كريمة حاجي (و م ع) بعد يوم طويل يقضيه أفراد الأسرة خارج المنزل، الوالدان معا أو أحدهما فقط في العمل، والأبناء في مدارسهم، يلتقون مساء في أجواء تعمها في بادئ الأمر مشاعر الحب والاشتياق لفلذات الأكباد. لكن سرعان ما يتحول الهدوء والأجواء الإيجابية التي سادت المكان إلى صخب وصراخ يرتفع من الجانبين. فالآباء حريصون على قيام الأبناء بفروضهم المنزلية، والأبناء يتماطلون ويفضلون قضاء فترة المساء في اللعب ومشاهدة التلفاز. مشهد يومي يتكرر في غالبية البيوت المغربية التي تضم أطفالا متمدرسين، مما يخلق حالة من التوتر والاستنفار خاصة في فترات الامتحانات. فأمام صرامة الآباء وتراخي الأبناء وتهاونهم في إنجاز فروضهم المدرسية، تمضي سويعات المساء في أجواء مشحونة بين الجانبين. ويتقاسم أولياء الأمور الشكاوى نفسها بسبب كثرة الفروض المنزلية ، واضطرارهم لقضاء الفترة المسائية في حفظ الدروس وإنجاز التمارين مع أبنائهم، وهي الفترة التي من المفروض أنها فترة راحة وقضاء وقت ممتع داخل الأسرة. أما الأطفال، الذين يقضون حوالي سبع ساعات يوميا في المدرسة، فيرون في الواجبات المدرسية عبئا يحرمهم من الاستمتاع بطفولتهم واللعب مع أقرانهم، مما يدفعهم في بعض الأحيان إلى الامتناع عن إنجازها رغم ما قد يترتب عن ذلك من توبيخ أو عقاب من لدن المعلم. خديجة، وهي أم لطفلين في المستويين الثاني والخامس ابتدائي، لا تخفي امتعاضها بسبب ما يحمله ابناها يوميا من تمارين مدرسية من الواجب إنجازها مساء، علما أنها الفترة الوحيدة المتاحة لها للقيام بأشغال المنزل وإعداد الطعام بعدما قضت يومها في العمل. تقول خديجة بلهجة غاضبة “يوميا، نعود جميعنا إلى المنزل عند الساعة الخامسة مساء. أقوم بتجهيز اللمجة المسائية لأبنائي وأبحث مباشرة عن قائمة التمارين التي تكون في الغالب مدونة في دفتر مخصص لهذا الغرض”، مشيرة إلى أنه رغم أنه من المفروض إنجاز هذه الواجبات في مدة لا تتجاوز نصف ساعة، إلا أنه وبسبب عدم تركيز الأطفال والتعب الذي يشعرون به في نهاية اليوم ورغبتهم في اللعب، قد تستغرق المدة أزيد من ساعتين. ورغم أنها تتقاسم هذه المهمة مع زوجها، فهي مكلفة بالمواد الأدبية وزوجها بالمواد العلمية، إلا أن وقت إنجاز الواجبات المدرسية يتحول إلى معركة حامية الوطيس بينها وبين أبنائها، مما يعكر صفو العلاقات بين الجانبين، خاصة عندما أقرت باستعمالها أحيانا الضرب في حق أبنائها بسبب تهاونهم في إنجاز تمارينهم، وحتى لا تتوصل في اليوم الموالي بإشعار من المدرسة. خديجة كما العديد من الأمهات وأولياء الأمور، تتساءل عن القيمة المضافة للواجبات المدرسية ، فالمفروض أن يقضي الطفل فترته المسائية في اللعب واللهو ومشاهدة الرسوم المتحركة بعدما قضى ساعات طوال في المدرسة، ملقية باللوم على الأطقم التربوية والبيداغوجية بالمدارس التي لا تقتدي بالتجارب الدولية الرائدة في هذا المجال، والتي أثبتت عدم جدوى الواجبات المنزلية. نوال، وهي بدورها أم لطفلين في المستويين الابتدائي والإعدادي، تؤكد أن الواجبات المنزلية وترت علاقتها بابنيها بسبب اضطرارها للصراخ والشجار معهما، قبل أن تضطر للاستعانة بخدمات معلمة خاصة تأتي يوميا لمساعدة أبنائها على إنجاز تمارينهم. تقول نوال إن زوجها يرفض بشكل قاطع مساعدتها في إنجاز الواجبات المدرسية للأبناء، لذلك قررت في نهاية المطاف تخصيص ميزانية إضافية للدروس الخصوصية المنزلية، إلى جانب ما تؤديه من مصاريف للمدرسة الخاصة حيث يدرس ابناها، وهو أمر أكدت أنه “ليس بالهين ويؤثر بشكل كبير على ميزانية الأسرة، لكنه أتاح لي العناية بنفسي ومنزلي والإبقاء على علاقة طيبة مع أبنائي”. ورغم أن هذا الحل قد جنبها ضغوطا كثيرة، إلا أنها لا تستسيغ أبدا مسألة الفروض المنزلية، متسائلة بكثير من التذمر “ألا يكفي الأطفال ما يتلقونه طيلة النهار من معارف ومعلومات. ألا يحق لهم أن يرتاحوا مساء ويمارسوا حقهم في اللعب والمرح، ألا يحق لنا نحن أيضا أن نرتاح “. ولأن مساعدة الأبناء على القيام بواجباتهم المدرسية تفترض توفر الأبوين معا أو أحدهما على مستوى ثقافي معين ، فإن الأمر يزداد صعوبة لدى الأمهات اللواتي لم ينلن حظهن من التعليم. تقول ليلى التي لم يسبق لها ولوج المدرسة، إن ابنها يعاني الأمرين عند إنجاز تمارينه المنزلية بسبب عدم قدرتها على مساعدته وفي غياب الأب الذي يفضل الجلوس في المقهى مساء. ورغم الشكاوى المتكررة للآباء، والتي لا يتوانون عن تبليغها للأطقم البيداغوجية والتربوية بمدارس أبنائهم، إلا أن الوضع يبقى، برأيهم، “على ما هو عليه”، والأنكى من ذلك هو ما يتعرض له أبناؤهم من عقوبات بسبب عدم إنجازهم لتمارينهم المنزلية، فضلا عن سوء العلاقة مع معلميهم. وللأطقم البيداغوجية للمدارس رأيها أيضا في هذا الشأن، حيث تؤكد منى، وهي مسؤولة عن الطاقم التربوي بإحدى المدارس الخاصة، أن الواجبات المنزلية تساعد على تعزيز معارف التلميذ وتطوير ذاكرته على المدى البعيد، وتمكن بالخصوص من إقامة روابط بين الفترة التي قضاها بالمدرسة وتلك التي يقضيها بالمنزل، معتبرة أن هذه الواجبات ينبغي أن تكون يومية، بما في ذلك نهاية الأسبوع، ومركزة حيث لا يجب أن تتعدى مدة إنجازها 20 إلى 30 دقيقة، وأن تشكل محطة يومية محفزة على الحوار بين الطفل وأبويه. وأوضحت أن المطلوب من الطفل هو مراجعة دروس تكون قصيرة أو حفظ أخرى ألقيت في القسم، معتبرة أنه من الضروري تلقين الطفل العلم والمعرفة وتعويده على الانضباط وتعليمه كيفية ترتيب الأولويات “فهي أشياء ضرورية جدا يجب أن يتربى عليها الطفل منذ نعومة أظافره”. ولتسهيل عملية تركيز الطفل أثناء قيامه بواجباته المدرسية، أكدت المسؤولة التربوية على ضرورة توفر مجموعة من الظروف المواتية، وأهمها عدم وجود ضجيج بالبيت (موسيقى، أحاديث جانبية..) وجلوس الطفل في وضعية مريحة للقراءة وللكتابة، وتحفيز الطفل ومساعدته على القيام بتمارينه، وعدم القيام بها بدلا منه، من أجل تعويده شيئا فشيئا على أن يكون مستقلا . ومن منظور نفسي صرف، تحدث الطبيب والمحلل النفساني، جواد مبروكي، عن “حروب الفروض المنزلية عند المغاربة”، حيث أشار إلى أنه كثيرا ما يخوض الطفل في المجتمع المغربي “حروبا يومية”، بما فيها نهاية الأسبوع، مع أمه بالخصوص، بسبب عدم رغبته في إنجاز التمارين، محذرا من أن بعض أساليب التعليم المدرسي وكثرة الواجبات المنزلية قد تغرس في الطفل كراهية المعرفة وتقتل محبة الاكتشاف والمعرفة والتحليل لدى الأجيال الصاعدة. واعتبر أن إجبار الطفل على القيام بالواجبات المنزلية هو تجاهل لحاجياته، خاصة الأطفال في سن مبكرة، موضحا أن دور المدرسة هو زرع حب المعرفة في وجدان الطفل وتحفيزه على الانفتاح الفكري وخلق الفرص ليطور حاسة الملاحظة والتحليل والنقد لديه وزرع بذور الثقة فيه والإيمان بأن قدراته هائلة، مؤكدا أنه بهذا الشكل تنجح المدرسة في تحقيق هدفها الأسمى وهو “تكوين مواطن صالح له حس قوي لانتمائه لمجتمعه”. أما دور المنزل، يضيف المحلل النفساني، فيتمثل في استقبال الطفل بعد يوم طويل في المدرسة ونسج الآباء علاقة ممتعة مع أبنائهم وزرع حب المعرفة فيهم، وهكذا نزيد في متعة وحب الطفل لمدرسته بحيث يستعد للذهاب إليها في الصباح وهو في غاية الاطمئنان. وبعدما أشار إلى أن عددا من الدول المتقدمة تمنع الواجبات المنزلية خلال مرحلة التعليم الأولي والتعليم الابتدائي وتمنع الامتحانات والنقط والمقارنة، كما أن الدروس تكون على شكل أبحاث تتم بكل مرح، خلص السيد مبروكي إلى أنه آن الأوان لنعيد النظر في مختلف أساليب التعليم السائدة في مجتمعنا ونركز على شخصية الطفل واحتياجاته. وإذا كانت الواجبات المدرسية ضرورية في إطار العملية التعليمية، إلا أن المبالغة فيها تكون أحيانا على حساب حاجة المتعلمين للاستمتاع بطفولتهم ، وحاجة أولياء الأمور للراحة.