عندما تفرغ من قراءة بعض الجرائد تحس كأنك خرجت للتو من الكوميسارية, وتتساءل إن كنت تطالع مقالات صحافية أم محاضر شرطة: إفادات المدعي والمدعى عليه وأقوال الشهود وصك الاتهام ومساطر الاستنطاق… لا ينقص إلا "الكاشي" و"السينياتور" ثم يرسل "البيڤي" إلى المحكمة! أقصى ما يخسره الصحافي "المطلع" على قارئه "الغيور" عبارات من قبيل "وقالت مصادرنا" "ووفقا لذات المصادر" "وأضافت المصادر نفسها" "وأفاد مصدر مأذون"… ثم يضع اسمه في الأسفل, وصورته أحيانا وهو يبتسم كي يكتمل "السبق الصحفي". بعض المرات, يضيف إلى التوقيع لقب الدكتور, كأننا في مستشفى ابن رشد. وأينما وجدت الدكاترة بكثرة إعرف أن الصحيفة مريضة. بعض الصحف لا تكتفي بالمحاضر, بل تنشر اخبار البوليس كما تنشر اخبار نجوم هوليود. صحيح أن رجال الأمن يتصدرون واجهة الأحداث من حين لآخر, كما هو الشأن مع الإعفاءات المباغتة التي تطال عددا من المسؤولين الأمنيين أو تورط بعضهم في شبكات للتهريب أو إقدام آخرين على الانتحار بمسدس الخدمة, لكن ذلك لا يبرر أن ترث الجرائد الخط التحريري ل"مجلة الشرطة" التي أطلقها "زميلنا" السابق حميدو لعنيكري. أن يصنع البوليس الحدث شيء وأن تتخصص الجريدة في نشر أخبارهم التافهة على صفحتها الأولى شيء آخر. ومن الطبيعي أن تكون لدى الصحافي مصادر في مختلف الأجهزة الأمينة, ما ليس طبيعيا هو أن تتحول الصحيفة إلى نشرة داخلية للبوليس, لا تنشر إلا أخبار الكوميساريات: هادا وقفوه, هادا نقلوه, هادا عطاوه التقاعد, هادا مراتو فالسبيطار, هادا ولدو نجح فالباك.. اللي نجح بالزعط واللي مريض الله يشافيه, حنا مالنا؟ ألا يحدث شيء في المغرب خارج ولايات الأمن؟ بلى هناك شريحة أخرى تزاحم البوليس على الصفحات الأولى من الجرائد: "الفقها"… لا يمكن أن تفتح يومية مغربية دون أن تجد فضيحة بطلها فقيه. وأشهر الفقهاء الذين يتصدرون عناوين الأخبار هم أصحاب الفتاوى الطريفة طبعا, رغم ان الراحل عبد الباري الزمزمي خلف فراغا لا يعوض. لكن هناك نوعا آخر من الفقهاء يدقون الأوتاد في الجرائد, أعتقد أن الصحافيين يظلمونهم حين يحشرونهم في صفحات الجرائم بدل الصفحات الثقافية, لأنهم "كتاب"… يكتبون في جنس أدبي اسمه "الحروزا". هؤلاء ينصبون عادة على النساء, إما يهتكون أعراضهن أو يلهفون نقودهن أو الاثنين معا, ومؤخراً باتت النساء ينافسن الرجال في هذا المجال, المشكلة ان المجتمع ذكوري يتسامح مع "بوركابي" عندما يتعاطى للشعوذة ويسميه "فقيه", لكن عندما تمارس المرأة نفس المهنة يسميها "سحارة" أو "شوافة" وتهجم الحشود الغاضبة على بيتها, كما جرى في سلا, حيث رأت "الشوافة" كل شيء الا الهجوم الذي خرب "مقر عملها". وثمة الفقيه الذي يحرض المصلين في المساجد على الحقد والعنصرية, هؤلاء صارت أخبارهم قليلة لحسن الحظ, بعد التدابير المتشددة التي اتخذتها وزارة التوقيف عفوا التوفيق في مختلف مساجد المملكة, وإقدامها على طرد كل امام "يخرج عن النص" أثناء خطبة الجمعة, ناهيك عن سياسة التدبير الديني التي تشجع الوسطية والاعتدال. وقبل ان نختم, لا ينبغي أن ننسى الفقيه الذي يلقى عليه القبض متلبسا في علاقة غير شرعية مع امرأة, هو نفسه الذي أخطأ باب المسجد في أحد الصباحات ودق على منزل مشبوه, وعندما أجابه صوت نسوي مستنكرا: "راك غالط آلفقيه, ماشي الجامع هادا راه دار النشاط" رد عليها "محنحنا":" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم… وبشحال؟". وهناك الفقيه "الكلاسيكي" طبعا, الذي يملك ركنا ثابتا في الجريدة, يعتدي فيه على الأطفال الصغار كل يوم… كل هؤلاء الفقهاء ينتهون بين أيدي البوليس, ويصنعون فرحة الجرائد, لأن الخبر يصير خبران, "وما حدها تقاقي وهي تزيد فالبيض".