يواجه الاقتصاد الصيني المزيد من المتاعب في ظل استمرار تفشي فيروس “كورونا” الجديد رغم جهود الحكومة لاحتوائه، إلا أن تداعيات الوباء أضحت تلقي بظلالها على الشركات الصغرى والمتوسطة في البلاد التي تواجه أزمة سيولة تهدد الملايين منها بالإفلاس. فقد تضررت هذه المقاولات بالتدابير الحكومية للسيطرة على الفيروس والتي شملت تقييد حركة مئات الملايين من المواطنين الصينيين خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة، وإصدار أوامر للشركات بتأخير إعادة فتح مصانعها ومكاتبها. وأصبح جليا تأثير هذه التدابير الاحترازية على سلاسل الانتاج والتوريد المحلية والدولية، فتأثرت قدرة الشركات على تلبية الطلبات، وبالتالي استحالة دفع الفواتير، فيما لجأ العديد من العملاء إلى البحث عن موردين خارج الصين. وعلاوة على المخاوف الصحية، ساهم الوباء في حالة من الريبة وعدم اليقين بين عشرات الملايين من الشركات الصغيرة، التي تشكل حجر الزاوية في الاقتصاد الصيني وتمثل دعامة أساسية للاستقرار الاجتماعي. ووفق إحصاء اقتصادي حديث أنجزه المكتب الوطني للإحصاء، توجد في الصين 63 مليون شركة حتى نهاية عام 2018 ، وتوفر حوالي 150 مليون فرصة عمل. وأظهرت دراسة استقصائية مشتركة أجرتها جامعة تسينغهوا وجامعة بكين ، وهما من أكبر مؤسسات التعليم العالي في الصين، أن ما يقرب من ثلثي الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم لديها احتياطيات مالية كافية لدعم أعمالها لمدة شهرين إذا نضبت الإيرادات، في حين أن 34 في المائة ممن شملها الاستطلاع أكدت أنها لا تستطيع الاستمرار سوى لمدة شهر واحد بالنظر إلى مدخراتها الحالية. كما كشف المسح، الذي شمل 995 شركة، أن 30 في المائة من الشركات تتوقع تقلص الإيرادات بمقدار النصف على الأقل عن عام 2019. وللتخفيف من أعباء الديون وتدفق السيولة، أصدرت السلطات المالية في الصين، في الأول من فبراير الجاري، أوامر إلى المقرضين بشطب قروض الشركات التي تواجه صعوبات في سداد ديونها نتيجة لتفشي “كوفيد-19″. كما أصدرت السلطات تعليمات إلى المصارف بتخفيض أسعار الفائدة على القروض على نحو مناسب والسماح بحدوث تأخيرات مرنة في سداد الرهون العقارية وديون بطاقات الائتمان. وقال بان قونغ شنغ نائب محافظ بنك الشعب الصيني، في تصريح صحفي، مؤخرا، إن البنك المركزي سيقدم تمويلا قيمته 300 مليار يوان (43 مليار دولار ) للبنوك الوطنية والمحلية في مقاطعة خوبي، مركز تفشي كورونا، لتوفير التمويل اللازم، والقروض منخفضة الفائدة لشركات بعينها، في إشارة إلى الشركات المشاركة في مجهود مكافحة تفشي المرض. وكان مجلس الدولة قد أعلن الاسبوع الماضي، أنه سيخفض فوائد الاقراض ويلغي الرسوم والضرائب على الشركات التي تنتج أو تبيع الامدادات الطبية . وقدمت عدد من الحكومات المحلية ما يسمى ب”القوائم البيضاء للشركات المشاركة في مكافحة تفشي المرض، والتي هي في أمس الحاجة إلى السيولة”. وفي الوقت الذي تنعم فيه الشركات العمومية في الصين بإمكانية الحصول على الائتمان بفوائد منخفضة، تظل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحلقة الأضعف في هذه المنظومة حيث تعتمد على معاملاتها الذاتية للحفاظ على نشاطها وبقائها. فخطر ارتفاع الديون، وحتى الإفلاس، لا يزال يهدد هذه المقاولات. وقال المدير العام لشركة لصناعة قطع غيار السيارات في مقاطعة شاندونغ الشرقية في تصريح لصحيفة “شنغهاي ديلي” إن ” شركتنا أوقفت إنتاج وشحن البضائع وليس لدينا دخل”، مضيفا “آمل أن يوافق مصرفنا على السماح بتأجيل سداد الفائدة على قروضنا. وإذا لم يحدث ذلك، سيتعين علينا اقتراض المزيد من المال فقط لتسديد مدفوعات الفائدة”. وقد أتى تفشي الفيروس خلال عطلة السنة القمرية الجديدة، التي تمثل بالفعل أكبر موسم مبيعات في العام، على نشاط وإيرادات تجار التجزئة والمطاعم. وقال تشاو جيان رئيس معهد “أتلانتيس” للأبحاث المالية، إن قطاعات الفنادق والمطاعم وتجارة التجزئة والترفيه عانت أكثر من غيرها من موجة الصدمة الأولى لظهور الفيروس، تلاها صغار المصنعين والمصدرين. وإذا كان الحجم الحقيقي للخسائر التي لحقت بالمقاولات الصغرى في الصين جراء تفشي المرض لا يزال غير معروف، فإن بعضها بدأ يفكر في وقف نشاطه أو على الاقل تقليص اليد العاملة، كشركة “شينتشاو” للاعلام، وهي وكالة للاعلانات التجارية، التي قالت بداية هذا الأسبوع، إنها ستسرح 500 عامل لديها، فيما أعلنت سلسلة مطاعم “شيبي”، التي تضم أكثر من 300 مطعم في أنحاء البلاد، أن آلية تحصيل الإيرادات لديها توقفت منذ ثلاثة أشهر. يسهم الاقتصاد الخاص في الصين بأكثر من 60 في المائة من الناتج الاقتصادي للبلد، ويخلق أكثر من 90 في المائة من فرص العمل الجديدة. عافيته حاسمة للأداء الاقتصادي العام للصين وصلابته، ويتوقف عليها أيضا الهدف الأسمى للرئيس شي جين بينغ المتمثل في “تحقيق الرفاه الاقتصادي للمجتمع الصيني” في عام 2020.