الكرسي ما أجمله وما أثقله إما أن تحمله وإما أن يحملك، كونوا صوتاً للناس ولا تقصروا غايتكم على صوت الناس، أما حاجات الناس فقضاؤها عبادة، ومن أشرك في العبادة لم ولن يصل، وأي شخص يحاول تلبية هذه الحاجات تحت سلطة الصورة لاتخاذها معراجاً إلى صوت الناس في الصندوق فهو مفلس، فقير المروءة، شحيح النبل، فالأصل في خدمة الناس الدوام وليس القصر على زمن الصندوق، والمبتغى من كل شخص أن يكون هو صوت الناس لا أن يقصر غايته على صوت الناس، وما بذل الجهد في تلبية حاجات الناس ابتغاء صوتهم غير فساد مقنع، ألا وإن الكورونا ورمضان سلمان، فمن صعدهما إلى الله سلم، ومن صعدهما إلى الصندوق وقع… إن من جعل ما قدّمت يداه في هذا المسار دعاية انتخابية يُطل بها على الناس، فقد أحرق صندوق نماء الحسنات، لصالح صندوق لملمة الأصوات، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، والتورع عن الإنتفاع من موقع التبرع، شيء لا يدركه إلا قلب ذو حس وضمير ذو لطف، والكيّس الفطن من ادّخر خدمة الناس وقضاء حوائجهم لصندوق العمل، فيكون جزاؤه خبيئة نيّرة له عند الله تعالى… نعرف جيداً أن البعض يعزف على الوتر الحساس عند الناس، ومن عادة الناس التفاعل مع من يقدم يد المساعدة لهم ويمشي في قضاء حوائجهم، لذلك نحن بحاجة لشعب واعٍ يعرف كيف ينتخب من يمثله بعقلية الواعي وليس بعقلية الغافي الساذج، كحاجتنا لمن يمثل الشعب بنزاهة وشفافية، وحتى نعطي لكل ذي حق حقه، فمن حق مثل هذا الشخص إن أحسن وأجاد وقدم وقته وجهده وكان أميناً وعادلاً وقدم أنموذجاً محترماً وناجحاً في معاملاته ومداومته لفعل الخير الغير الموسمي أن يترشح، شريطة أن لا يستغل ضعف الناس وحاجتهم وأن لا يطلب منهم رد الجميل، فهذا حقه الطبيعي ولكن دون استغلال لمعروفه بنية شراء ذمم المحتاجين والمستفيدين الذين لا يأبهون بحلال ولا بحرام، والذي هو أشبه بالرشوة إن لم يكن رشوة فعلاً، وحتى لا ينعتهم بعد ذلك بالقول، أكلتم خيري وانتخبتم غيري… السياسي ليس هو الذي "يتبورد" من على المنابر والمنصات أو من وراء شاشة الحاسوب أو النقال، بل هو الذي ينصت إلى مشاكل الناس ويتفاعل معها ويواجهها بكل مسؤولية، والمناصب ليست للفشخرة والجلوس في المكاتب الفارهة وركوب السيارات الفاخرة وملأ البنوك حتى يصاب الرصيد بالتخمة وترك الناس يتألمون ويعانون، وإنما هو لخدمة الناس ورعاية مصالحهم، هذا في الأوضاع الطبيعية فكيف والبلاد ينتشر فيها الوباء ويعمها المرض والبلاء ورائحة الموت تنبعث من جميع الزوايا والأنحاء، فكلنا راعٍ وكلنا مسؤول عن رعيته، وكلٌ في موقعه مسؤول، المرض والموت لا يفرقان بين وزير وغفير، وغني أو فقير، وما يدريك لعل أحدهما يقرع بابك فجأة، فماذا أنت فاعل ولربّك ماذا أنت قائل… الإنتخابات منافسة شريفة ولا عداوة في السياسة، فمنافسك ليس حجراً لتكسره، وليس وحشاً لتخاف منه، وليس عبداً لتملكه، وليس عدواً لتحاربه، إنما هو منافسك في ميدان يضمكما، ويباريك على هدف يجمعكما، فلا تشقى به ولا يشقى بك، وفي غياب البضاعة النقية تروج البضاعة المزجاة، وأرى أننا في زمن البضاعة المزجاة دون يأس أو ثقة أن الأفضل قادم، يبقى الحل في أيدي أبناء الشعب وللأسف هم من يسمحون لتلك الفئة بالوصول، فلا وصول وبقاء لوصولي إلا بدعم الشعب أو صمته… لا تغضبوا عني فالنقد ضروري، ومن ينتقدون مدينون بقدرتهم على الإنتقاد لمن ينتقدونهم، لكن هنالك دائماً من يأخذه على محمل شخصي جداً فيناصب الناقد العداء وتأخذه العزة بنظرته الخاصة فيتحول إلى حاقد يلغي كل أشكال النقد ويقصي مواردها، ومهما علت نفوسنا واتسعت معرفتنا وحسُن فهمنا فنحن بشر يقع منا الخطأ والصواب، وإذا لم نقبل بمبدأ النقد لرؤانا وأفكارنا، نكون قد سلكنا مسلك من يدّعي العصمة، وقد لا أكاد أكون ناقداً لشخص ومفهومي للنقد أنه عملية تدخّل واجبة تتحرك نحو الحالات وليس الأشخاص، ليعود هذا النقد علينا بالنفع ولا يكون خصماً علينا، والنقد بذاته لا يقتصر على تلمس العيوب بقدر ما هو استخراج للجماليات وإبرازها، وما يميز ناقداً عن آخر، القدرة على رؤية النقطة البيضاء في الثوب الأسود، وقيمة النقد ليس في أنه يكشف العيوب فحسب، بل إنه يؤشر على ملاحظة لم يُحسب وزنها الصحيح، أو يُنبّه إلى مراجعة تقييم لزاوية الملاحظة، لاسيما لمن يخطط جيداً لأعمال مشتركة، وقليل من النقد البصير هو الذي يجعل الناس تُراجع حكماً أو سلوكاً أو طريقة أو غاية، طبعاً هذا إن صدر ممن يعرف أصول ومناهج النقد، أما إبداء الرأي من هذا وذاك برأيي لا يكون تحت مسمى النقد، لأنه قد يكون فيه إساءة للأشخاص، وهذا اسمه تطاول وليس له علاقة بمنهج النقد لا من قريب ولا من بعيد.