الحياة والموت يبدوان اتجاهان متضادان، هنا الموضوع أمر إيمان، بمعنى كيف ننظر إلى كلتيهما، البعض يجمع بينهما في فكره وعمله فيكون أكثر اطمئناناً ولا يؤرقه أن هنالك موت وقد يذكره عدة مرات في يومه من خلال دعائه، البعض يخاف الجمع بينهما لأمور دنيا لم يحققها بعد، وبرامج عمل بعيدة المدى، فهو لا يريد أن يشوش على تفكيره بفكرة الموت والتي تعني توقف كل شيء يركض لتحقيقه، البعض لا مشاريع لديه إنما هو يعتقد أنه لم يُعِد نفسه لفكرة الموت فيتهرب حتى من ذكرها، لأنه يسيطر عليه كسل أو ربما جدل في عقله حول الإيمان، فهذا لا يحب أن يقترب الأجل قبل رسوه على بر، والطبيعة البشرية تحب الحياة لأنها مخلوقة على حب الدنيا… استدعى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك أحد أمراء الدولة الأموية العالم بالله أبا حازم ودار بينهما حوار شيق: عندما دخل العالم على الأمير، وجّه الأمير إليه سؤالاً، قال: "يا أبا حازم، لماذا أصبحنا نحب الدنيا ونكره الموت؟" إجابة هذا الإمام لو أُلقِيت على جبل أشمَّ، لتحرك الجبل من مكانه، قال: "يا سليمان، لأنكم عمَّرتم الدنيا وخرَّبتم الآخرة، ومُحالٌ أن يحب الإنسان الخروج من العمار إلى الخراب"، كيف لا يحب الدنيا مَن عمَّرها؟ وكيف يحب الآخرة من خرَّبها؟ وهذا يرجع لأسلوب كثير من الدعاة الذين صوروا لنا القبر خوف، ثعبان، أفاعي، نار…وبهذا خوفونا من لقاء الله. الموت يتبع مع الجميع سياسة ديمقراطية تقوم على المساواة المطلقة، فالموت لا يعرف التمييز بين عباقرة وسوقة، أو بين علماء وجهّال، أو بين شباب وشيوخ، أو بين عاملين وخاملين، أو بين أخيار وأشرار…الموت جندي مأمور من جنود الله، فإذا كان هذا الجندي عادل فما بالك بالملك.