عملية أمنية محكمة: توقيف مشتبه به متورط في سرقة أربعة محلات تجارية بطنجة    طنجة يفسخ عقد بنعاشور بالتراضي    "مكتب السياحة" يروج لوجهة الداخلة    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    100 فاعل سياحي من إسبانيا والبرتغال يزورون مدينة الداخلة    أعضاء بمجلس الشيوخ الفرنسي يعربون عن "إعجابهم" بالتطور الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة    توقيف شخص بأولاد تايمة يشتبه تورطه في قضية تتعلق بإعداد وترويج "الماحيا"    الجزائر تعيد إلى فرنسا مؤثرا جزائريا رحّلته باريس إلى بلده    جوزيف عون رئيسًا للبنان.. بداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد    ب3 أهداف دون رد .. الريال يتأهل لمواجهة برشلونة في السوبر الإسباني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الجموع العامة للجامعة المغربية لكرة القدم والعصب الوطنية في 13 مارس المقبل    الأكاديمية الجهوية بطنجة تطوان الحسيمة تستعد لدخول مدرسي متميز ومواصلة إصلاح التعليم    إدانة طبيب ومساعده بالمستشفى الجامعي بطنجة بالحبس النافذ بتهم اختلاس أدوية مدعمة والنصب    عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية مكنت من التصريح بأزيد من 127 مليار    أحزاب مغربية تؤسس "التكتل الشعبي" لمواجهة "الهيمنة والانحباس السياسي"    جنازة رسمية للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بواشنطن    الحكومة تكشف عن حصيلة عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية    الانتاج المرتقب للحوامض بحوض ملوية يفوق 192 ألف طن    المغرب استعاد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا (بايتاس)    من بينهم صوفيا بلمان.. اعتقال مؤثرين جزائريين بفرنسا بعد تورطهم في نشر مقاطع فيديو محرضة على الكراهية والعنف    إسبانيا تبرئ المغرب من "عرقلة" فتح الجمارك التجارية بسبتة ومليلية وترجع السبب لإجراءات تقنية    الموسيقار محمد بن عبد السلام في ذمة الله    في كتاب صدر حديثا بعنوان:« القصة السرية لجزائري أصبح عميلا» .. صديق الرئيس تبون يحكي عن ترتيب لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد!(1)    كواليس قرار ال UMT بشأن "الإضراب"    البرلمان يستمع لتقرير "الحسابات"    مجلس الحكومة يجدد الثقة في جمال حنفي على رأس الوكالة الحضرية للحسيمة    الأهلي يعلن غياب داري 10 أيام    بحضور الوزيرة المنصوري.. مديرة الوكالة الحضرية لتطوان تلقي الضوء على برنامج تأهيل الأحياء الناقصة التجهيز بعمالة المضيق الفنيدق    إسرائيل تتجاوز 46 ألف قتيل بغزة    تسجيل 41 حالة إصابة بداء بوحمرون بعدد من المؤسسات السجنية    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    الحكومة تؤجل تدارس مشروع قانون إحداث وتنظيم مؤسسة الأعمال الاجتماعية لموظفي إدارة السجون    أخبار الساحة    وست هام يُعيّن غراهام بوتر مدربا للفريق    إقبال جماهيري غير مسبوق على تذاكر مباراة الجيش الملكي والرجاء الرياضي في دوري أبطال إفريقيا    الذهب يتراجع بعد أن وصل لأعلى مستوياته في نحو أربعة أسابيع    عبد السلام الكلاعي يحكي الحب في "سوناتا ليلية"    مارلاسكا: دعم المغرب إثر فيضانات إسبانيا يعكس "عمق العلاقات" بين البلدين    وزير الداخلية الإسباني: دعم المغرب لنا في فيضانات فالنسيا يعكس "عمق العلاقات" بين البلدين    بسبب حملة مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل.. كارفور تعلن إغلاق فروعها في سلطنة عُمان    أخذنا على حين ′′غزة′′!    وادي "السلسيون": كوميديا الفشل في زمن النيوليبرالية    "بوحمرون" يغزو أسوار السجون ويفتك بالنزلاء    وفاة الموسيقار محمد بنعبد السلام    مندوبية: رصد ما مجموعه 41 حالة إصابة بداء الحصبة بعدد من المؤسسات السجنية    أسعار النفط تواصل خسائرها وسط ارتفاع مخزونات الوقود الأمريكية    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    حول الآخر في زمن المغرب ..    تايلور سويفت تتصدر مبيعات بريطانية قياسية للموسيقى    حصيلة حرائق لوس أنجليس ترتفع إلى خمسة قتلى    هجوم على قصر نجامينا يخلّف قتلى    السجن المحلي لطنجة يتصدر وطنيا.. رصد 23 حالة إصابة بداء "بوحمرون"    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(استهلكْ لتكون . استهلك وحسب ) / اللامنتمون الجدد
نشر في عالم برس يوم 11 - 03 - 2021

في كتابه الشهير "اللاّمُنْتَمِي " ، يسردُ " كولن ويلسن " حكاياتٍ عديدة ًوغريبةً ، استمدها من عشرات الأعمال السردية الرائدة ، ويقدم من خلالها توصيفاتٍ وتفصيلاتٍ لحياة عشرات النماذج من اللامنتمين اجتماعيا . شخوص بشرية تعيش بين الناس ، وقد تشتغل كذلك في مجتمعها بشكل آلي، لكن لارابط حقيقيا يربطها بالمجتمع .
قد يَسير الواحدُ من تلك الفئة على الشاطئ مثلا ، ولا يهتم بتاتا بأيٍّ كان ،لا يكلم أحدا ، ولا يتجاوب مع الأحداث المختلفة .
شخص في تمام صحته العقلية والجسدية ، يُحصي صخور الشاطئ ، وقد يشتري مثلجات ، ويتتبع بنظراته تحليقَ الطيور ، ولا يجد أيَّ رابط يربطه بالناس غيرَ العمل في صمت، واشتراء ما يتغذى عليه ، ودفْعِ إيجار شقته ، في صمت كذلك … لايزورُ أحدا ، ولا ينتظر أحدا ،،،لا يهتم لمن فرح أوحزن ، أو مات ، ولا يُؤذي أحدًا كذلك .
هو كائنٌ بشري ، غالبا ما يُسارع الزمن للعودة إلى مأواه ، يصعد إلى شقته في الطابق السابع ، ويسدل الستائر السوداء على النوافذ ، ويُبْقِي فقط على ضوءٍ خافتٍ يُمَكِّنُهُ من تأمل غلاف كتاب قديم يحتفظ به ، أو فَرْوِ سِنجاب اشتراه ذات زمن من صياد بئيس .
كائن قطع كل الروابط الإنسانية ، أو قُطِّعَتْ له . إنه لا يستجيب لأي شيء، ولا يفكر في أي شيء ، ومع ذلك فهو يتغذى وينام، ويعمل آليا لتأمين الغِذاء والسَّكَن ، هو لا"منتمي" رافض ، يعي ، غالبا، ما يرفض ولايريد مواصلة علاقاته في دائرة لا يرتضيها .
لم تتضح الغايةُ القصوى التي جمع من أجلها ذلك الكاتبُ العصامي الألمعي كل تلك الحكايات ، وأصر على أنَّ شبيهاتِها في الواقع كثيرة .
حقق الكتاب نجاحا باهرا ،حتى اعْتُبِر من أروع ما كُتب في القرن العشرين، ومع ذلك لم تظهرْ للجميع الغاية من كتابته حتى جَاءَ كِتابُه الذي لا يقل أهمية وغرابة ، وهو كتاب "إله المتاهة " . هنا اتضح أن ظاهرة اللامنتمي ، هي نتاج متاهة كبيرة ، متاهة صنعتها ثقافة الاستهلاك والفردانية ، ظاهرة انزواء أشخاص فهموا جيدا واقعهم ورفضوه مؤملين أن يساهموا ذات يوم في خلق جو آخر يناسب إنسانيتهم ، وإلا فهم يبتعدون محافظين على رؤياتهم على الأقل ، ومعلنين رفضهم عبرأشكال إبداعية ما .
مرت الآن عقودٌ على تسجيل كولن ويلسون للحالة في بُعدها الإنساني الفردي ، وفي أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية التي رسمتها الرأسمالية في مختلف مراحلها، مثيرة أشكالا من الرفض القوي حينا والخافت أحيانا هنا وهناك ، وهي تمضي في مساراتها الإنتاجية متعددة الوجوه : إنتاج الآلات المختلفة الأهمية ، والمواد الغذائية المعلبة ، والملابس ،،،، وإنتاج القيم الجديدة ، وهذا بيت القصيد . فكلما تسارعت عملياتُ الإنتاج والاستهلاك ، دَفَعَ التنافسُ إلى التجديد المتسارع للمنتجات الماديِّ منها والأدبي ، والفنيِّ عموما، حيث يصير العمل على تجديد القيم أمرا لامفر منه ،( قيم متجددة لمجتمع استهلاكي متجدد بالضرورة ) ، لتستمر العجلة في الدوران .
اليوم ، وقد صار التنافس النيوليبيرالي في أشده ، لم تتورع القوى المُنتِجة في خلق فرص الإدمان لدى المستهلك ، إدمان الاستهلاك وكفى !!!، بغض النظر عن المنتوج . وصارمن العادي جدا ، تلافي تركيز وترسيخ أية قيمة ، إلا "قيمة "الاستهلاك ، فَتُهَاجِمُ المنتوجاتُ المادية والمعنوية ، على السواء ، المستهلكَ من كل جانب ، بل تصرخ في وجهه أنِ "استهلكْ لتكون ، استهلكْ وكفى . تغذَّ على كل ما يُقدمُ إليك ، واشربْ كلَّ مايُخْتَاُرُ لك ،وتفرجْ على كل شيء ، واقرأ أي شيء ، والبس ما نراهُ صالحا لإبقائك من أهل هذا العصر ، وخُذ هذا الغَزَل المُعَلَّبَ لتقوله لزوجتك أو رفيقتك عند الضرورة … ورَدِّدْ هذه الشعارات الجديدة " ….
فلا يرفضُ ، لا بالفعل والمواجهة لترسيخ وعيٍ جديدٍ ، ولا بالانعزال على الأقل ، كما فعل العديد من لامنتميي كولن ويلسون ، بل لا يشعر بقليلِ توازنٍ إلا وهو يُلبي رغبةً لا تقوام في الاستهلاك ،وبأية طريقة .
قد يستمع المستهلك المدمن إلى إذاعة ما وهو يتغذى على طعام ما ،ويتفحص أمورا على شاشة هاتفه النقال في نفس الوقت ووووو…. المهم أن لا يجد دماغُه الملتهب فرصة للراحة، التي قد تتيح إمكانية التساؤل .
بعد سنوات ، وربما اليوم ، سيتضح جليا ، لكل من حالفه الحظ ( ونجا ) ، أنَّ أكبرالشرائح الاجتماعية عددا ، وربما أكثرها تأثيرا كذلك ، هي شريحة اللامنتمين الجدد ، لا مذهبَ لهم ، لا خيارَ لهم ، ولاعلاقةَ جديةً لهم بالآخرين . شريحةٌ تبكي بكاء مُرًّا لفقدان جهازِ هاتفٍ نقال ، ولا تلتفتُ مجرد التفاتٍ إلى أمهات يملأن الفضاء أنينا بفعل المرض ، ولا حتى إلى أبناء يبكون جوعا ، (إن كُتبَ عليها إنجاب أبناء ) .
عندها يصبح الكلام عن الوطنية ، مثلا ، مجردَ لغو (بلا معنى )، ويصبح الحبُّ مجرد رسم لقلب متعدد الألوان تُزيَّنُ به ماركةٌ من الملابس ،،، وقد تبدو ،لهذه الفئة، كلُّ الطقوسُ الدينية مجردَ حركاتٍ ثراتية ، وأناشيد ينشدها قساوسة أوشيوخ ،أوأحبار.
هذا في نظري هو عدم الانتماء الحقيقي القادم عبر عولمة كل شيء بعد نزعه من شرطه الإنساني والتاريخي الذي أنتجه ، وعبرتعميم ( اللاشيء ) بتدمير كل معنى كان قائما ، أولازال يُمانع المحو.
أما عدم الانتماء السياسي فمجرد توصيفٍ لعدم الانتماء إلى أية هيئة سياسية قائمة ، في بلد ما ، بينما قد يكون الشخص منتميا ، في آرائه ، إلى مذهب سياسي غير معترف به ، أو إلى شريحة عريضة لها موقف رافض للسياسة جملة وتفصيلا ، لسبب من الأسباب الذاتية أو الموضوعية ، رغم أن السياسة تفعلُ فيها فِعلها إيجابا أو سلبا سواء وَعَتْ ذلك أم لا .
اللامنتمي القادم ، الكائن الخرافي العملاق الضائع، هو صنيعة قيمِ الاستهلاك الشرسة . هو الذي سجل ميلادَه كولن ويلسن منذ عقود ، لكن بوجه جديد مُناقض ، وهوالذي يتكاثرُ ويتعملقُ اليوم مشدوها بكل أشكال التفاهة ، ومبتلعا لكل تافه ، ومفتخرا به ، وغيرَ مُستسيغٍ لكل جِدِّيٍّ وصلب . هو اللامنتمي الخطير على العالم ، مالم يتصدَّ لآلياتِ تَنْشِئَتِهِ وتَعَمْلُقِهِ فِكْرٌ جريء ومتجدد ، مقتنعٌ بكون الوعي الإنساني لا يقبل الاستمرارفي الانحدار إلى ما لانهاية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.