لا شك بأن المتتبع للمراحل التي مر بها قانون حماية المستهلك والمخاض العسير الذي عرفه هذا الأخير، سواء في إعداده أو مناقشته، وذلك قبل صدوره بالجريدة الرسمية بتاريخ 07 أبريل 2011، يتأكد بأننا أمام قانون من نوع خاص تتقاطع فيه عدة مصالح متضاربة منها أساسا مصلحة الطرف الضعيف في العلاقات الاستهلاكية وهو المستهلك (المادة2 ق.ح.م.م.)، ثم مصلحة الطرف القوي الذي يمثل ما اصطلح عليه من قبل المشرع المغربي بالمورد… أولا: القاضي مدعو إلى إعمال قاعدة التأويل الأكثر فائدة للمستهلك لا شك بأن المتتبع للمراحل التي مر بها قانون حماية المستهلك والمخاض العسير الذي عرفه هذا الأخير، سواء في إعداده أو مناقشته، وذلك قبل صدوره بالجريدة الرسمية بتاريخ 07 أبريل 2011، يتأكد بأننا أمام قانون من نوع خاص تتقاطع فيه عدة مصالح متضاربة منها أساسا مصلحة الطرف الضعيف في العلاقات الاستهلاكية وهو المستهلك (المادة2 ق.ح.م.م.)، ثم مصلحة الطرف القوي الذي يمثل ما اصطلح عليه من قبل المشرع المغربي بالمورد، وأخير مصلحة حماية الاقتصاد الوطني والرفع من مردوديته. إن تعدد هذه المصالح بالشكل السالف الذكر، ساهم في تعثر صدور هذا القانون خاصة أمام تدخل عدة مؤسسات تجارية بغية عرقلة المصادقة على مجموعة من المقتضيات التي رأت أنها تمس جوهر وأساس وجودها وهو تحقيق الربح. ونحن إذ نضع هذه الدراسة بين يدي القارئ في وقت مهم جدا وهو مرور ثلاث سنوات على صدور قانون تدابير حماية المستهلك رقم 08_31 بحلول السابع من أبريل الجاري، فإننا نتوخى من ورائها لفت انتباه الأطراف المتدخلة في هذا القانون من مستهلكين وجمعيات وموردين إلى قانون لم ينل حظه من الاهتمام والدراسة ولم يسلط عليه الضوء من قبل الإعلام بالشكل اللازم مما فوت على المستهلك فرصة الاستفادة من المكتسبات التي جاء بها هذا الأخير. إن المتتبع لقانون حماية المستهلك باهتمام منذ صدوره لحدود اللحظة وفي العديد من جوانبه، سواء منها الدراسات الأكاديمية المحتشمة والأحكام القضائية التي عالجته، وكذا المتابعة التي حظي بها من قبل هيآت المجتمع المدني والإعلام أو حتى من قبل المستهلكين في حد ذاتهم، يمكنه الوقوف عند الواقع المتدني الذي ما زالت تعرفه الحماية المخولة للمستهلك، وذلك من عدة جوانب لعل وهو ما يتضح من عدة زوايا : 1- قضاء مدني وتجاري شبه مبادر إن صدور قانون تدابير حماية المستهلك شكل قفزة نوعية في حجم المكتسبات التي وضعها المشرع خدمة لمصلحة الطرف الضعيف، بدءا من إسناد الاختصاص المحلي في النزاعات الاستهلاكية لمحكمة موطن أو إقامة المستهلك (المواد 111و 202 من ق.ح.م.م.) خروجا عن مقتضيات قانون المسطرة المدنية (الفصل 27) التي تسند الاختصاص لمحكمة المدعى عليه، مرورا بقلب عبء الإثبات وجعله على المورد استثناء في نزاعات الشروط التعسفية والعقود عن بعد (المواد 18 و34 ق.ح.م.م.) عكس ما ينص عليه قانون الالتزامات والعقود من جعل عبء الإثبات على المدعى وغيرها من المستجدات التي همت الجانب الإجرائي في قانون تدابير حماية المستهلك، ثم التحولات التي عرفها الجانب الموضوعي في هذه الحماية بدءا من النص صراحة على الحق في الإعلام والحق في التراجع وتأطير مجوعة من الممارسات التجارية المشروعة منها وغير المشروعة وضبط الجوانب المتعلقة بالقروض سواء الاستهلاكية منها أو العقارية …. وغيرها من المستجدات التي يصعب حصرها في هذا المقام والتي سنقف عندها من خلال دراسات لاحقة. لكن ما يمكن تسجيله بهذا الخصوص هو التجاوب والمرونة التي تعامل به القضاء سواء منه المدني أو التجاري مع متطلبات هذه الحماية في العديد من النزاعات التي عرضت عليه، هذه المرونة برزت أساسا في التطبيق السليم لمقتضيات الاختصاص المحلي من قبل مجموعة من محاكم المملكة (على رأسها الدارالبيضاء و الرباطمراكشفاس ومكناس..) من خلال الحكم صراحة وتلقائيا بعدم الاختصاص المحلي كلما كان موطن المستهلك يخرج عن دائرة نفوذ المحكمة المعروض أمامها النزاع تطبيقا لمقتضيات قانون حماية المستهلك الذي يسند الاختصاص المحلي لمحكمة موطن أو إقامة المستهلك ويجعل هذا الاختصاص من النظام العام (المواد 111 و151 و202). أضف إلى ذلك أن القضاء المغربي (بمكناس والدارالبيضاءوفاس)، لم يقف عند هذا الحد وإنما ساهم في إعمال وتطبيق نظرية الإمهال القضائي وفق منظور جديد يراعي متطلبات الحماية التي تقتضيها وضعية الطرف الضعيف- المستهلك، وهو ما يستشف من عدم تردد رئيس المحكمة في منح مهل قضائية للمستهلك خاصة في حالة الفصل عن العمل أو الحالة الاجتماعية غير المتوقعة. إن مرونة القضاء سواء منه المدني أو التجاري تجلت كذلك في تحكم القاضي (مراكش وأكادير والدارالبيضاءوفاس..) من خلال السلطة التقديرية التي خولها له قانون حماية المستهلك في نسب الفوائد المتضمنة في العقود، بشكل يجعلها تتوافق مع مقتضيات قانون حماية المستهلك التي تتسم أغلبها بطابع النظام العام بغية تجنب المغالاة في الفوائد. التوجه نفسه سلكه القضاء مع بعض المكتسبات الأخرى من قبيل التوقف عن الدفع ومؤخرا الشروط التعسفية. لكن رغم ذلك، فإن القاضي المغربي مطالب باستجابة أكبر للأدوار الجديدة المنوطة به من خلال القوانين ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة ل(ق. 08-31) وذلك من خلال استحضار المصلحة المحمية في (ق. 08-)31 والتعامل بمرونة مع بعض القواعد العامة بشكل يسمح بإعادة التوازن للعلاقات التعاقدية، خاصة ما يتعلق بضرورة توسع القاضي في منح مهلة الميسرة كلما تطلب الأمر ذلك، ما دام يتمتع بسلطة تقديرية تسمح له بذلك، كما يتوجب عليه استحضار بعد النظام العام التي يميز أغلب قواعد ق. 08-31 (حوالي 105 مادة) أي ما يناهز 50% من مواد القانون، والتفاعل بإيجابية مع بعض الممارسات التعسفية التي تشهدها أغلب العقود المبرمة بين المستهلك والمورد. مع ضرورة التأكيد على أن القاضي مدعو إلى إعمال قاعدة التأويل الأكثر فائدة للمستهلك المنصوص عليها في المادة 9 من قانون حماية المستهلك والسلطات التقديرية المخولة له، وكذا تجسيد الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه في إعادة التوازن على العلاقات التعاقدية بما يسمح به القانون و تقتضيه النصوص التشريعية. 2- مستهلك غير واع بحقوقه لا شك بأن الملاحظة الأولية التي يمكن الوقوف عندها في هذا الخصوص، تتمثل أساس في استمرار غياب ثقافة حماية المستهلك في الوسط المغربي حتى بعد صدور قانون حماية المستهلك سنة 2011، ما يطرح التساؤل حول القيمة القانونية للمقتضيات التي جاء بها هذا القانون، إذا لم يتم استثمارها عمليا على مستوى النزاعات في سبيل توفير الحماية المتطلبة للمستهلكين بشكل يضفي الإنصاف على هذه العلاقات ؟ إن غياب ثقافة حماية المستهلك يظهر جليا في غياب المبادرة من قبل هذا الأخير (المستهلك) في حالة حصول نزاع بينه وبين المورد لحماية حقوقه. ثانيا: غياب صفة المنفعة عن جمعيات حماية المستهلك يقصيها من التقاضي لا شك بأن المتتبع للمراحل التي مر بها قانون حماية المستهلك والمخاض العسير الذي عرفه هذا الأخير، سواء في إعداده أو مناقشته، وذلك قبل صدوره بالجريدة الرسمية بتاريخ 07 أبريل 2011، يتأكد بأننا أمام قانون من نوع خاص تتقاطع فيه عدة مصالح متضاربة منها أساسا مصلحة الطرف الضعيف في العلاقات الاستهلاكية وهو المستهلك (المادة2 ق.ح.م.م.) ، ثم مصلحة الطرف القوي الذي يمثل ما اصطلح عليه من قبل المشرع المغربي بالمورد، وأخير مصلحة حماية الاقتصاد الوطني والرفع من مردوديته. المتتبع للقضايا المعروضة على كافة محاكم المملكة والتي تهتم بتسوية نزاعات الاستهلاك سيكتشف أن 90 في المائة من تلك القضايا مرفوعة من قبل المورد، وحتى في الحالة التي يكون فيها المستهلك متضررا، يتقاعس عن المبادرة لحماية حقوقه، وذلك في نظرنا راجع بالأساس إلى: – غياب الإعلام والتحسيس الكافي بهذا القانون، سواء من قبل الإعلام أو حتى جمعيات حماية المستهلك التي أناط بها القانون هذا الدور. – قلة الندوات والدراسات التي تعاطت مع المستجدات الحمائية التي جاء بها قانون حماية المستهلك المغربي. -عدم تعاطي المستهلك مع هذه المستجدات، حتى في ظل إحداث شباك المستهلك (11 شباك حاليا) في العديد من المدن المغربية كآلية لخدمة مصلحة المستهلك وتقديم الاستشارة له. لكن ورغم ذلك، فإن هذا لا يمنع من التأكيد على أن المستهلك هو الآخر يجب أن تكون له الجرأة من أجل تفعيل حقوقه، لأنه في ظل صدور قانون 08-31 تبقى المبادرة للمستهلك للمطالبة بحقوقه والدفاع عنها، خصوصا أن من بين أهداف هذا القانون الإصغاء للمستهلك. 3- مؤسسات تجارية (موردون) فوق القانون بعد صدور قانون تدابير حماية المستهلك توقع العديد من المتتبعين حدوث ثورة حمائية للمستهلك في ظل المستجدات القانونية التي جاء بها هذا القانون، غير أن المتابعة المستمرة لهذا القانون بعد صدوره ولحدود اللحظة، أثبت أن الطرف القوي أي المورد، ما زال يتعامل بمنطق القوة التي كان يتعامل بها قبل صدور القانون مع المستهلك وهو ما يستشف من خلال النقاط التالية: - بالاطلاع على مجموعة من العقود المبرمة بين المستهلك والمورد، يتضح أن أغلب هذه العقود لم يتم ملاءمتها مع المقتضيات التي جاء بها قانون حماية المستهلك، رغم أن أغلبها من النظام العام وتقتضي الملاءمة طبقا للمواد 198و 199 و 200 من (ق.ح.م.م)، واستمرار العمل بالعقود النموذجية والنمطية التي تضمن معاملة تفضيلية للمؤسسات التجارية، وهو ما يستشف من عقود التزويد بالماء والكهرباء وعقود الاشتراك في الهاتف وعقود القرض الاستهلاكي والعقاري الممنوحة للمستهلكين ومجموعة من عقود الخدمات، ولا شك بأن عدم الملائمة هذه شملت مجموعة من المقتضيات، أهمها استمرار اعتماد اللغة الفرنسية لغة أساسية في إبرام هذه العقود، بالرغم من أن قانون حماية المستهلك ينص في المادة 206 على وجوب اللغة العربية كلغة أصلية. –إن إلقاء نظرة على هذه العقود توضح بما لا يدع مجالا للشك، أنها تتضمن مجموعة من الشروط التعسفية التي تتنافى ومقتضيات المواد 15 إلى 20 من قانون حماية المستهلك التي تعد من النظام العام، أضف إلى ذلك أن المورد يتعمد في الغالب تحرير هذه العقود بطريقة غير مقروءة (حجم الكتاية صغير جدا) وتقنية لا تتيح للمستهلك البسيط قراءتها والتعرف على مضمونها، كما أن هذه المؤسسات غالبا ما لا تمنح للمستهلك فرصة التفكير والتروي وتلزمه بالتوقيع على العقد فورا استغلالا منها للحاجة الماسة، التي يكون فيها المستهلك للمنتوج أو الخدمة. - عدم تضمين كافة الشروط في العقود المبرمة مع المستهلكين والاكتفاء بالشروط العامة مع الإحالة على شروط أخرى لم يسبق للمستهلك أن تفاوض حولها. كل هذه النقاط تدفعنا لطرح التساؤل حول القيمة القانونية لهذه المكتسبات التشريعية، إذا كانت ستظل حبيسة الرفوف دون أية متابعة من قبل الجهات المعنية والوصية على كل قطاع على حدة؟ لذلك، تبقى الحاجة ملحة إلى متابعة تطبيق هذه النصوص والضرب بقوة على أيدي المستخفين بالنصوص القانونية الجاري بها العمل، إعمالا لمبدأ سمو النصوص القانونية والمساواة أمام القانون كمبدأين دستوريين وعالميين. 4- جمعيات حماية المستهلك مع وقف التنفيذ إبان صدور قانون حماية المستهلك، كان الجميع يتوق إلى دور فعال لجمعيات حماية المستهلك إن على مستوى التثقيف والتحسيس أو على مستوى الدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين، غير أن نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية، تبين معه أن عمل هذه الجمعيات بشكل فعال ومتطور بقي معلقا إلى أجل غير مسمى، نظرا لاعتبارات متعددة نذكر من بينها: - ربط عمل هذه الجمعيات بضرورة صدور مجموعة من النصوص التنظيمية سواء تلك المتعلقة بالنظام الأساسي النموذجي أو صفة المنفعة العامة، والتي عرفت تعثرا كبيرا إلى أن صدرت مؤخرا، مما ساهم في تضخم المنظومة القانونية المتعلقة بحماية المستهلك وعرقلة عمل هذه الجمعيات. - تقييد عمل هذه الجمعيات بالعديد من الشروط من قبيل حصرية الدفاع عن المستهلكين، وضرورة الخضوع لنظام أساسي نموذجي حدده المشرع المغربي مؤخرا بمرسوم، والحصول على صفة المنعة العامة، وأخيرا ضرورة الانضمام للجامعية الوطنية مما يشكل فرضا للوصاية على عمل هذه الجمعيات وتقييدا لعملها ومساسا باستقلاليتها. - عدم توفر أي جمعية لحماية المستهلك بالمغرب على صفة المنعة العامة في ضوء قانون حماية المستهلك، مما يجعل إمكانيتها في رفع دعاوى قضائية منعدمة، سواء منها دعوى إبطال الشروط التعسفية أو الدعوى المدنية المستقلة أو دعوى التمثيل المشترك أو حتى التدخل في الدعوى الفردية المرفوعة من المستهلكين. - وأخيرا غياب الدعم المالي الكافي لهذه الجمعيات من قبل الجهات المعنية والأدهى من ذلك، عدم تمتيعها بالمساعدة القضائية من قبل المشرع المغربي مما يشكل عرقلة لحقها في اللجوء للقضاء. كلها معيقات تحد من فعالية دور هذه الجمعيات، لذلك يبقى الأمل مع صدور النصوص التنظيمية، معلقا على إطلاع هذه الجمعيات بالأدوار المنوطة بها في سبيل تحقيق حماية فعالة للمستهلكين. 5- معيقات قانونية بالجملة إن القراءة العادلة لمقتضات قانون حماية المستهلك تقتضي أولا، التسليم بأن هذا الأخير جمع بين طياته مجموعة من المكتسبات القانونية الحمائية للمستهلكين، التي لا يمكن التغاضي عنها وينبغي الوقوف عندها بنوع من الاستحسان والإشادة غير أن الدراسة التي نحن بصددها تقتضي منا أساسا الوقوف عند حصيلة هذا القانون بعد ثلاث سنوات من الصدور والمعيقات القانونية التي ساهمت في عدم تحقيقه للنتائج المرجوة منه. هذه المعيقات تعددت و تنوعت بدءا من اعتماد المشرع المغربي بشكل مبالغ لمنطق الإحالة في قانون حماية المستهلك، هذه الإحالة أخذت عدة صور إما الإحالة على الشكل التنظيمي (المواد 3، 4، 12، 47………) (ما يناهز 22 إحالة)، أو الإحالة على مواد في القانون نفسه المواد 13، 14، 29……….، أو الإحالة على قوانين أخرى : إما صراحة (ق.ل.ع المواد 13 و 15 و 16 ق 53-05 المادة 26) و (ق03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري المادة 21 ظهير 1958)، أو ضمنيا: (ق.م.م) و (ق.إ.م.ت) و (ق.ل.ع). أضف إلى ذلك عدم وضوح الصياغة القانونية في العديد متن المقتضيات من قبيل الاختصاص النوعي في العقود المختلطة (الفقرة الأولى والخامسة من المادة 5 (ق.إ.م.ت)، و حضور الترجمة المعيبة في بعض الحالات ( المورد نموذجا……….)، وكذا غياب نضام قانوني للمساعدة القانونية للمستهلكين، وغيرها من المعيقات التي تشكل مساسا بالأمن القانوني للمستهلك وبالتالي إمكانية تحقيق تسوية منصفة للنزاعات الاستهلاكية.