أولا لنبدأ بمعلومة للتاريخ: عبد الكريم الخطابي هو أول مغربي يمارس مهنة الصحافة. في مرحلة شبابه مارس هذا القائد التحرري « مهنة المتاعب » في الفترة بين 1908 و1915 كمراسل لليومية الصادرة من مليلية » تليغرام الريف ». نحن صحفيو مغرب 20177 لم نكن في المستوى لنعيد الاعتبار لقيدوم الصحفيين المغاربة من خلال القيام تغطيات مهنية ومستقلة ومتنوعة للحراك الشعبي الدائر في مسقط رأسه تنوعت التغطيات الصحفية من جيدة الى سيئة و مسيئة. الانطباع السائد لدى ساكنة الريف و لدى المراقبين أن التغطيات الصحفية تماهت مع السلطة وقامت بتبني فرضياتها حول الريف من دون أخذ مسافة من تصريحات الدولة. و حتى لا نسقط في العموميات حول الموضوع سأحدد مساحة التحليل على عدد من مقالات يوميتين مغربيتين (أخبار اليوم المغربية والأحداث المغربية) لفترة زمنية محددة. قبل ذلك، أود أن أطرح ثلاث ملاحظات حول علاقة الاعلام المغربي وحراك الاجتماعي عموما الملاحظة الاولى: الاعلام والحركات الاحتجاجية عموما بشكل عام الحركات الاجتماعية ليست موضوع اهتمام كبير للإعلام. وذلك لأسباب متنوعة: الخطوط التحريرية للمنابر أو طبيعة مالكي الجرائد المقربة من السلطات أو الأجهزة أو لاعتبار هذه المواضيع لا تجلب القراء. و بالتالي، فالحركات الاجتماعية أيا كان نوعها أو حجمها فيتم التعامل معها عموما بشكل بارد. أحيانا، نلاحظ تحول في طبيعة التغطيات خاصة عندما تصل هذه الحركات الى مستوى من الحجم كما كانت عليه حركة 20 فبراير أو حراك الريف اليوم، آنذاك فالإعلام يتموقع كمدافع على السلطة، غالبا. ملاحظة الثانية: انتصار « للمباشر » على الاعلام التقليدي الحراك الشعبي في الريف كان فرصة أخرى لتأكيد قوة وسائل التواصل الاجتماعي وبالتحديد خاصية المباشر. وان كان من منتصر في Le Liveهذه المرحلة فهي الخاصية الذي استطاع بها الحراك تجاوز وبشكل كبير جدا الاعلام الموالي أو المعادي له. فمثلا فيديوات ناصر الزفزافي كانت تعرف مشاركة مئات الألاف من الناس. بعد سجن قادة الحراك وخاصة الاعلاميين منهم، الاعلام الكلاسيكي بدأ يسترجع قوته قليلا، حيث استطاع المخزن من تخفيض قوة قناة التواصل المباشر بين الساكنة المحلية المحتجة والرأي العام الوطني والدولي. وعموما، طيلة ستة أشهر، الحراك لم يتأثر سلبا أو ايجابا بما يكتب، على قلته في أشهر مارس وأبريل وحتى 15 ماي. الملاحظة الثالثة: الحراك، هزيمة للمهنة و المهنيين التجاوزات الخطيرة التي تعرفها وسائل الاعلام العمومية والخاصة تمر في صمت مهين لمنظمات المهنية للإعلام والصحافة بالمغرب وكذا للهيئات العمومية المكلفة بمراقبة الحقل السمعي البصري. باستثناء بيان جد متأخر للنقابة الوطنية للصحافة حول طرد الصحفي الجزائري جمال عليلات، لم يصدر أي موقف من العدد كبير من المنظمات التي توجد على الساحة حول المضايقات التي طالت الصحفيين المحليين أو الخروقات التي قامت بها القنوات العمومية المغربية. أما بالنسبة لهيئات التحرير فرغم التجاوزات الفادحة التي تعرفها عدد من المواد الاعلامية فقد استمر زملائنا الصحفيين في التزام الصمت من داخل قاعات التحرير نظرا للإكراهات الذين نعاني منها كأجراء داخل هاته المؤسسات وليس كصانعي رأي ملتزمون بمواثيق وطنية ودولية لأخلاقيات المهنة. كيف غطت « أخبار اليوم » و »الاحداث » الحراك بين فترة 20 و30 ماي 2017؟ اذا قمنا بمقارنة سريعة بين تغطية المصدرين المذكورين أعلاه، يمكن أن نلاحظ ما يلي: ما يمكن أن نستنجه أن كل جريدة لها توجه واضح في تغطية هذا الحدث يناسب الخط التحريري لكل منبر. الأحداث المغربية مناهضة بشدة للحراك كما هو حال عدد كبير من المنابر عن اقتناع أو انسياق مع السلطة، بينما أخبار اليوم وعدد قليل من المنابر المستقلة تحاول أن تواكب الحراك بمهنية وحياد ايجابي. لكن في بعض الأحيان تحت ذريعة الخط التحريري، يتمت تشويه المهنة والانسياق أمام ممارسات لا علاقة لها بالصحافة وتتقارب من عمل الاستخباراتي أكثر منه الاعلامي. وحتى نقف عند انعدام المهنية في عدد كبير من التغطيات الصحفية المنشورة من طرف الجرائد المناهضة للحراك، سأخذ مثال جريدة « الأحداث المغربية » وعدديها ل30 و31 مارس 2017. السؤال : مدى مهنية المادة الصحفية المنشورة بغض النظر على كونها مناهضة أو مساندة للحراك ؟ المادة موضوع التحليل: مقال 30 مارس (انظر الصورة 1) منشور في صدر الجريدة بعنوان عريض: « المؤامرة » وهو اعلان وتلخيص للمقال الذي سينشر كاملا يوم 31 مارس. المقال عدد 311 مارس منشور على صفحة كاملة. « فرضية مقال: « الحراك بالريف يستفيد من تمويل خارجي. وأصحاب الطرح الانفصالي بالريف يستفيدون من دعم أجنبي ». « التحليل: اعتمادا عن منهجية مؤشرات التحقيق عبر الفرضيات المبلورة من طرف « اليونسكو ملاحظات ما يثير الانتباه في المقال هو غياب تحقيق ميداني حيث اكتفى الصحفي بصياغة المقال من البيضاء وتم الاستعانة بمراسل الجريدة- بالحسيمة من أجل أخذ رأي محمد الميجاوي، أحد قادة الحراك في تصريح مقتضب لا يضمن توازن المقال سوء فهم كبير ابان عنه صاحب المقال بخصوص رقم استعمل في المقال عدة مرات وهو يخص التفاعلات التي تخص الحراك على شبكات التواصل الاجتماعي. حيث ردد رقم 17 مليون تفاعل يخص الحراك وهو رقم يدل فقط على اهتمام بالموضوع عبر هذه الوسائط ولا يساهم في إثبات الفرضية. واذا قمنا بقياس تفاعل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم حول كلمة « الحراك » فقد نصل لأرقام تضاعف رقم 17 مليون. أخذا بعين الاعتبار كيف تعاملت « الاحداث المغربية » في قضايا مشابهة كمتابعة المعطي منجب، حيث نشرت وثائق بنكية تعتبر معلومات خاصة وتوجد بملف الشرطة، أظن أن هذه الجريدة لم تكن لتتوانى في نشر أي وثيقة توصلت بها قد تشكل ادانة للحراك. أمام ضعف الفرضية، اكتفت الجريدة بتخمينات. تهميش المراسل المحلي للجريدة والذي قام بدور ساعي البريد فقط من أجل طرح سؤال على أحد قادة الحراك خلاصة: نحن أمام مقال وليس تحقيق كما هو متعارف عليه. النص هو خليط من الفرضيات والتخمينات وعدد من افتراءات لا تسمو لمستوى خبر صحفي ولا تؤكد ولا تنفي الفرضية التي تبقى معلقة ومنشورة لكن تحقق اهداف الاشاعات أو الأخبار الزائفة الرائجة في الفضاء العام. هدف المقال: الاعداد لتجريم النضال الاجتماعي بالريف وتهيئ الرأي العام لأي حملة من الاعتقالات في صفوف قادة الحراك. وهو ما عبرت عنه افتتاحية مدير الجريدة لعدد 31 مارس حيث كانت غالبة عليها لكنة التهديد و الوعيد. خاتمة: تفاديت أن أناقش في هذا المقال كتابات عدد من المواقع الاخبارية المعروفة بعدم مهنتيها وقربها من مصادر استخباراتية أو أمنية والتي أساءت وسبت وشتمت الحراك وسكان الريف عموما. فضلت التركيز في هذا المقال على حالة الأحداث المغربية ليس لإعطاء الدروس لأحد ولكن اخترت هذه اليومية بالذات لكونها كانت مدرسة للصحافة المغربية. هذه الجريدة التي كانت رائدة الصحافة الخاصة بالمغرب و أنجبت عدد كبير من الزملاء الذين نفتخر بهم. لكن اليوم تعرف هذه الجريدة كما -عدد كبير من المنابر- تجاوزات لا مهنية. حراك الريف كان فخا لهؤلاء الزملاء الذين سقطوا في مصيدة انعدام المهنية. اننا أمام فرصة أخرى ضائعة للنهوض بالمهنة الصحافة بالمغرب. للأسف. ——————————— * صحفي مستقل وأستاذ زائر بالمعهد العالي الاعلام والاتصال بالرباط. النص التالي هو تلخيص للمساهمة التي قدمتها في ندوة « حراك الريف: نظرة اعلامية » المنظمة من طرف عدد من الصحفيين يوم 11 يونيو بمقر الحزب الاشتراكي الموحد بالبيضاء