دخل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، على خط حملة التعبئة والحشد الرسمي والشعبي، تحسبا للأخطار الأمنية والعسكرية على الحدود الجنوبية والشرقية مع تونس وليبيا، خاصة بعد إفشال الجيش الجزائري، لمحاولة إدخال ترسانة من الأسلحة الثقيلة والمتطورة إلى ولايتي وادي سوف الحدودية. في هذا الصدد، يرى خبراء ومحللون أن الجزائر لم تتعامل مع التحديات الأمنية في محيطها الإقليمي بالجدية اللازمة، خاصة ما تعلق بمجريات الملف الليبي، وأن حيادها "البارد" لم يجعلها بمنأى عن تهديدات داعش. وعقد بوتفليقة نهاية الأسبوع الماضي، اجتماعا طارئا استدعى له عددا من الوزراء والضباط والمستشارين المعنيين بقطاعات الجيش والأمن، لبحث ما أسماه بيان الرئاسة الجزائرية ب"تطورات المنطقة". وإذ لم تتسرب معلومات حول نوعية القرارات التي تم اتخاذها في الاجتماع، نتيجة ما أسمته مصادر مقربة من الحكومة ب"الطبيعة السرية للملفات"، فإن برقية الوكالة الرسمية الجزائرية التي تحدثت عن الاجتماع اكتفت بالإشارة إلى أن بوتفليقة أصدر أوامر خصت المجال الأمني والإنساني والدبلوماسي لمواجهة الوضع في المنطقة. ويرى خبراء بأن الوضع على الحدود الجنوبية والشرقية، بات مصدر قلق للسلطات في الجزائر، وأن حالة حرب غير معلنة تشهدها المحافظات الحدودية كتمنراست وإليزي ووادي سوف، خاصة بعد حادثة بنقردان التونسية، وتفكيك شبكات للتموين والإسناد بالأسلحة والمؤونة والمعلومات. واعتبر الخبراء أن السلطات الجزائرية تتحمل مسؤولية مباشرة عن "حيادها البارد" تجاه توسع دائرة الإرهاب في ليبيا المجاورة، فقد كانت تعارض الحرب على الميليشيات الإسلامية التي تسيطر على طرابلس بدل دعم مهمة الجيش الليبي الهادف إلى توحيد البلاد وحماية الانتقال السياسي فيها. وكانت الجزائر استقبلت قيادات بارزة للميليشيات الليبية التي تسطير على طرابلس وأجرت معها حوارات متعددة بدا من خلالها دعم الجزائر لاستمرار هذه الميليشيات في السلطة، أو على الأقل فرضها شريكا في أي انتقال سياسي. وتقيم الميليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية علاقات متطورة مع فصائل متشددة أخرى موجودة بالشرق الليبي، بعضها أعلن ولاءه لتنظيم داعش الذي بدأ بالسيطرة على درنة وسرت وانتقل إلى صبراتة القريبة من الحدود التونسية قبل أن يشن هجوما على مدينة بنقردان بهدف إقامة إمارة له. وأشار الخبراء إلى أن السلطات الجزائرية لم تدرك خطر هذه المجموعات إلا في الأسابيع الأخيرة بعد أن اكتشفت محاولات لتهريب مقاتلين وأسلحة إلى الداخل الجزائري، فضلا عن هجمات متكررة على منشآت النفط والغاز. وطرح هجوم الجمعة الماضي العديد من التحديات أبرزها أن المقدرات الرئيسية للجزائر باتت محل تهديد التنظيمات الإرهابية، ما اضطر السلطات إلى اتخاذ تدابير عسكرية وأمنية جديدة لحماية منشآت وآبار الغاز والنفط. وقالت شركة بي.بي (بريتش بتروليوم) يوم الاثنين الماضي، إنها ستسحب جميع موظفيها من محطتي عين صالح وعين أميناس للغاز في الجزائر خلال الأسبوعين المقبلين. وأعلنت شركة النفط والغاز النرويجية شتات أويل التي تشغل المنشأتين مع بي.بي عن خطط لتخفيض عدد موظفيها. وربما يكون الاجتماع الذي ترأسه بوتفليقة قد ناقش آليات حماية تلك المنشآت من التهديدات المنتظرة في ظل تفكيك قوات الجيش، لخلايا إرهابية تشتغل على توريد الأسلحة والمعدات العسكرية والتهريب. ورجح الخبير الأمني علي الزاوي أن تكون الترسانة المضبوطة، لإحدى الأيادي الخفية الناشطة في ليبيا، التي باتت ملجأ لاستخبارات إقليمية ودولية، وأن بعضها ربما يريد تفجير الوضع الأمني في الجزائر لجرها إلى الحل العسكري في ليبيا، وأن التنظيمات المسلحة تشتغل لحساب أجندات خارجية، وتؤدي دورا بالنيابة عنها لخلط أوراق المنطقة.