تكاد معظم التحليلات والدراسات التي تقيم الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمغرب تجمع على أن التعليم و البطالة يشكلان أكبر ثغرة في منظومة تدبير الشأن العام لبلادنا . والواقع أن قطاع التربية و التكوين يجر خلفه تركة ثقيلة من الإخفاقات التي يبدو أن لا أحد من الوزراء المتعاقبين على كرسي تدبير هذا المجال الحيوي و المصيري استطاع أن ينفذ الى عمق الاشكالات الحقيقية التي تعيق تطوره و تكبح معه مسيرة البلاد لتلمس سبل التخلص من هاجس التبعية و التموقع للعالم الثالث . من الصعب التصديق أنه منذ استقلال المغرب سنة 1956، انعقدت ثلاث مناظرات وطنية حول قطاع التعليم و تشكلت عدة لجان لاصلاح المنظومة ، و نفذت ما لايقل عن خمسة مخططات إصلاحية ، آخرها المخطط الاستعجالي في مرحلته الأولى، ثم الثانية و مع ذلك ظل تعليمنا على حاله دون أفق و مردودية أو حصيلة نتائج ملموسة، اللهم الملايير التي إستنزفتها المخططات المفبركة من خزينة الدولة، بينما سقط جدار برلين و لم تتكسر الصخرة التي تغرق مشهدنا التعليمي في الأوحال . من المخجل أن تظل منظومتنا التعليمية نقطة سوداء مسترسلة تشوه سمعة بلادنا أمام الأمم و تلفظ أجيالا من فلذات أكبادنا إلى هامش الضياع . لماذا فشلت مخططاتنا و برامجنا الوطنية ، بينما نجحت و تفوقت بنفس المناهج و التصورات في بلدان قريبة منا تتقاسم معنا كل المقومات الإثنية و الاجتماعية و التاريخية ؟ للاجابة عن هذا السؤال الذي يلخص حجم الكارثة، يجب أولا الاقرار أن كل المحاولات التي بصمت عبر محطات تاريخ المغرب التعليمي فشلت حتى في ملامسة منطلقاتها و مبادئها الأساسية المقدسة ، و التي شكلت إجماع المغاربة و هي التعميم والتعريب والتوحيد والمغربة. و من المنطقي أن أي إصلاح مبني على رؤية فوقية بعيدة عن الواقع المغربي سيكون مآله الفشل و الارتجال في التخطيط و التنفيذ و التقييم و التقويم . و بين هذه المراحل الحيوية كان دائما صوت الفاعلين بالقطاع مغيبا أو مشوها . منذ تقرير البنك الدولي لسنة 1995 ، والذي صنف المغرب من بين الدول المنحدرة والمتخلفة في ميدان التعليم ، و بعد تشكيل اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم دخلت المنظومة دوامة من الشد و الجذب و اتخاذ قرارات مصيرية تم التراجع عنها بمبرر الحاجة الى التجديد و الابتكار، دون أن يسلك تعليمنا مسلكا واضحا يبرز ما له و ما عليه ، بقدر ما أصبح يحيد عن مشروع وثيقة المبادئ الأساسية التي تم اعتمادها ، و التي تأسس على أنقاضها الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، الذي كان يحمل هما أساسيا هو التمهيد لتخلي الدولة تدريجيا عن تحمل "ثقل تمويل التعليم" قبل أن يلقى بدوره مصير سابقيه ، و يلقى به إلى سلة المهملات المثقلة بالخيبات المتراكمة حتى قبل أن يتم عشريته الزمنية . البرنامج الاستعجالي الذي حمل في بداية العشرية الجارية نفسا إنقاذيا ، و الذي زعم واضعوه و مخططوه أنه ينطوي على 23 مشروعا طموحا من شأنها إخراج المنظومة من عنق الزجاجة سيكون تاريخ 24 يوليوز2012 و قبل إتمام تنزيل المخطط، موعدا لإعلان فشله الرسمي بعد أن كلف الميزانية العامة زهاء33 مليار درهم، و يتم أمام إندهاش الجميع توقيف مخططاته التي شرع في تنزيلها. إزاء هذه الخيبات المسترسلة من الطبيعي أن يرهن مستقبل التربية و التكوين ببلادنا في سلسلة متاهات لا مخرج منها ، بسبب إنتاج نفس الأخطاء التاريخية و قصور أداة التقويم و المحاسبة عن فضح ومعاقبة من تسبب في كل هذه المهازل.