من المقرر أن يصوت مجلس النواب خلال جلسة عمومية يعقدها اليوم على مشروعين قانونين تنظيميين يتعلق أولهما بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، والثاني بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض الى السلطات العمومية، هذان المشروعان القانونيان التنظيميان يأتيان تفعيلا لأحكام الفصل 14 من الدستور الذي بمقتضاه: «للمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع وكذا الفصل 15 الذي يخول «للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق». يأتي هذان المشروعان القانونيان التنظيميان من أجل التأسيس لبناء دعائم وركائز الديمقراطية التشاركية عندما نص الفصل 13 من الدستور على أن : «تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.». وبهذا المقتضى، يمكن القول إن المشرع الدستوري ذهب بعيدا لاعطاء الديمقراطية التشاركية مدلولها الحقيقي ليس فقط عبر المساهمة في المجال التشريعي من خلال تقديم ملتمسات، ولكن أيضا يتمكن المواطنون من المساهمة في السياسات العمومية سواء على مستوى الاعداد أو التطبيق أو التقييم، الأمر الذي يشكل ثورة حقيقية في مجال تدبير السياسات العمومية التي لم تبق حكرا على السلطات العمومية، خاصة السلطة التنفيذية، ولكن أصبحت مفتوحة في وجه المواطنين في انتظار وضع الآليات الكفيلة بتفعيل هذا المقتضى الدستوري. فإذا كان الدستور قد أعطى الحق للمواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريع وتقديم عرائض الى السلطات العمومية، فإن المشروعين القانونين التنظيميين اللذين جاءا لتفعيل هذا المقتضى الدستوري وضعا تقييدات من شأنها الحد من مفعول هذا التوجه الدستوري بما يضمن للمواطنين بالفعل ممارسة هذا الحق بالنظر للشروط التي نص عليها المشروعان القانونيان التنظيميان لتقديم الملتمسات والعرائض، بما فيها ضرورة التوفر على 25000 من مدعمي الملتمس مرفقة بنسخ من بطاقتهم الوطنية للتعريف. بحيث يبقى لمكتب مجلس النواب أو مكتب مجلس المستشارين في نهاية المطاف الحق في التحقق من أن الملتمس المودع لديه مستوف للشروط المطلوبة، خاصة وأن قرار رفض الملتمس من طرف مكتب المجلس المعني المودع لديه الملتمس لا يقبل أي طعن. وفي حالة قبول الملتمس، فإنه يحال على اللجنة النيابية المختصة حسب موضوع الملتمس قصد دراسته ومناقشته حسب المساطر الجاري بها العمل والمنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، وذلك بعد تبني أي عضو من أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة واعتماده كإطار لتقديم مقترح قانون في الموضوع ليدخل في خانة مقترحات القوانين المعروضة على اللجان البرلمانية الدائمة التي لازالت تنتظر الدارسة والتصويت عليها بعد ما تجاوزت عددها المائة مقترح قانون ، الأمر الذي يصبح معه مآل هذه الملتمسات ما عرفه مصير مقترحات القوانين المعروضة على اللجان البرلمانية الدائمة. ويمكن القول أن المسطرة المتبعة في تقديم الملتمسات في مجال التشريع يسري أيضا على تقديم العرائض أمام السلطات العمومية : رئيس الحكومة، رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين، خاصة فيما يتعلق بشروط تقديم العرائض التي تبقى واسعة وفضفاضة، بما فيها القيد المتعلق بوجوب أن تكون لائحة دعم العريضة موقعة على الأقل من 5000 من مدعمي العريضة وأن تكون مرفقة أيضا بنسخ من بطائقهم الوطنية للتعريف. فإلى أي مدى يستجيب المشروعات القانونيان التنظيميان اللذان يحددان شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع والعرائض إلى السلطات العمومية لمتطلبات تفعيل أحكام الدستور بما يضمن إعطاء الديمقراطية التشاركية مدلولها الحقيقي ؟ أم أنهما يشكلان خطوة نحو تجسيد ممارسة حق المواطنين في تدبير السياسات العمومية عبر الملتمسات والعرائض في إطار التدرج بما يعبد الطريق نحو مشاركة أوسع وأنجع على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟