تعتبر الثروة البشرية ،في كل مجتمع إنساني، من أهم مستلزمات الاعمار الاقتصادي والاجتماعي .وتطوير الطاقات البشرية يبقى أمرا لا مندوحة عنه وذلك من أجل استثمار كل الكفايات المتعددة والمختلفة الكامنة فيه،وبالتالي تحقيق قدر ممكن من الإنتاج. ويعتبر قطاع التربية والتعليم من أهم المجالات المدعوة إلى الانخراط في هذا التقدم، باعتباره القاعدة الأساس للدفع بعجلة تنمية البلاد وجعلها ضمن مصاف الدول المتقدمة. وأن نرقى بتعليمنا الى هذا المستوى، فمعناه أن نهتم بعنصره البشري، وعلى رأس هرمه المدرس الذي يعتبر من أهم العناصرالفاعلة والمؤثرة في بنية النظام التعليمي ،حيث أصبح يتبوأ مركزا رئيسا في العملية التربوية،ذلك أنه إلى جانب الاهتمام به اجتماعيا وبتحسين وضعه المادي، وكذا توفير المناخ التربوي المساعد على تحقيق غايات النظام التعليمي ببلادنا، لابد من تأهيله تربويا أثناء الخدمة، أي الرفع من قدراته المهنية وكفاياته التعليمية المساهمة في زيادة نموه الوظيفي لمسايرة التطور الحاصل في التدفق المعرفي. فقد أكدت الباحثة الأمريكية كريستيسن في كتابها "التنمية المهنية" (على ضرورة مساعدة المدرسين وتأهيلهم حتى تستطيع المؤسسة التعليمية الاستجابة لمتطلبات التغيير السريع الذي يحدث للمجتمع في كافة جوانب الحياة) ،وقد أكد هذا الطرح كثير من الباحثين الذي يلحون على إعداد برامج تكوينية فعالة من شأنها تأهيل المدرسين تربويا أثناء الخدمة،لأن هذه البرامج تعتبر من الوسائل التي تثري نمو المدرس المهني والمعرفي. فعلا فقد أولت الوزارة الوصية هذا النوع من التأهيل اهتماما كبيرا في خططها الحالية والمستقبلية بصرفها ميزانية مهمة بإجراء تكوينات في بعض المستجدات التربوية من قبيل بيداغوجيا الإدماج وديداكتيك المواد،والتدبير الإداري... ولكن مع الأسف الشديد دون جدوى، حيث إن استطلاع رأي المستهدفين بهذه التكوينات وعلى رأسهم العاملين بالأقسام،قد أبان عن هشاشة هذه التكوينات التي لم تف بالغرض المنشود منها،حيث انها لم تساهم في تحسين نموهم المهني ولاالمعرفي،بل خلقت لديهم أزمة تدريس مع المتعلمين داخل القسم،سيما وأنها لا تتماشى والبرامج والمناهج التربوية المفروض العمل بها. ترى ما هي الأسباب الثاوية وراء هذه الأزمة؟ لا أحد من المهتمين بهذا القطاع يجادل في أن سبب هذه الأزمة وعدم تحقيق الأهداف المنشودة من البرامج التكوينية المنزلة والمعروضة، مرده عدم الاهتمام بحاجات المدرسين واحترامها،ذلك أن الحاجة في إشراك المدرسين باتت مسألة ضرورية وملحة، في إعداد وبناء برنامج تأهيلهم التربوي(التكوين) بدءا بتحديد الأهداف وانتهاء بعمليات التقويم بما يسهم في معرفة الحاجات والمهارات التي لها أثر كبير في توسيع مداركهم،وإثراء خبراتهم،وتحسين أدائهم ورفع مستوى مهاراتهم التدريسية داخل الفصول الدراسية.فقد أكدت كثير من الدراسات العلمية والتربوية أن عملية التأهيل التربوي(التكوين) أثناء الخدمة للمدرسين تعتبر تعليما مستمرا يستوجب، أثناء التخطيط لها، الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الأساسية للمدرسين، وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في التخطيط لهذه البرامج بتحديد الأهداف واختيار المحتوى المناسب والأساليب والأنشطة والوسائل التعليمية وكذا اختيار طرق التقويم الذاتية والجماعية، لما في ذلك من فائدة كبيرة تسهم في زيادة دافعية التعلم لهذا النوع من البرامج التكوينية، وبالتالي تسهم في تحسين نتاجات التعليم بشكل عام. بيد أن هذه البرامج التكوينية،وحتى تحقق الأهداف المنشودة منها،لابد وأن تأخذ بعين الاعتبار المبادئ التالية: – ضرورة إجراء دراسات مسحية لمعرفة مستوى كل مدرس. – وضع برنامج التكوين المستمر (أثناء الخدمة) على أساس حاجات المدرسين التي ينبغي رصدها من خلال المقابلات والاستبيانات. – أن يشمل برنامج التكوين/التأهيل التربوي أنماطا كثيرة من الفرص التي تحقق نمو الخبرة المهنية لدى المدرس. – إعداد وتنفيذ هذه البرامج التكوينية التاهيلية بصورة تعاونية مع الاستمرار في هذه العملية بتشكيل فريق متخصص ودائم في رصد المهارات والكفايات التي يحتاجها المشاركون والمشاركات المستهدفون من البرامج التكوينية/التأهيلية أثناء الخدمة كما يرونها بأنفسهم محمد فحراوي، مفتش تربوي