إدريس البوخاري استرعى انتباهي كسائر المثقفين والعلماء والباحثين الكتاب الجديد الذي ألفته الدكتورة الجليلة كريمة بوعمري حفظها الله تعالى. وهذا الكتاب يضم بين دفتيه 216 صفحة ويتناول موضوع القراءات ونشأتها وخصوصاً في المغرب الأقصى منذ الفتح الإسلامي لهذه الربوع الافريقية. عالجت العالمة الفاضلة كل المصطلحات المتعلقة بعلم القراءات القرآنية بالتعريف ميسرة على الطلبة والباحثين والعلماء المتخصصين معاني القراءة والإقراء والمقرئ والقارئ فضلا عن الرواية والطريق والوجه والحرف والاختيار والانفراد وكذا التعريف بالقراء السبعة ورواتهم نافع المدني وعبد الله بن كثير وأبو عمرو البصري وعبد الله ابن عامر الشامي وعاصم الكوفي وحمزة الكوفي والكسائي الكوفي ثم التعريف بالقراء المكيين على وجه التخصيص. بهذا المجهود العلمي المتميز فتحت ا لاستاذة كريمة باباً واسعاً لدراسة أصول قراءة عبد الله بن كثير: كالاستعاذة والبسملة والإدغام وميم الجمع وهاء الكناية والمد والقصر والهمز المفرد والهمزتان من كلمة والهمزتان من كلمتين والفتح والإمالة وياءات الإضافة والياءات الزوائد والوقف على مرسوم الخط والتكبير وفرش للحروف مستنبطة كل هذا من كتاب الله تعالى حيث وضعت جدولا يتضمن سور القرآن حسب الترتيب التعبدي للمصحف فوضعت اسم السورة في الأعلى وأدرجت تحتها رقم الآية ثم كتبت في خانة الحرف برواية ورش وفي الخانة الأخرى كتبت الحرف الذي خالف فيه ورش قراءة ابن كثير ولو برواية. وقد نوّه بهذا العمل فضيلة الدكتور التهامي الراجي الهاشمي حيث قال: «كنت دائما أتمنى أن أرى أحد الباحثين في علم القراءات يقارن بعلم وعلى أساس علم بين الروايات القرآنية المتواترة التي وصلتنا من قراء المدينة وبين الروايات المتواترة التي وصلتنا نحن هنا في المغرب بالسند الصحيح عن سيدنا محمد عليه السلام من قراء مكةالمكرمة إلى أن وفق الله تعالى بفضله وكرمه الدكتورة الباحثة كريمة بوعمري فصنفت في الموضوع فحمدت الله وشكرته. ومعلوم أن روايات قراء المدينةالمنورة التي بدأ يقرأ بها أجدادنا رضوان الله عليهم ابتداء من مطلع القرن الثاني الهجري هي روايتا قالون وورش بطرقهما الأربعة المعروفة عند حفاظ كتاب الله العزيز المجودين لتلاوته المتقنين لرسمه. وبدأت رواية ورش تحتل مكان الصدارة في المغرب في العقد الثالث من القرن الثالث الهجري ومن يومها والمغاربة لايقرأون في المحضر وفي حزبي المغرب والصبح وفي كل مكان ومناسبة إلا برواية ورش عن نافع. وحرصت الدكتورة الفاضلة على تأليف هذا الكتاب نزولا عند رغبة بعض المتخصصين المغاربة والمهتمين بالقراءات لتبين بإمعان ورشاد ما خالف فيه ورش ابن كثير، وحتى يتسنى للمتقنين لرواية ورش عن نافع أن يضيفوا إليها قراءة ابن كثير، فيجمعوا بذلك بين قارئي الحرمين الشريفين الحرم المكي والحرم المدني. ورغم أن عملها فيما سيبدو للمتصفح المستعجل لكتابها يدور حول ابن كثير المكي وروايته (البزي وقنبل) فإنها أبت إلا أن تتوجه بمقارنة في غاية الإتقان تدور حول ما خالف فيه ابن كثير المكي ورشا المدني. فتألقت بعملها هذا مع القراء المغاربة المجتهدين العاملين المحبين لساداتنا الكرام قراء الحرمين الشريفين رضوان الله عليهم.