أكد رئيس مجلس المنافسة، ادريس الكراوي، اليوم الأربعاء بالرباط، أن المجلس حريص على إيلاء أهمية بالغة لتأثير الاقتصاد الرقمي على أوضاع المنافسة في الأسواق. وقال الكراوي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للندوة الوطنية المنظمة حول موضوع “قانون واقتصاد المنافسة وحماية المعطيات الشخصية”، “لقد حرصنا منذ إعادة تفعيل مجلس المنافسة على إيلاء أهمية بالغة لدراسة تأثير الاقتصاد الرقمي على أوضاع المنافسة في الأسواق، كما أن المجلس جعل من هذا الموضوع مسألة هامة، حرص ولا زال على إلمام هيئاته وأطره بجميع حيثياتها وتأثيراتها على المنافسة داخل الاقتصاد الوطني”. وأضاف أن دراسة قانون واقتصاد المنافسة وحماية المعطيات الشخصية تشكل أيضا إحدى قضايا الساعة التي تستأثر باهتمام هيئات المنافسة على نحو متزايد، وتندرج ضمن سياق وطني ودولي يشهد حركية ونموا مضطردا على مستوى الاقتصاد الرقمي، لاسيما في سياق مطبوع بالابتكار المستمر، ومتسم بتراكم هائل وضخم للبيانات، له وقع يتوجب على هيئات الحكامة والضبط، تحديد واحتواء تأثيراتها وانعكاساتها على المستهلكين والمقاولات. ومرد هذا المعطى، وفقا الكراوي، راجع إلى كون هذه البيانات الضخمة “أصبحت مصدر قلق في المجالات ذات الصلة بصيانة الحياة الخاصة للأفراد، وحماية المستهلك، وتطبيق قانون المنافسة، إذ يرجح أن تستغلها المقاولات والشركات والمنصات الرقمية في حالة جمعها ومعالجتها، مما يخول لها قوة سوقية ذات آثار جانبية”. وأوضح أن راهنية وأهمية وتشعب الإشكاليات التي يطرحها إعمال قانون واقتصاد المنافسة في تدخلاته المتعددة في مجال استعمال المعطيات الشخصية لأغراض تجارية يطرح على مجلس المنافسة، والهيئة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، والهيئات الدستورية الوطنية التي تعنى بقضايا الضبط والحكامة الاقتصادية، تحديا كبيرا يتعلق بمدى استثمار الذكاء الجماعي لخبراء وكفاءات وأطر هذه المؤسسات قصد اقتراح الأجوبة الملائمة لتحيين القوانين، وبلورة السياسات خدمة لصون مصالح المقاولات والمواطنين داخل التراب الوطني. وفي ظل التأثير المتنامي الذي بدأت تلعبه البيانات الضخمة على سير المناخ التنافسي داخل القطاع المصرفي، أشار الكراوي إلى أن المصارف بدأت تستخدم اليوم وسائل تكنولوجية جديدة من بينها تقنية ما يعرف بسلسلة الكتل والذكاء الاصطناعي، تقوم على استغلال قاعدة كبيرة من المعطيات بغرض اقتراح خدمات جديدة لفائدة زبنائها، مبرزا أنه يمكن للفاعلين الجدد في هذا المجال اللجوء إلى ما يعرف بالتكنولوجيا المالية، الرامية إلى اقتراح خدمات مصرفية عبر الشبكة العنكبوتية بواسطة الأداء بواسطة البطاقة الإلكترونية. وسجل رئيس المجلس، في هذا السياق، أنه وعيا منها بالانشغالات المتعلقة بالمنافسة على هذا الصعيد، ارتأى كل من مجلس المنافسة واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، الإحاطة بهذه الظاهرة بهدف معالجة آثارها المتشعبة والمعقدة قصد بلورة رؤية أكثر وضوحا حول بنية الأسواق المرتبطة بهذه الظاهرة وتغييراتها المحتملة. وأكد أن الموضوع الذي اختير لهذه الندوة يشكل فرصة لإغناء النقاش، وتبادل الأفكار ووجهات النظر في أفق بلورة ما يجب أن تكون عليه مستقبلا المكونات الرئيسية للرؤية الوطنية في مجال حماية المعطيات الشخصية في علاقاتها بقانون واقتصاد المنافسة، “رؤية مبنية على مقاربة متقاسمة ناجعة كفيلة بتوفير الوسائل القانونية والتقنية الضرورية لتقوية مناعة بلادنا في مجال جد حساس يوجد في قلب الأمن المعلوماتي الوطني في بعده الاستراتيجي، في جل امتداداته”. من جهته، أبرز الأمين العام للحكومة السيد محمد الحجوي، أن هذه الندوة تشكل فرصة لتقاسم الأفكار والرؤى إزاء المخاطر والتهديدات الحقيقية التي تتعرض لها المعطيات الشخصية للأفراد ومبدأ حرية المنافسة معا، جراء تزايد مظاهر الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن في السوق المبنية على عدم التقيد واحترام قواعد معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. وقال الحجوي، في كلمة بالمناسبة، “إن التحولات التي نعاينها اليوم في المجتمعات الحديثة، الناتجة عن العولمة والاقتصاد العابر للقارات، أدت إلى ظهور نموذج اقتصادي قائم على استغلال المعطيات الشخصية للأفراد كمادة خام، يعتبرها البعض بمثابة “ذهب أسود” للقرن الواحد والعشرين”. وأضاف أن استغلال بعض الشركات لوضعها المهيمن داخل السوق واحتكارها للبيانات والمعلومات الخاصة بالأفراد، وحرمان الشركات الأخرى، لاسيما الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، الصاعدة في الميدان، من الولوج إلى هذه المعطيات والبيانات يطرح على هيئات الضبط والنوظمة العاملة في حقلي حماية المعطيات الشخصية واقتصاد المنافسة تحديات حقيقية لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية بشكل سريع. وأبرز أن المغرب يشهد تطورا هائلا للوسائل التكنولوجية الرقمية الحديثة مما يجعله في قلب هذه التحديات، الشيء الذي يفرض البحث باستمرار عن جوانب التطوير الممكنة لتعزيز منظومتي حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي وحرية المنافسة. وأضاف السيد الحجوي أن هذه الندوة ستنكب على دراسة وتحليل الإشكاليات المتعددة المعقدة التي يثيرها الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن للشركات الكبرى في السوق القائم على استغلال المعطيات الشخصية للأفراد، واقتراح الحلول الكفيلة بمواجهة هذه الظاهرة والتخفيف منها. وتضم أشغال هذه الندوة، التي ينظمها مجلس المنافسة واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، عدة جلسات تتمحور أساسا حول “حماية المعطيات الشخصية وقانون واقتصاد المنافسة.. الارتباطات والتحديات”، و”حماية المعطيات الشخصية والمنافسة في مجال التجارة الإلكترونية”، و”استعمال المعطيات الشخصية من لدن المنصات الرقمية الدولية وانعكاساتها على المنافسة في السوق الوطنية”.