يحتل موضوع الحقوق الاساسية والحريات مكانة بارزة في الخطاطة العامة للبرنامج الانتخابي لحزب الاستقلال برسم لانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر 2016، وهذا لا يعني أن حزب الاستقلال لم يكن يهتم بهذا الجانب الذي يعكس مدى التطور الذي تشهده التجربة الديمقراطية في بلادنا، بل إن سؤال حقوق الإنسان ظل حاضرا في المشروع المجتمعي الذي يتبناه هذا الحزب، بالرغم من التحولات التي عرفها المغرب . ويعتبر البرنامج الانتخابي الحالي استمرارا كميا وتطورا نوعيا في التعاطي مع هذا الموضوع، ويركز في ذلك على مجموعة من المداخل التي تسعى إلى ضمان الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وتوفير الحريات العامة وكفالة ممارستها، باعتبارها مداخل أساسية لممارسة الديمقراطية الحق وتحقيق الترابط الاجتماعي بين كل المواطنين. ويرى حزب الاستقلال أن هذا التوجه يتجسد في تعزيز قيم المواطنة عبر إحياء وتعميم دروس التربية على المواطنة، وتحيين مضمونها بمحاور جديدة تتضمن التعاليم السمحة للدين الإسلامي وقيم الديمقراطية والحوار والانفتاح وحقوق الإنسان وترسيخ التنوع الثقافي، وإصلاح المنظومة الجنائية وملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية واستكمال جبر الضرر الفردي والجماعي والإدماج الاجتماعي والتأهيل الصحي لضحايا الانتهاكات وذويهم . والواقع أن موضوع حقوق وحريات الإنسان بالنسبة لحزب الاستقلال، ليس أمرا جديدا، بل ظل حاضرا طيلة مسيرته، وهو ما يتأكد من خلال أدبياته ووثائق مؤتمرات،وبرامجه خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وتفاعله مع مكونات المشهد السياسي، وبعض الأحداث المفصلية في تاريخ المغرب، كما هو الشأن بالنسيبة للإصلاح الدستوري لسنة 2011 . فمن خلال تفحص وثائق مؤتمراته، يلاحظ اهتمام حزب الاستقلال بقضايا حقوق الإنسان، حيث سجل البيان العام الختامي للمؤتمر السادس عشر، التطورات المهمة التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان، خاصة منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وصولا إلى دستور 2011 الذي خص حقوق الإنسان بالعديد من الفصول، بل بابا بكامله هو الباب الثاني، وعبر عن اعتزازه بمساهمات مناضلاته ومناضليه في هذا التطور عبر هيآت الحز وجمعياته أو عبر جمعيات المجتمع المدني، ومنها العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي تعتبر أول جمعية حقوقية في العالم العربي، كما ثمن المجهود الذي بذلته الدولة في هذا الخصوص، والذي يجب أن يتواصل، خاصة فيما يتعلق بتصفية ملفات الاعتقال السياسي، وإرساء وتفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب في الجرائم المرتبطة بحقوق الإنسان، وتطالب بالتمكين الفعلي للمواطنات والمواطنين، وعلى قدم المساواة، من الممارسة الكاملة لكافة حرياتهم الفردية والجماعية، ولكافة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.ولم يغفل البيان العام حقوق النساء ،حيث دعا إلى أجرأة مبدأ المناصفة والنهوض بأوضاع المرأة . وبمناسبة الانتخابات التشريعية ليوم 27 شتنبر 2002، تقدم حزب الاستقلال ببرنامج انتخابي توزع على ثمانية محاور، ركز فيها على مجموعة من الحقوق كالحق في الشغل، حيث اعتبر أن إحداث شغل مكثف للشباب بمختلف مستوياته وسيلة لا محيد عنها من أجل حفظ كرامتهم وفتح أبواب الأمل أمام تطلعاتهم . كما أكد الحزب على إعطاء المرأة المكانة اللائقة بها في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد،بتمكين النساء فعليا من ولوج مواقع القرار وممارسة حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية ،مع الإسراع بإصلاح مدونة الأحوال الشخصية في اتجاه يضمن حقوقهن وكرامتهن ،تماشيا مع روح التشريع الإسلامي المبني على المساواة والإنصاف، وفي السياق ذاته ربط برنامج الحزب،ضمان حقوق وحرية المواطنين وكسب ثقة المتقاضين بإصلاح القضاء . وبمناسبة الانتخابات التشريعية ليوم الجمعة 7 شتنبر2007،تقدم حزب الاستقلال ببرنامج انتخابي توزع على عشرة محاور، كان البعد الحقوقي حاضرا فيها بشكل أو آخر، وتم التأكيد في المحور العاشر على ضرورة المحافظة على المكتسبات المحققة في مجال حقوق الإنسان وتطويرها وتفعيل جميع المؤسسات الرائدة في هذا المجال، في إطار مسار الإنصاف والمصالحة.. وخصص هذا البرنامج المحور الأول للتدابير القادرة على ضمان حق الشغل والمحور الثاني لتقوية التماسك الاجتماعي وإدماج الأشخاص المعاقين وحماية الأشخاص المسنين، والمحور الثالث لتقوية الاندماج الاجتماعي عبر النهوض بالأسرة وتأهيل المرأة والشباب والعناية بالمغاربة المقيمين بالخارج، والمحور السادس تأمين الخدمات الاجتماعية والحق في السكن، والمحور السابع شروط توفير الحق في الصحة، والمحور الثامن الحق في التعليم والتكوين .. ويرى حزب الاستقلال أن تنفيذ الاختيارات والأهداف المسطرة في هذا البرنامج، لا يمكن أن تتم في غياب حكامة رشيدة، سواء بالنسبة للمؤسسات على خلاف أنواعها، أوبالنسبة لأدوات التنفيذ وأنماط تدبيرها، ويتعلق الأمر بإصلاحات جوهرية تهدف إلى تقوية فصل السلط، ورفع مستوى أداء المؤسسات وأجهزة التنفيذ، وتحسين مناهج العمل وتخليق الحياة العامة، واجتثاث جذور الرشوة والفساد من دواليب الدولة.ويحتاج تنفيذ هذه الإصلاحات،حسب طبيعتها، إما إلى تعديل دستوري أو مراجعة التشريعات والتنظيمات القائمة، أو تفعيل ما لم يفعل منها لحد الآن .. وبمناسبة الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 ،تضمن البرنامج الانتخابي حزب الاستقلال عدة مقترحات في المجال الحقوقي والإصلاحات المرتبطة في إطار تنزيل الوثيقة الدستورية، كما أكد الحزب أهمية إصلاح القضاء وعلاقته بالتنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وذلك على أن يواكب النظام القضائي حاجيات التنمية الاقتصادية، وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار . ويؤكد هذا البرنامج على أن المواطن في حاجة إلى الحفاظ على كرامته الإنسانية، من خلال تجنيبه حالات الظلم في حياته اليومية، والالتزام بتبسيط علاقته بالإدارة، وتسهيل الإجراءات الإدارية إلى أقصى حد ممكن، وحذف عدد كبير من الوثائق الإدارية المطلوبة. وفي مجال الشغل التأكيد على أهمية تنظيم برنامج تكوين تكميلي لفائدة الخريجين الشباب دوي الشهادات التي تتلاءم وحاجيات سوق الشغل الراهنة ودلك بمساعدة المقاولات التي ستوقع مع المستفيدين . وفي الميدان الصحي،نص البرنامج على توفير الاستشفاء المجاني ليس فقط للأجراء ولكن للجميع،عبر تعميم نظام التغطية الصحية المطبقة في جهة تادلة النموذجية على سائر التراب الوطني، من أجل تغطية جميع المعوزين ،مع السعي إلى توسيع التامين الصحي الإجباري، ليشمل أصحاب المهن الحرة والمستقلين، والوصول إلى توفير الاستشفاء للجميع . وتجدر الإشارة إلى أن أحزاب الكتلة الديمقراطية التي كانت تضم حزب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية، أعدت خلال سنة 2006 مذكرة مشتركة حول الإصلاحات الدستورية، وكان من المفترض أن ترفع جلالة الملك يوم 16 فبراير 2007،ولكن ذلك لم يحصل، ومن أهم المحاور التي تضمنتها هذه المذكرة الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي جاءت في المحور الأول الذي يهم المبادئ الأساسية في الدستور وتصديره، حيث أبرزت المذكرة أنه انطلاقا من تنصيص الدستور في تصديره على أن المملكة المغربية دولة إسلامية، واعتبارا لما يقتضيه وجوب صيانة المقومات الحضارية للشعب المغربي الطموح لبناء مجتمع عصري تحت قيادتكم الرشيدة على أساس الانسجام بين قوانينه المختلفة ومرجعية الدولة التي تعتمد الإسلام دينا لها، فإن التنصيص دستوريا على أن قوانين البلاد لا تتعارض مع تعاليم الإسلام سيؤدي إلى تحصين ومناعة مجتمعنا في أفق انفتاحه على القيم الإنسانية الكونية السامية. كما أنه في نطاق التأكيد على المملكة المغربية دولة إسلامية لغتها الرسمية هي العربية، وباعتبار المكونات الحضارية للمغرب فإن الإشارة دستوريا إلى مكانة الأمازيغية ثقافة وتعبيرا ولغة لمن شأنها إثراء إنسية الكيان المغربي الموحد. وأكدت المذكرة أن تحقيق الهدف من الطي النهائي لانتهاكات حقوق الإنسان في واقعنا السياسي، وضمان عدم تكرار التجاوزات التي شابت احترامها في بلادنا رهين بتأكيد قيمتها الدستورية وبدعم مضامينها المعيارية لتصبح راسخة وملزمة للجميع بمقتضى الدستور. كما أنه بالنسبة لتوسيع مجال حقوق الإنسان الوارد تعدادها في الباب الأول من الدستور يستوجب إضافة مبادئ أخرى تؤكد بالأساس على ما يلي: المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. حق المواطنين على السواء في الحياة والكرامة والحرمة الشخصية والعائلية. حق المجتمع في النماء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. الحق في التعليم كشأن التربية للمواطنين على السواء. الحق في التمتع ببيئة صحية وسليمة. تكريس مبدأ سمو الاتفاقات الدولية في مجال حقوق الإنسان على القانون الداخلي. إضفاء القيمة الدستورية على حرية ونزاهة الاستشارات الانتخابية لأنها تعبير عن إرادة الأمة التي لا يمكن انتهاكها. كما نقترح تدوين حريات مضافة في الدستور وبالخصوص: حرية الاتصالات احترام الحياة الخاصة. الحق في الولوج إلى الإعلام السمعي البصري بمقتضى القانون. حق كل متهم في المحاكمة العادلة. النص على دستورية قرينة البراءة هي الأصل. ضمان حقوق الدفاع على أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون. التجريم بمقتضى النص الدستوري لجرائم الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة اللا إنسانية أو المخلة بالكرامة، وكل دعوة أو تحريض على العنصرية والكراهية والعنف. وشكلت المشاورات بخصوص الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 ،حدثا برازا تنافست فيه الأحزاب المغربية على تقديم وجهات نظرها حول مختلف القضايا التي من المفروض أن يركز عليها النص الدستوري، وفي مقدمتها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، وحسب المذكرة التي أرسلها الأمين العام للحزب عباس الفاسي آنذاك إلى الأستاذ عبداللطيف المنوني، فان الإصلاحات التي اقترحها حزب الاستقلال أتت في سياق المرحلة الإصلاحية التي وصفها الحزب بالحاسمة والشاملة. وبعد تثمينه للخطاب الملكي لتاسع مارس 2011، باعتباره توجيها محكما للإصلاح، تقدم الحزب العديد من الاقتراحات، وجاءت على شكل تسعة مداخل،من بينها المدخل الأول الذي يهم "تصدير الدستور والمبادئ الأساسية"، والمدخل الثاني المتعلق ب " حقوق الإنسان وترسيخ دولة الحق والمؤسسات "، وكان رأي الحزب في المدخل الأول أن ينص تصدير الدستور على مبادئ مهمة وأساسية،يجب تأكيدها والإبقاء عليها كمكاسب دستورية تاريخية، وتضمينه مبادئ جديدة تقتضيها صيانة هوية الشعب المغربي ومقوماته الحضارية على أساس الانسجام بين قوانينه المختلفة ومرجعية الدولة التي تعتمد الإسلام دينا،حيث يرى حزب الاستقلال أن التنصيص في هذا التصدير على أن قوانين البلاد يجب ألا تتعارض مع تعاليم الإسلام وأن الشريعة الإسلامية مصدر أساس من مصادر التشريع للقانون المغربي،سيؤدي إلى تحصين ومناعة المجتمع المغربي، في أفق انفتاحه على القيم الإنسانية الكونية.وشدد الحزب على ضرورة التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية ثقافة وتعبيرا ولغة لجميع المغاربة شأنها شان اللغة العربية، وألح حزب الاستقلال في مذكرته،على مستوى تبويب الدستور، على خلق باب خاص بكل ما يتعلق بحقوق الإنسان .. وأبرزت مذكرة حزب الاستقلال في هذا الباب، أن دستور 1996 نص على عدد من الحقوق والحريات الأساسية، يجب تأكيدها والإبقاء عليها كمكاسب دستورية تاريخية، مع اقتراح توسيعها لتشمل حقوق الإنسان بكل أبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية، وإقرار ضمانات احترامها على أرض الواقع، ويقتضي ذلك أولا: دعم الالتزام الدستوري باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا،بالتنصيص على سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية ما لم تتعارض مع الثوابت الدستورية،ثم ثانيا: تعزيز المكتسبات الدستورية التي راكمها المغرب في مجال الحقوق والحريات،والعمل على دسترة المبادئ التالية : الحق في الحياة والسلامة الشخصية وحماية الكرامة الانسانية. المساواة بين الرجل والمراة في التمتع بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية . الحقوق الاقتصادية للمواطن بما فيها حق الملكية وحرية وحماية المبادرة الفردية واحترام الملكية الفكرية وضمان المنافسة الشريفة ،وتخليق الحياة الاقتصادية. حق المجتمع في النماء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. الحق في التمتع ببيئة صحية وسليمة. الحق في مغادرة التراب الوطني والعودة اليه بحرية. الحق في الإعلام بالتماس الأنباء والمعلومات والأفكار،وتلقيها ونقلها إلى الآخرين. حرية التظاهر السلمي والتجمع . حق كل متهم في المحاكمة العادلة. النص الدستوري على قرينة البراءة هي الأصل . ضمان حقوق الدفاع والنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني .. النص في الدستور على تجريم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المخلة بالكرامة ،وكل دعوة أو تحريض على العنصرية و الكراهية والعنف. الحق في السكن اللائق،وفي العلاج والحماية الاجتماعية. حق الأسرة والأمومة والطفولة والأشخاص في حالة العجز والشيخوخة و ذوي الاحتياجات الخاصة في الرعاية. تعميق مقتضيات الدستور بتوضيح المعنى الدستوري لانتهاك سرية المراسلات وتعميمها على الجميع بالنسبة للممارسات والإرساليات البريدية والاتصالات الهاتفية والإلكترونية .. ويلاحظ أن حزب الاستقلال يعتمد على مرجعيتين متكاملتين بخصوص موضوع حقوق الإنسان، حيث يحاول التوفيق بين المرجعة الإسلامية بالنسبة لتكريس حقوق الإنسان ،وبين المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، إذ يشير إلى ضرورة التنصيص على سمو المعاهدات والمواثيق الدولية على القوانين الوطنية، ولكنه اشترط عدم تعارضها مع الثوابت الدستورية.