط رقم 7 وهو آخر الشروط، يقول منطوق الشرط المذكور " أن لا يكون قد صدر أو طُبِق في حقه ( أي المرشح/ة) مقتضيات الفصل 26 من الظهير رقم 187-57-1 الصادر سنة 1963 بسن نظام أساسي للتعاضد بصفته عضوا بالمجلس الإداري للتعاضدية". وأهداف الشرط رقم 7 هو إغلاق الباب في وجه من تورطوا في السنوات السابقة في التدبير الكارثي، على عهدي المسؤولين الذين طبق عليهم الفصل 26 سنتي 2009 و 2019، الذي تم جراءَهُ تبديدُ ونهبُ، لسنوات طوال، أموال المنخرطين والإجهاز علي مكتسباتهم، وعاث فسادا في تدبيرها الإداري والمالي، وهو ما سال بخصوصه مداد كثير وانتشرت له فيديوهات أكثر، ونُشِرت بشأنه مقالات وبلاغات ومراسلات وتدوينات وقرارات وتقارير متنوعة منها أساسا ما تضمنه تقرير المفتشية العامة للمالية سنة 2013 وتقرير هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي أو ما يعرف اختصارا ب " أكابس" ACAPS Autorité de contrôle des assurances et de la prévoyance sociale) سنة 2019. وبطبيعة الحال لم يعجب هذا الشرط الكثيرين من المعنيين به مباشرةً حيث أزعجهم وأربك حساباتهم، وصدم الذين خططوا وبرمجوا وصرفوا الغالي والنفيس من الجهد والوقت و"أشياء أخرى" للنزول بمظلاتهم الخاصة على جهاز المجلس الإداري ومنه إلى المكتب المُسير للاستيلاء على سلطة القرار التي يؤدي طريقها السريع إلى التحكم في منابع الموارد المالية الطائلة ( السائبة وغير الخاضعة للمحاسبة) خاصة أن الإفلات من المساءلة، وما يترتب عليها من محاسبة، صار هو القاعدة العامة، في القطاع التعاضدي، رغم نضالات الكثير من حُماة المال العام وأموال المنخرطين الذين بذلوا جهودا جبارة في هذا الشأن دون أن يتم إنصافهم والاستماع لصراخاتهم الإنذارية والتجاوب مع نضالاتهم النزيهة والبطولية لسنوات. نعم صار التهافت على مواقع المسؤولية في هذه التعاضدية ( وطبعا في تعاضديات أخرى) هو النغمة التي يرقص على إيقاعها أشخاص وهيئات تدعي الانتماء إلى العمل النقابي وتتغطى بردائه وتلبس أقنعته أو سلهامه أو لحيته أو قُبَعته أو طاقية استخفاء تلائم مقاسه….، والواقع أنها، قاطبة، تركب على ظهر المؤسسة لمآرب أخرى، ولمن أراد المزيد من التفاصيل والقرائن عليه الاطلاع على بلاغات داخلية يتم تداولها سرا أو علناَ في دوائر ضيقة ( بعضها ذاق حلاوة المال السائب ومنها من ينتظر دوره أو حصة نصيبه من الغنيمة أو مجرد فتاتٍ مما عافه السبُع) تدعم البعض وتدعو لمساندته، مطمئنة من تبعات أي مساءلة مُمكنة أو محاسبة في القادم من الشهور والسنين. ومن قرائن ذلك النوم العميق، أو نومة أهل الكهف التي شملت مشروع مدونة التعاضد التي تم تنويمها ( تشريعيا وليس مغناطيسيا) في مجلس المستشارين منذ 2016، حيث التقت مصالح الكثيرين على نفعية استمرار قانون التعاضديات الصادر سنة 1963 المليء بالثغرات التي يفلت عبرها المفسدون وناهبو المال السائب في هذه المؤسسات ذات الأهداف النبيلة التي حولها المنتفعون، وحُماتهم، إلى مصدر للغنيمة. أمام هذا المسلسل البئيس الذي يعطي نفسا جديدا للفساد التدبيري ( المالي والإداري) ولا يقطع ذابره من الجذور، بادرت التنسيقية النقابية والحقوقية لمناهضة الفساد في التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، يوم 21 دجنبر 2020، إلى مراسلة كل من: وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة؛ وزير الشغل والإدماج المهني؛ المتصرف المؤقت المكلف بإجراء الانتخابات. مُعبرةً عن "اعتراضها على ترشح الضالعين في فساد التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية من أعضاء مجالس إدارية سابقة لاستحقاقات يناير 2021 ، وداعية إياهم إلى التدخل، طبقا للاختصاصات الموكولة إليهم بقوة القانون وبموجب القرار المشترك لوزير الشغل والادماج المهني ووزير الاقتصاد والمالية الصادر في 4 أكتوبر 2019، وذلك من أجل الحرص على منع الضالعين في فساد التعاضدية، الذين طُبِق في حقهم الفصل 26 سنتي 2009 و 2019 من الترشح لعضوية المجلس الإداري، المقرر إجراؤها يوم 10 يناير 2021 بالرباط. لكن، للأسف الشديد، فإن التنسيقية لم تتلق، إلى يومنا هذا، أي رد على مراسلاتها للمسؤولين المعنيين المذكورين أعلاه، وهو صمت "القبور" الذي لا يعني إلا شيئا واحدا هو الاستهتار بالقانون وبالمشروعية وهروب فصيح مع النفاذ المُعجل، من تحملِ مسؤولية إعمال مقومات دولة القانون والمؤسسات، وتطبيق آليات المحاسبة، وتكريسٌ لمسلسل الفساد الذي عرفته التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية منذ سنوات، وكأنه تصريح علني وترخيصٌ باستمرار هذا المسلسل ودوام الرضى عن الضالعين فيه ومن خلفهم ومن يمنحهم التغطيات المعلومة، كما أنه صمت في شكل تصريح وترخيص شامل ومفتوح بدوام ذات الممارسات في ذات الإطارات . وللتذكير فإن التنسيقية خاضت نضالات طويلة، على امتداد سنوات، بالوقوف في وجه كافة الممارسات التي تخرق المقتضيات القانونية ذات الصلة بالتدبير الإداري والمالي للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، والتي تمس مصالح المنخرطين وذوي حقوقهم، وتجهز على مكتسباتهم، وتبذر أموالهم وتنهبها، تحت حماية لوبيات الفساد المتعددة التغطيات، ضدا على التشريعات القانونية والتنظيمية المؤطِرة للتغطية الصحية ببلادنا. وقد كانت اقتراحات التنسيقية لتجويد مشروع مدونة التعاضد، المُجمد في ثلاجة البرلمان والمُسجى في مقبرته، مساهمة في مبادرة استشرافية تروم حماية منظومة تغطية صحية، على علاتها، تحمي المنخرطين في زمن اتسعت فيه خارطة الأمراض السارية والمزمنة، وتراجعت فيه الخدمة العمومية الصحية تراجعات مُهوِلة، وتدنت فيه قدرات طبقات واسعة من السكان على تحمل أعباء ذلك، وهو ما عرته بفضاحة جائحة كوفيد 19 التي زادت الطين بلة.