أعلنت النقابات عن موقفها الغاضب من رئيس الحكومة قبل أن تأخذ الكلمة للخوض في حيثيات الحوار الاجتماعي، وذلك من خلال لافتات رفعتها المكونات النقابية بمجلس المستشارين في مستهل جلسة المساءلة الدستورية المنعقدة زوال الثلاثاء الماضي. ووجهت نقابات الاتحاد العام للشغالين والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل رسائل قوية أدانت باشتعال فتيل الملاسنات، وتضمنت اللافتات لاءات وعبارات من قبيل «لا لفرض سياسة الواقع»، «لا لقمع النضالات الاجتماعية السلمية» «لا بديل عن الحوار الاجتماعي» و«تعطيل الحوار تهديد للسلم الاجتماعي». وعكست هذه اللافتات مدى الاحتقان والغبن اللذين يعمان الأوساط النقابية، وترجمه النعمة ميارة عضو الاتحاد العام للشغالين في سياق استفساره الموجه لرئيس الحكومة قائلا إن مفهوم الحوار الذي أبانت عنه الحكومة هو تعنيف الأساتذة المتدربين واتخاذ قرارات أحادية بشأن ملف التقاعد رغم وجود نقط خلافية بين النقابات معتبرا هذه الإجراءات وأداً للديمقراطية، وخاطب بنكيران قائلا: «قلتم إن الممارسة السياسية بلوى ونحن ندعو الله أن يريحكم منها». واعتبر بنكيران في سياق توضيحاته أن الحوار آلية للتعاون بين الحكومة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين لتعزيز السلم الاجتماعي، مؤكدا أن الحكومة تحملت كلفة كبيرة لتنزيل مضامين اتفاق 26 أبريل 2011 رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة، وتم عقد جولات مع مختلف المركزيات النقابية لكن الانتخابات أثرت على استمرار الحوار. غير أن مقاطعات كانت تصدر من حين لآخر ما أثر على سير الجلسة حولها إلى لحظات من التوتر والتشنج، وأمام تصعيد من إحدى النقابات صب عليها بنكيران جام غضبه منبها بإياها بأن تلتزم بأدب التحاور والديمقراطية الأمر الذي اعتبرته مستفزا، وترد عليه بأنه هو من لا يؤمن بالديمقراطية ولا يعرفها، ليجيب بنكيران «ما بغيتش نجبد العار، حشمي شويا، وشوفي أشنو كاديري فنقابتك»، لتنتقل حمى الملاسنات إلى حامي الدين ومحمد الوفا في محاولة لتطويق غضب أعضاء وعضوات النقابات الأربع. وفي الوقت الذي تدخل البعض لامتصاص أجواء التشنج تمسك بنكيران بموقفه تجاه النقابية قائلا: «نجاوبها، علاش لما نجاوبهاش، كانتكلم فوقتي، وقت إرهاب الحكومات انتهى». هذا في الوقت الذي استعصى على رئيس مجلس المستشارين حكيم بنشماس أمر ضبط سير الجلسة وإعادة الأمور إلى نصابها. إلى ذلك أكد بنكيران أن مطالب النقابات يجب أن تكون واقعية ووفق إمكانيات الميزانية، معتبرا أن مطلب الزيادة في عموم الأجور في القطاعين العام والخاص يعني رصد 27 مليار درهم سنويا، وهو ما يصعب تحقيقه. من جانبه أوضح عبد السلام اللبار، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين أن تجميد الحوار يفتح الباب أمام التأويلات وإفساد الديمقراطية، مضيفا أن مأسسة الحوار ساهمت فيه كل القوى من أحزاب ومجتمع مدني ونقابات ليتقرر في دورتين قبل إحالة مشروع القانون المالي وقبل فاتح ماي، بما يتيح لكل الشركاء فرصتين كبيرتين للتداول حول كل ما قد يرسي أجواء من الاحتقان. وقال اللبار بما أن رئيس الحكومة يحمل هاجس الفئات التي تتقاضى الأجور الهزيلة، فهل هناك من ضعيف أكثر ممن يتقاضى ال SMAG، وهل يستطيع مغربي يحصل على 60 درهما في اليوم أن يحافظ على كرامته؟، ليختم قوله بأن إهدار المال العام في الصفقات العمومية والمشاريع الوهمية يجب أن تكون هاجس رئيس الحكومة لرصدها للفئات التي يتحدث عنها. من جانبها تدخلت أمال العمري باسم النقابات الأربع معلنة حالة الإحباط التي تستبد بالمكونات النقابية، واصفة الجولات التي تحدث عنها بنكيران بأنها دردشة وتداول دون جدول مضبوط، فضلا عن المساس بمبدأ التشاركية فيما يخص ملف التقاعد، الحكومة تهرب بهذا الملف وتضرب عرض الحائط بعشر سنوات من الدراسة والتشاور، بل واعتماد معالجة على حساب الموظف أقرت زيادة في المساهمة ونقصا في المعاش ورفعا في سن التقاعد. كما أفادت أن النقابات كسبت تجربة مهمة في حواراتها مع الحكومات السابقة وانبثق عن ذلك تعاقدات، فيما لم تحصل النقابات على أي تعاقد مع حكومة بنكيران، مما ينذر بإعادة سيناريو الاحتجاجات التي عرفها الشارع سنة 1981 و 1984 و1990.