سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الارتباك والتخبط سمة القرار السياسي التعليمي بالمغرب: قمة الارتباك والتخبط ظهرت مع جدل رئيس الحكومة ووزير التعليم حول قرار تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية.. بقلم // ذ. عبد الرحمن العطار
+السياق: لمعرفة طبيعة القرارات السياسية التي تتخذ حاليا بخصوص قطاع التعليم لابد للمرء أن يعرف سياق ومسار أهم القرارات التي اتخذت في التعليم، وسوف نقتصر فقط على المرحلة الأخيرة منذ أن عين الملك الحسن الثاني رحمه الله ممثلين عن القوى السياسية والنقابية ضمن اللجنة الخاصة بميثاق التربية والتكوين ليعطي صفة الإجماع على إصدار "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" سنة 1999، للإشارة فإن الوثيقة كانت من مخرجات عمل ثلاثة أشهر!!؟؟ وقد جاءت الوثيقة على أنقاض مشروع الميثاق المؤرخ في 17 أبريل 1994 والمنجز من قبل اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم، والمشكلة من 330 عضوا خبير يمثلوا جميع أطياف المجتمع، تم اختيارهم تحت إشراف وزارة التربية الوطنية، وتضمن المشروع التأكيد على المبادئ التي يجب أن يرتكز عليها أي إصلاح للتعليم (التعميم، والالزامية والمجانية ومحو الأمية والتوحيد والتعريب وتدريس اللغات). القرار السياسي للملك الراحل استهدف بالأساس المبادئ التي سطرت من طرف زبدة خبراء أطياف المجتمع المغربي وعلى رأسها المجانية والتعريب والتوحيد. وفي سنة 2005 أصدرت اللجنة الخاصة للتربية والتكوين تقريرا انتقدت فيه عمل الوزارة، وقد وجهت للجنة انتقادات لعدم شرعيتها، مما حدا بالدولة إلى إحياء المجلس الأعلى للتعليم سنة 2006 (بموجب الظهير الشريف رقم 1-05-152) بعد أن ظل مؤسسة دستورية غائبة منذ دستور 10 مارس 1972 . بالموازاة مع تقرير المجلس الأعلى للتعليم الذي صدر سنة 2008، جاء البرنامج الاستعجالي بهدف استكمال وتسريع وثيرة تحقيق أهداف الميثاق التي لم تتمكن العشرية المخصصة لها من تحقيقها. توقف البرنامج الاستعجالي الذي خصصت له موارد مالية مهمة وثلاث سنوات من 2009 إلى 2012، بعد الحراك الشعبي سنة 2011 ليدخل المغرب في سياسة عنوانها "الاستثناء المغربي". بعد ذلك تميزت المرحلة بتناقضات كبيرة وجرأة في اتخاذ قرارات تتسم بالارتجال والتردد وتظهر التخبط على مستوى الإرادة السياسية لدرجة أن كثير من المتتبعين والمختصين قد لا يجيب على سؤال، ماذا نريد بالتعليم؟ يظهر التردد انطلاقا من قرار التراجع عن البرنامج الاستعجالي مرورا بالارتجال في تبني قرارات بدون وجود أي مقومات، وصولا لقرارات هذه السنة 2016 بخصوص المسألة اللغوية، والدعوة إلى مراجعة برامج ومناهج التربية الدينية. هذا الوضع يتطلب منا الوقوف وقفة تأمل، وأن نطرح السؤال: إلى أين يسير المغرب؟ وكيف يتم اتخاذ القرار في قطاع استراتيجي يعترف الكل بأزمته؟ نقف أولا على الخلل، ثم نحلل الوضع لنحدد المسؤولية ونتساءل: من المؤهل لاتخاذ القرار التعليمي؟ وزراء التعليم، أم الحكومات المتعاقبة، أم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أم مجلس النواب، أم المشاورات التي أجرتها الوزارة؟ أم ...؟ وسنسعى إلى استقصاء من يتخذ القرار التعليمي ويتحمل مسؤوليته. ++الخلل: ارتباك في اتخاذ القرار مباشرة بعد تنصيب حكومة 2011 وخلال سيرورة السنة الدراسية 2011-2012 بدأت قرارات وزير التعليم تنسف مشاريع البرنامج الاستعجالي التي انخرطت فيها المنظومة، وتم التنكر لوثيقة "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، ومضمون دعاماتها من خلال تصريحات الوزير محمد الوفا. بعد تغير وزير التعليم (أكتوبر2013) بدأت قرارات أخرى تتنزل على جهاز التعليم مثل: المسالك الدولية (قرار إحداث هذه المسالك فتح المجال أمام المؤسسات لفرنسة، المواد العلمية المعربة سابقا – مع تحديد أقسام محدودة لتدريس هذه المواد بالإنجليزية أو الإسبانية)، الباكالوريا المهنية،... قرارات تم تنزيلها بشكل ارتجالي، ودون إشراك للفاعلين، كما أنه لم توفر لها أي شروط للتنفيذ من مثل الكتب ومضمون التدريس أو الأساتذة المؤهلين وغير ذلك من مقومات النجاح التي تدخل ضمن التخطيط. ثم بدأت الوزارة تتحدث عن مشروع "الرؤية المستقبلية 2030 للمدرسة الغد" في سياق اجتماعات المشاورات التي تمت على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والوطنية، ومن هذه "الرؤية المستقبلية" تقدمت الوزارة بمشروع "التدابير ذات الأولية " التي عادت لتتبنى مشاريع نبذتها سنة2011- 2012 (مثل مراجعة المناهج، تطوير التعليم الأولي) وبعد تعيين الملك لأعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في يوليو 2014، دخل المجلس على الخط وتبنى "الرؤية الاستراتيجية"، وتبنى أيضا وثيقة "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، مرجعا لرؤيته الاستراتيجية لسنة 2030. أعاد المجلس مشاوراته بنفس منهجية الوزارة ليعطي مصداقية له، ثم يصرح بعد ذلك في شتنبر 2015 أن "التدابير الأولية" تتماشى مع "الرؤية الاستراتيجية". هذه بعض الأمثلة التي تظهر درجة الارتباك والتخبط الذي يعيشه القرار على مستوى التعليم في مواضيع لا ينبغي أن تكون بهذا الاستخفاف، قرارات تحدد مصير ومستقبل الأجيال ومستقبل البلد، فنحن لسنا بصدد الحديث عن قرارات تدبيرية، أو قرارات ذات أثر محدود، وإنما قرارات كبرى. قمة الارتباك والتخبط ظهرت للرأي العام مع جدل رئيس الحكومة وزير التعليم حول قرار تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في الشعب التكنولوجية والتقنية، وقد تدخل رئيس المجلس الأعلى ومستشار الملك ليؤازر وزير التعليم، ويقحم الملك بتأويل خطابه، بقوله لقد حسم "الملك في قضية اللغات الأجنبية وعلاقتها بالهوية في خطاب العرش في يوليوز الماضي". مع العلم أيضا أن عدد من أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تطرقوا للموضوع في غير سياق تصريح السيد المستشار الذي كان تصريحه مستقويا بتأويله لخطاب الملك وبدون الرجوع للمجلس. قرار جزئي حول تدريس بعض المواد في بعض الشعب باللغة الفرنسية أظهر للرأي العام الارتباك في القرار. نفس الأمر يحدث مع البرامج والمناهج، التي كانت ضمن مشروع المراجعة في البرنامج الاستعجالي، وتم التخلي عنها في بداية عمل هذه الحكومة، وتمت العودة له مع النسخة الثانية للحكومة ومع السيد الوزير رشيد بلمختار. يطرح الآن للنقاش مسألة مراجعة برامج ومناهج "التربية الدينية" (مع العلم أن المادة المقصودة هي مادة التربية الإسلامية فليس هناك مادة تحمل هذا الاسم). لماذا مراجعة مادة واحدة فقط ووضعية المنظومة كلها كارثية؟ هذا ما يظهر التخبط والارتباك في القرار. ++أين مكمن الداء؟ بما أن هذه القرارات تهم مستقبل البلد ومصير الأجيال، كيف يحدث، أو كيف نقبل أن يكون هذا الأخذ والرد، وهذا التخبط والارتباك؟ كيف يحصل هذا، وهناك إجماع بالمغرب على كارثية وضعية المنظومة التعليمية وأزمتها؟، إجماع أقرت به السلطات العليا للبلاد ومختلف التقارير والدراسات التقويمية الوطنية والدولية. لماذا هذا الارتباك والحالة الراهنة لمنظومة التربية والتكوين جد متدهورة، وهي في حاجة ماسة للإصلاح الجذري والتأهيل حتى تؤدي الوظائف المنتظرة منها على كافة المستويات؟ في محاولة لمقاربة الجواب تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها حول موضوع القرار والتخبط الذي يعيشه، منها: كيف يتم اتخاذ القرار في قطاع من الأهمية بما كان، في قطاع الكل يعترف بأزمته؟ من هو المؤهل أن يتخذ القرار التعليمي حتى لا يحدث هذا التنازع الذي طفح أمام الرأي العام؟ وزراء التعليم، أم الحكومات المتعاقبة، أم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أم مجلس النواب، أم المشاورات التي أجرتها الوزارة؟ أم جهات أخرى...؟ (يتبع) ++مفتش وباحث تربوي