عاد المغرب ليحتل مجددا مرتبة غير مشرفة في تقرير التنمية البشرية الأخير الذي تصدره هيئة الأممالمتحدة٬ ويقدم أرقاما مخيفة عن ارتفاع الفقر في دولة يتغنى مسؤولوها يوميا بكلمة التنمية والرخاء والنموذج المثالي. والمرتبة التي احتلها المغرب هي ٬126 متأخرا وبمراتب كبيرة عن جيرانه في شمال إفريقيا مثل الجزائر التي احتلت المرتبة 88 بينما تونس وليبيا تتقدم على المغرب بحوالي 30 نقطة في الترتيب العالمي٬ ولا يتفوق إقليميا سوى على دولة ضعيفة مثل موريتانيا٬ ويبقى الفارق بينه وبين جيرانه الشماليين مثل اسبانيا شاسعا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. معطيات تقرير الأممالمتحدة الذي تناولته عدد من وسائل الاعلام المغربية بالتحليل مثيرة ومخيفة٬ قرابة نصف الشعب المغربي لا يتوفر على مستوى لائق للعيش بل جزء منه يعيش الحرمان الحقيقي. وعند الحديث عن الحرمان٬ فهذا يحيل على تدهور قطاعات استراتيجية لتقدم الشعب مثل الصحة والتعليم. الدولة التي تتغنى بالتنمية يوميا تعترف بالتدهور الكامل لقطاع التعليم الذي لا يواكب طموحات البلاد٬ الجامعات المغربية غائبة عن تصنيف الجامعات الألف الأولى. الدولة التي تعتبر نفسها نموذجا٬ تراجعت مستشفياتها عما كانت عليه منذ عقدين٬ هي الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي ترفض مستشفياتها المرضى أحيانا وتلد بعض النساء عند أبواب بعض من هذه المستشفيات. الدولة التي تتحدث يوميا عن الرخاء هي التي تغذي تدريجيا الطبقات المسحوقة بمزيد من الأفراد بسبب تدهور الطبقة المتوسطة لارتفاع مصاريف الحياة اليومية مثل الكهرباء والماء والصحة٬ لأن رقم 44 %من المغاربة المحرومين من العيش الكريم هو رقم يوجد فقط في دول إفريقية فقيرة للغاية. وإذا كان المغرب يشهد تنمية حقيقية٬ لماذا ترتفع الأسعار بشكل صاروخي؟ لماذا يوجد قرابة نصف الشعب في الحرمان؟ لماذا ارتفعت المديونية الى 80 من الناتج الإجمالي الخام؟ لماذا تخضع الدولة لتقارير صندوق النقد الدولي؟ لماذا يهاجر الشباب المغربي بشكل مرتفع نحو أوروبالا مغامرين بحياتهم؟ لماذا لا يغادر المراكز ما بين 120 و130 في التنمية البشرية طيلة العقدين الأخيرين تقريبا؟ التساؤلات تتعدد ولكن لا جواب واقعي. الدولة المغربية تختلط عليها الأمور٬ تعتقد أن التقدم هو إحياء مئات المهرجانات وهو القطار السريع وليس الاستثمار في الإنسان تعليميا وصحيا. ويوجد أمام الدولة أمثلة لدول أعطت الأسبقية للإنسان مثل اسبانيا وكوريا الجنوبية والتايوان قبل المظاهر. لقد اعتادت الدولة المغربية التشكيك في التقارير الدولية وتستعين في المقابل بتقارير جمعيات مجهولة أو مقالات لوسائل إعلام هامشية. ولكن بين الحين والآخر يحضر الوعي بالواقع المر٬ وهكذا نجد في بعض الحالات يعترف مسؤولو الدولة وعلى أعلى مستوى يتساؤلون: أين هي الثروة؟ وهو سؤال يحيل على اللامساواة ويحيل على الفساد المتسبب في اللامساواة بين المغاربة مثل فضيحة "خدام الدولة" والزبونية بدل الكفاءات. وهذا الوعي يؤدي أحيانا بالمسؤولين الى التساؤل عن الوضع المأساوي في المجال القروي رغم الحديث عن التنمية. وإذا كانت الدولة اعتادت التشكيك في التقارير الدولية٬ فإنها تقف مثل التلميذ المطيع أمام تقرير صندوق النقد الدولي الذي يفرض على المغرب الكثير من التوصيات الى مستوى ربط اقتصاده بالتقشف حتى سنة ٬2021 متخليا عن جزء من سيادته في هذا الشأن. استمرار المغرب في المركز 126 في التنمية البشرية عالميا٬ مسؤولية الجميع٬ مسؤولية الدولة باستمرارها في نهج سياسة أبانت عن فشلها٬ ومسؤولية القوى السياسية بصمتها أو تزكيتها للوضع٬ ومسؤولية الاعلام الذي يركز على مواضيع هامشية٬ لكن يبقى الجوهري أن المغرب يوجد في المركز ٬126 وهي مرتبة غير مشرفة. الف بوسط