خلص التقرير التحليلي الذي أعدته اللجنة التي شكلها الأستاذ عمر عزيمان في إطار المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والتي ترأستها الأكاديمية رحمة بورقية ،إلى أن حصيلة 13 سنة من تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتعليم والصورة السوداء التي ترسمها على واقع المدرسة العمومية ،تجد مرجعيتها الأساس في غياب منظور وهندسة شمولية لمنظومة التربية والتكوين، في إحالة على ظروف تفعيل بنود الميثاق ومنهجية اشتغال الفاعلين وفق أهداف الإصلاح الاستراتيجية وعبر هيكلة بنى المنظومة وآليات التواصل. الأمر الذي يِؤكد ما سبق ان ذهبت إليه التقارير الدورية للنقابات الوطنية للتعليم ، من كون المسؤولين المتعاقبين على قطاع التعليم يفتقدون التصور الشامل لإصلاح التعليم، وأن المنظومة التربوية لا تزال تراوح مكانها وتجتر ذات الظواهر السلبية التي جاء المخطط الاستعجالي لمعالجتها كالهدر والاكتظاظ والعنف المدرسي وضعف المردودية و الخصاص في الموارد البشرية سواء في أطر هيئة التدريس والادارة والخدمات وهذا فضلا عن الاحتقان اليومي والاحتجاجات المستمرة. وعلى اعتبار أن مدار الزمن الدراسي هو غير مدار الزمن السياسي والحكومي، فقد حمل التقرير مسؤولية هذه الحصيلة لمجرى وعوامل التغييرات التي طالت تدبير قطاع التعليم بفعل توالي التعديلات الحكومية التي حالت دون إعمال آليات التقييم والتقويم اللازمة لرصد المكتسبات التنظيمية والإدارية والبيداغوجية للمنظومة ورسملتها وبالتالي تعويق مسار تطور المنظومة التعليمية وشل فعالية العمليات التربوية . وفي هذا الصدد ،يثورتقاعس حكومة بنكيران في استثمار التراكمات الإيجابية التي تم تحقيقها في إطار تفعيل مخطط البرنامج الاستعجالي للتعليم ، بل وتراجعها، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين بورش التربية والتكوين ، عن مكونات أساسية منه، تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي، وثانويات الامتياز،وفي تجاهل تام لخلاصات عملية الافتحاص الداخلي ونتائج الافتحاص التقني النهائي للبرنامج الاستعجالي. ويتمثل هذا التراجع في قرار تعطيل العمل بالمذكرتين 122و204 حول بيداغوجية الإدماج السنة الماضية، والذي تسبب في احتقانات واسعة في أوساط الهيئة التربوية والتعليمية ،بسبب المزايدات والحسابات الضيقة التي طبعت عمل الحكومة و حالت في غياب آليات للتقويم وفي أعقاب الاستغناء عن خدمات رئيس المكتب الدولي لهندسة التربية والتكوين المستشار العلمي لدى الوزارة المرافق لعملية تفعيل مشروع بيداغوجية الإدماج ، دون تمكن المشرفين من قياس نجاعة المشاريع ومدى تحقيق أهدافها الأساسية في مجرى تنفيذ مشاريع المخطط الاستعجالي البالغ عددها ستة وعشرون مشروعا. وبخصوص البرنامج الاستعجالي الذي سبق أن وضعه أحمد اخشيشن إبان تحمله لمسؤولية حقيبة وزارة التربية الوطنية ، فقد أبانت نتائج التقييم ،حسب تقريرالمجلس ،عن عدم استكمال الأهداف المسطرة في البرنامج الاستعجالي وأن الإنجازات المتقدمة في مجال تعميم التعليم هي مجرد حصيلة أولية لتفعيل جزئي للبرنامج ، وهذا في الوقت الذي سجلت فيه الموارد المعبئة لأجل المنظومة التعليمية خلال ولاية حكومة بنكيران انخفاضا حادا في مجالات تعميم التعليم والتكوين المهني، علما بالالتزامات الحكومية السابقة القاضية بالرفع من ميزانية قطاع التعليم ب 5 % سنويا بغاية توفير الاعتمادات المالية الضرورية لتمويل تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني. ومعلوم أن المخطط الاستعجالي للتربية والتكوين الذي باشرت الحكومة السابقة عملية تنفيذه في السنوات الثلاث الأخيرة من ولايتها، والذي خصصت له اعتمادات مهمة تقدر ب41 مليار درهم، أي بزيادة تقدر ب 33 % عما كان يخصص سابقا لميزانية وزارة التربية الوطنية ،عدا مئات الملايين من الدرهم التي صرفت لمكاتب الدراسات ، قد تم تسطيره بعدما استنفذ الميثاق الوطني للتربية و التكوين كل أهدافه ، من أجل تطوير المنظومة التربوية المغربية وتحقيق جودتها، وفق مشاريع وأهداف مضبوطة تتمثل مجالاتها في إعداد الفضاءات الكافية لاستيعاب المتمدرسين من خلال البناء والتشييد و الاصلاح والتجهيز ، وفي التصدي لضعف الكفاءة التربوية والتدبيرية بهدف توفير الأطر الأكفاء المتميزين لتحقيق المردودية التربوية والجودة التعليمية ، وفي ضمان كثافة التحاق التلاميذ بالمدرسة في أجواء تربوية ومستقرة بهدف القضاء على الأمية والحد من الهدر المدرسي. بيد أن طرائق تنفيذ هذه الأهداف ، وحسب بعض المستشارين التربويين، لم تكن موفقة في توزيع الأدوار والوظائف والمسؤوليات و اختيار الموارد البشرية المكلفة بأجرأتها ، إذ أسندت مهمة تنسيق المشاريع جهويا وإقليميا لأشخاص لا يتوفرون على مؤهلات قيادة مشاريع من هذا الحجم ، بل هناك أشخاص أسندت لهم مهمة قيادة أكثر من مشروع مما صعب مهمة متابعة وتنفيذ مختلف خطوات هذه المشاريع ، وهذا خارج تفشي المحسوبية والزبونية في ظل التهافت على الاستفادة من التعويض السخي المخصص لمنسقي المشاريع بل وفي غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة. وعلى الرغم مما تحقق من نتائج ملموسة في بعض المجالات كتعميم التعليم و العرض المدرسي ، و بالرغم كذلك من أهمية بعض المقاربات المعتمدة في تنزيله كالمقاربة بالمشروع و مقاربة التدبير بالنتائج، فإن الأهداف المحددة لم تكن مركزة بالشكل المطلوب ، كما غابت مسألة تحديد الأولويات، حيث تم فتح مجموعة من الأوراش في وقت واحد والتي وصل تعدادها 26 مشروعا، مما أدى إلى تشتت المجهودات و تضييع الجهود والطاقات و تبديد الموارد إلى درجة أصبح فيها الهدر المالي يسجل خسارات مالية سنوية تقارب %10 من ميزانية التسيير الإجمالية لقطاع التربية والتكوين ،حسب تقرير المجلس الأعلى للتعليم . لذا وباعتبارالميثاق الوطني للتربية و التكوين أهم وثيقة لإصلاح منظومة التربية و التكوين والتي أجمع عليها كل الفاعلين والشركاء والمتدخلين في الشأن التربوي ،فإن مهنيي قطاع التربية والتكوين لم يفتهم في معرض الأيام التشاورية التي أطلقتها وزارة بلمختار، التأكيد على أسباب الفشل في تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، نتيجة تظافر خمس اختلالات أساسية سبق لتقرير المجلس الأعلى للتعليم في نهاية عشرية التربية و التعليم أن نبه إليها ، والتي تتمثل في إشكالية الحكامة على مختلف المستويات وفي مزاولة المهنة في ظروف صعبة، وصعوبة الملاءمة والتطبيق للنموذج البيداغوجي وإشكالية تعبئة الموارد المالية وتوزيعها وضعف التعبئة حول إعادة الاعتبار للمدرسة المغربية . و تأسيسا على ذلك، وحسب الأستاذ عبد الغفور العلام المختص في مفتشية التخطيط التربوي، فإن الميثاق الوطني للتربية و التكوين كان في الواقع، جوابا سياسيا أكثر منه جوابا تربويا و بيداغوجيا على إشكاليات التربية والتعليم ببلادنا، وأن البرنامج الاستعجالي كان بدوره جوابا تقنيا صرفا حيث لم يجسد الجواب التربوي والمجتمعي المنتظر على المعضلات و الاشكاليات الأفقية للمنظومة التربوية المتمثلة في ترسيخ ممارسة الحكامة الجيدة و تحسين جودة التعليم و الارتقاء بوظائف المدرسة المغربية و أدوارها . وهكذا ،وكنتيجة طبيعية لسوء تنزيل بنود الميثاق ، تخللت تقرير المجلس جملة من المعطيات والأرقام الدالة على تقهقر منظومتنا التربوية التي أصبحت تحتل مراتب متأخرة في أغلب المؤشرات التربوية مقارنة مع المنظومات التربوية لأغلب الدول العربية و الإفريقية، حسب ما رصده التقرير الأخير لليونسكو وتقرير التنمية البشرية لعام 2013 الذي أصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، وماخلصت إليه نتائج الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم "PIRLS"، والاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم "TIMSS" اللتين تقيسان استنادا إلى معايير علمية. مراتب متدنية ،رغم كل المخططات و البرامج الإصلاحية التي تعاقبت على المنظومة التربوية بالمغرب، منذ الاستقلال إلى حد الآن، بدءا باللجنة الرسمية لإصلاح التعليم و اللجنة العليا لإصلاح التعليم 1957و1958، مرورا بمناظرة المعمورة1964 و مشروع إصلاح التعليم بإفران1980و اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم 1994، وانتهاء بالميثاق الوطني للتربية والتكوين2000/2010 والبرنامج الاستعجالي 2009/2012. وحصيلة مقلقة ، رغم كل الإمكانيات المادية و الموارد البشرية و الإعتمادات المالية المرصودة من طرف الدولة، حيث تمثل ميزانية التربية و التعليم 28 % من الميزانية العامة و7 %من الناتج الخام الوطني،وتنفق الدولة قرابة 5000 درهم لكل تلميذ سنويا، وذلك من مجمل ميزانية مخصصة لسبعة ملايين تلميذ، وحوالي 280 ألف موظف ظلت مثار جدل كبير خلال السنوات الأخيرة، إذ مقابل المبالغ الضخمة التي يستهلكها ينتج آلاف العاطلين عن العمل سنويا، التي تقضي أعداد واسعة منها يوميا في الاعتصام وفي المطالبة بالتوظيف، ليطرح سؤال الجودة، ومدى قدرة التعليم العمومي على مواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم اليوم بل ومدى سعي المغرب لركوب قطار العصر وتنشئة أجياله على لغات علومه وعلى قيمه وثقافاته الكونية. وأزمة بنيوية ومركبة، يشهد عليها فشل السياسات التعليمية المتعاقبة على المنظومة التربوية وتوجهاتها، في رد الاعتبار للمدرسة العمومية التي مكنت برامجها ومناهجها من تكوين أجيال من الأطر الوطنية، وعجز مهندسيها عن تشخيص الأوضاع الراهنة لقطاع التعليم وتشريح منظومة التربية والتكوين ببلادنا و صياغة الخلاصات والتوصيات اللازمة ، بكل مهنية وتجرد وخارج أي ضغط مادي أو زمني ، واعتماد معايير العصر العلمية والعقلانية ومقتضيات مجتمع المعرفة والتكنولوجيا الحديثة.