كان عوج بن عناق أكثر المخلوقات ضخامة وأكثرها دمامة، طوله ثلاثة ألاف ذراع، لم يكن المحيط ليبلغ ركبتيه، يلتقط الحوت بيده ويرفعه فيشويه على لهيب الشمس، متوحش بقوة مخيفة، وجبار ببطش شديد، تخافه سائر المخلوقات على الأرض وتخشى حتى النظر إليه، ترتعد من ذكر اسمه، وتفر مختبئة إن سمعت قرع أقدامه، كانت الأرض تهتز تحت وطأة ثقله ووقع خطواته، عاث في الأرض فساداً ونشر الرعب حوله في كل مكان، قتل من قتل، ودمر ما دمر، وعمّر ثلاثة آلاف وستمائة عام بسط خلالها سطوته على سكان هذه الأرض قاطبة… عدل جنكيز خان من جلسته وهو يضحك بسرور بالغ لما يسمع، حيث تملكه الإعجاب الشديد بعوج وسيرته، قال جنكيز خان لسامره: هيا أكمل، وماذا بعد؟ قال السامر: ولكن يا مولاي كان عيبه الوحيد أنه ابن زنا، تأفف جنكيز خان وقال محدثاً نفسه: بالتأكيد لا بد للجبابرة أن يكونوا أبناء زنا، ومن يجرؤ على اقتراف الجريمة والبطش غيرهم، وماذا في ذلك! استطرد السامر قائلاً: أمه كانت عناق بنت آدم وهي أول من أشاع الفاحشة وجهر بها، كانت لا تمنع نفسها طالباً، ولا تتورع عن فاحشة، عاشرت الشياطين فحملت بعوج، ولأنهم لم يتمكنوا من معرفة أبيه ألحق اسمه باسم أمه فسمي عوج بن عناق، قال جنكيز خان: لا عليك من أمه الآن، حدثني عنه وعن بطولاته وسر قوته، قال السامر: أية قوة يا مولاي! هذه كلها أساطير ابتدعها اليهود وأطلقوا العنان لخيالهم في رسمها وأسرفوا بالكذب في روايتها، وقد أنكرها المسلمون جملة وتفصيلاً، فهي خيالات لا يقبل بها عقل واع ولا حتى فكر جاهل… قال جنكيز خان بغضب: ومن سألك عن المسلمين أيها الأحمق؟ عوج بن عناق لم يكن أسطورة، بل حقيقة، وقف جنكيز خان ورفع كلتا يديه للأعلى واستطرد قائلاً: أُحس بروحه الآن تنساب في جسدي وتمنحني قوة الكون كله، تهته جنكيز خان بكلمات غير مفهومة وصرخ مستطرداً: أنا أضخم وأكبر من عوج بن عناق، لقد وهبني الأسلاف روحه وقوته، وغداً عند دخولنا بغداد سترى حقيقة هذه القوة التي تنزلت علي من الأسلاف، طرد جنكيز خان في تلك الليلة سامره من خيمته ليكمل سهرته منفرداً وهو يحلم بعوج بن عناق، لم يكن ليهتم في حقيقة الأمر لحجمه وطوله بل للوحشية التي اتصف بها والإجرام الذي مارسه لأكثر من ثلاثة آلاف عام على بني البشر، دمر جنكيز خان في اليوم التالي بغداد وسفك دماء أهلها وتلذذ بأفعاله الشنيعة، مستمتعاً بلعنة عوج بن عناق التي سكنت فكره الدنيء وروحه الشريرة، ثم رحل عن هذه الدنيا كما رحل من قبله الطغاة والمجرمون، ولكن لعنة أسطورة عوج بن عناق لازالت تنتقل من وحش بشري يحلم بالقوة المطلقة والتسلط والتحكم برقاب العباد لآخر يرى بنفسه إلهاً يمارس طقوس الإجرام على بني البشر طالما أنه يستطيع.