جاء في عمود الكاتب الصحفي المحجوب ادريوش في العلم التربوي ليوم الأربعاء 14 شتنبر 2016 ضمن حديث الأربعاء تحت عنوان: " رواد الفايسبوك يتحركون لإنقاذ المدرسة العمومية " قوله: ( كل هذا يعني أننا ما زلنا في ظل الأزمة ولازلنا نحاول تدبير الأزمة، أين يكمن الخلل؟ هل الخلل في المسؤولين وتخطيطهم؟ أم في الفاعلين الميدانيين؟ هل الخلل في المضامين والمقررات والبرامج؟ هل الخلل في الفئات التي يستهدفها منتوجنا التربوي؟ ... نعتقد ودون تهرب من المسؤولية أن الخلل موزع على الجميع، والخسارة يتقاسمها الجميع. فرغم كون النجاح هو شأن خاص فالخسارة مسؤولية جماعية، لكن الآن الآية مقلوبة: الكل يصيح أن الخسارة فردية ، ويرمي الكرة في ملعب الآخر، وهذا هو الخطير. في ميدان كميدان التربية والتعليم الخسارة جماعية ويتحمل الكل جزءا ونصيبا منها، شريطة أن يتوضح لكل طرف نصيبه من المسؤولية وربط ذلك بالمحاسبة. المدرسة شأن عمومي يهم الجميع، والكل يجب أن يكون منشغلا ومنهجسا بإعادة إنتاج وبلورة تصور جديد وبناء جديد للمدرسة العمومية. الغريب في الأمر أننا نعيش اليوم مسألة خطيرة بعد ظهور أصوات تنعي وترثي المدرسة العمومية، بل تدفع إلى استخراج شهادة وفاتها، وهو أمر يجب تجنبه بالعمل على الثقة بين الفاعل التربوي والسلطات الوصية، وبين المدرسة المغربية ومحيطها ). وهو قول فيه تساؤلات عميقة جديرة بالمقاربة والتحليل، وتحمل حقائق واقعية ستجليها ورقتي هذه بأمثلة واضحة وجلية لعلها ترفع الصوت مع الفايسبوكيين لإنقاذ المدرسة العمومية من نهايتها المحتومة إن ظل حالها على ما هو عليه، وإن ظل الإصلاح عرقوبيا لا يبرح منطلقه. فسؤال مكمن الخلل، سؤال الباحث المتمرس الذي يمسك بظاهرته العلمية لتشريحها بمشرط البحث والنقد، لكي يعرف مواطن الخلل ليعالجها. ولعل المدرسة المغربية أشبعت قولا تحليليا نظريا وعمليا " في حدود معينة "، وفي مختلف المستويات. ونظمت مؤتمرات وندوات وملتقيات رسمية وعلمية ومدنية في شأنها. لكن حقيقة مواطن الخلل المؤثرة في ناتج التعلم، الممسكة بواقع المدرسة العمومية لم تضبط بعد ضبطا علميا، والتي يمكن التعاطي معها كعوامل مستقلة، وممكن معالجتها علميا وعمليا وإجرائيا. لذا؛ لابد من إعادة الدعوة إلى وجوب الوقوف على مواطن الخلل الحقيقية المؤثرة في واقع المدرسة العمومية المغربية، وإن استدعى ذلك أسلوب الاستكشاف، وتوظيف دراسة حالة لكل موطن خلل على حدة، وكذا توظيف البحث التدخلي فضلا عن مناهج البحث الملائمة. ولا نبقي مواطن الخلل في إطار القول العام كما تم في الاستشارات الوطنية حول قضايا التربية. وتفريعات هذا السؤال الرئيسي الواردة في قولة أستاذنا الكريم تحدد بعض مجالات الخلل من قبيل العنصر البشري، والتخطيط، المضامين والمقررات والبرامج، والمتعلم، وتحمل الجميع المسؤولية المشتركة عن هذا الواقع الذي تعيشه منظومتنا التربوية، كل بقسط معين يجب تحديده، ودون التملص منه. وهو مذهب حق يمكن البرهان عليه بالوقائع الملموسة من قبيل: مكمن السياسة:منظومتنا التربوية مرتبطة بالبعد السياسي منذ الاستعمار، ومن بعد الاستقلال، ومنه كل من يتولى من السياسيين تدبير شأن هذه المنظومة، يحاول أن يصبغها بطابعه السياسي، ما أفقدها الاستقرار، واعتورها باختلالات سياسته من خلال الفتاوي السياسية التي يمده بها ديوانه ومستشاريه. ما أصبغها بصبغات متنوعة حسب مراحل التولي والتوالي عليها. وإن كان من خارج الحقل السياسي، فطابع السياسة العامة تطبعه أو بعده الإيديولوجي يظهر جليا في منطوق توجيهاته وإرشاداته العملية المبثوثة في ميدان التربية. ونعلم أن قطاع التربية موطن بناء المواطن والإنسان، ومنه؛ فهو قطاع لا يقف على الحياد، بل يوظفه السياسي وفق غاياته، ومنها رؤية التشكيلية للموطن، وسحنته التي يحددها له. وعليه؛ فهناك الغاية السياسية الفوقية، وهناك الغاية السياسية التحتية. الأولى صريحة والثانية غير صريحة " خفية ". والخبير بقطاع التربية يكتشفهما بكل سهولة وفي أي نظام تربوي وتكويني كان. والمدرسة العمومية المغربية تقع في قلب الغاية السياسية الفوقية والتحتية، لأن البعد السياسي وطبقاته الاجتماعية موجودة في قطاع التربية. ولعل التساؤل عن غاية التشبث بتدريس الفلسفة الغربية في الدرس الفلسفي المغربي دون تدريس الفلسفة الإسلامية فيهمؤشرا عن مدى تأثر المنظومة التربوية بالبعد السياسيقبل الإيديولوجي؟! ولعل العودة إلى المذهب المالكي في التربية الدينية دون استحضار رؤيتنا للمفهوم والمصطلح ، وإلى الوسطية الإسلامية هي حفظ للأمة من آفات الإسلام السياسي الراديكالي الهدام، وهو بعد سياسي في عمقه، حملته المنظومة التربوية وهي جديرة بذلك لأنها تستهدف الإنسان منذ الصغر. ولست في حاجة إلى المزيد من الأمثلة، خاصة التاريخية منها التي مر منها النظام التعليمي المغربي أو التذكير بموقع التعليم في برامج الأحزاب السياسية مع تجاوز مفاهيمي كبير لمصطلح " برنامج ". وقد تطرق العلم التربوي لهذه المسألة في ورقتي الأستاذين رشيد شاكري والحسن الوارث.فالبعد السياسي في الواقع يجب أن يبتعد عن المنظومة التربوية، فكلما تدخلت السياسة في التربية كلما شانتها خاصة في عالم المتخلفين، لأنها تخلق فيها تشوهات عدة وعلى مستويات مختلفة ومن بينها مثالا لا حصرا: ( تغليب الانتماءات السياسية والحزبية الضيقة في التوظيف بمناصب المسؤولية لتدبير الشأن التعليمي مما ينتج عنه الفساد في تدبير الصفقات العمومية وتكريس مبدأ عدم إلزامية ربط المسؤولية بالمحاسبة تغليبا للانتماءات السياسية لبعض المسؤولين التربويين ). وهو ما حاول المغرب فعله عندما اعتبر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني وزارة سيادة بطريقة ضمنية. وقد زكت خطب عاهل المغرب الملك محمد السادس هذا الطرح. مكمن التخطيط:هندسة وتخطيط النظام التعليمي المغربي تشوبه عدة عيوب، سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التنظير أو على مستوى التنفيذ أو على مستوى التقويم أو على مستوى التغذية الراجعة المبنية على التقويم وعلى مستوى الإصلاح أو على مستوى التدخل. وليكن مثالنا هنا: الحيف الواقع على فئات وأطر معينة في مقابل فئات وأطر أخرى. فمثلا: التوظيف في إطار أستاذ يتم بنفس المؤهل العلمي " الإجازة " لكن التمييز قائم بين أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي وأستاذ التعليم الثانوي الإعدادي والابتدائي. الأول مفتوح في وجهه الدرجة الممتازة " خارج السلم " بينما الثاني والثالث سقفهما لا يتعدى الدرجة الأولى! فمدة التكوين واحدة وشهادة الدخول إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين واحدة والاختلاف حاصل في السلك وفي مجال التدريس، وهذا مدخله إلى التميز المردودية ومعطيات أخرى، ليس هنا موقع الحديث عنها. فالتمييز ليس له مبرر موضوعي ولا مبرهن بوقائع يمكن قياسها وترجمتها إلى عناصر التميز. فتجد الاحباط يعتلي المتخرج من البداية، وتجد الاختلافات تشتد من نقطة الانطلاق، وترجمة ذلك عدم التكامل والتعاون والتنسيق بين الأسلاك التعليمية وأطرها، وكل فئة تلوم الفئة الأخرى عن النتائج. ولا تجد أن التعليم حلقة تشد أختها إلى النهاية، وهو لا يحتمل الاختلافات ... فبالأحرى الاختلالات.لذا؛ تجد الأطر النقابية تدافع عن ملفات بعينها دون ملفات أخرىتبعا لموقع أطرها في التنظيم النقابي، والأمثلة كثيرة ولا حاجة لذكرها. كما أن عدم الأخذ بقيم الديمقراطية والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والاستحقاق ومبادئ الحكامة الجيدة بصفة عامة في إسناد مناصب المسؤولية وتدبير الشأن اليومي التعليمي يعد من عاهات هندسة وتخطيط النظام التربوي المغربي! وقس على ذلك نظرية السلم التعليمي مقارنة بالشجرة التعليمية، والنظريات المؤطرة للمناهج والأداء الصفي، وتصلب النظام التعليمي تجاه المتعلم، وتداخل الاختصاصات والتركيز داخل اللاتركيز، والمركزة داخل اللامركزية، وهلما جرا لا حلما ... وهذا الوضع ذكرني بما قرأته في المكتبة العامة بالفايسبوك من أحداث الحرب العالمية الثانية التي تخرب الدولة والمجتمع؛ حيث ( تمكن الحلفاء من القبض على عميل بريطاني لألمانيا، وكان موظفا كبيرا في الحكومة البريطانية. لكنهم لم يعرفوا كيف كان يسرب الأسرار، إذ لم يكن يمتلك أسرارا عسكرية ولا حتى مدنية. وكانت وظيفته تقتصر فقط على اختيار الموظفين الحكوميين. وبعد التحقيق المستمر معه، تبين أن مهمته كانت فقط تقتصر على وضع الرجل غير المناسب في المكان الذي لا يستحقه ). وبعيدا عن صدق هذا الحدث من عدمه، فله دلالة في واقع منظومتنا التربوية. حيث أصبحت مناصب المسؤولية لا تتطلب الاختصاص، وهي تدبر " بما جاب الله "! وكأن تلك المناصب ليس لها تأصيل نظري وآخر عملي وثالث خبراتي ورابع تجاربي وخامس تخصصي ... ؟ وكل هذا مسؤولية السلطة الوصية عن التربية، وهي تتحمل فيه مسؤولية عائد التدبير العام لقطاع التربية...(يتبع) ++مفتش وباحث في شؤون التربية والتكوين