شهدت قضية الصحراء سنة 2008 تحولا هاما على صعيد منظمة الأممالمتحدة التي عززت دينامية التسوية التي أطلقتها المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها سبيلا جديا وواعدا لوضع حد لهذا النزاع الإقليمي. وتجسد هذا الدعم الجلي سواء على صعيد مجلس الأمن أو الجمعية العامة، اللذين أكدت قراراتهما الأخيرة مدى الانسجام التام بين هاتين المنظمتين الأمميتين حول هذا الملف. وفي هذا الصدد، يبرز الإجماع حول نفس النداء الداعي إلى إجراء مفاوضات جوهرية على أساس الواقعية, بهدف التوصل إلى حل سياسي توافقي، وكذا الاعتراف بأهمية الحفاظ على الزخم الذي خلقته الجهود التي قام بها المغرب من أجل تجاوز الوضع الراهن. وحسب الخبراء والملاحظين الدوليين، فإن هذا التطور الإيجابي لم يتحقق بمحض الصدفة, وإنما يندرج ضمن منطق التطورات الأخيرة التي عرفتها معالجة هذا الملف داخل المنظمة الدولية. وكانت منظمة الأممالمتحدة قد أعلنت في شهر أبريل الماضي، على لسان وسيطها المنتهية ولايته، السيد بيتر فان فالسوم، عن تصورها الواضح بشأن هذه القضية, حيث تم التأكيد على أن خيار استقلال الصحراء غير واقعي وغير قابل للتحقق. وتعد خلاصات الدبلوماسي الهولندي، التي لم يتم التوصل إليها بمحض الصدفة أو بعد تحليل متسرع من قبل المعنيين بهذا الملف، والتي تضمنها تقريره إلى مجلس الأمن، نتيجة لثلاث سنوات من الوساطة وأربع جولات من المفاوضات والعديد من البعثات إلى المنطقة وكذا الاتصالات على أعلى مستوى مع مختلف الفاعلين الدوليين الوازنين. وفي نهاية المطاف، خلص السيد فالسوم، وهو الشخصية المشهود لها بالمهنية والنزاهة من قبل الجميع, إلى عدم إمكانية تطبيق المخططات السابقة، وأكد أن مسلسل المفاوضات يجب أن يركز على الحل الوحيد الممكن لهذا النزاع, وهو الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية. وقال في تقريره:«أحسست أن هناك حاجة لتجديد التأكيد على هذه الخلاصة التي تعتبر أن استقلال الصحراء الغربية ليس هدفا قابلا للتحقق»، مضيفا أنه تم على ما يبدو إغفال هذه الخلاصة خلال مفاوضات مانهاست, في حين يعد هذا المعطى «نقطة انطلاق مسلسل المفاوضات الجارية».. وكانت خلاصات المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة، التي عززت دينامية التسوية التي أطلقها المغرب, بمثابة انتكاسة إضافية للجزائر و«البوليساريو»»» اللتين استماتتا في الدفاع عن طروحات متقادمة بهدف إطالة أمد النزاع وتأخير أية آفاق للتسوية النهائية. ولهذا, لم يكن من المستغرب أن يتعرض الوسيط الأممي لحملة افتراء شعواء من طرف آلة الدعاية المغرضة التابعة للجزائر والانفصاليين. وعلى الرغم من هذه المماطلات وكإشارة على تصميم المجتمع الدولي على القطع مع هذا النزاع المصطنع الذي يعتبر من مخلفات حقبة متجاوزة، انخرطت الجمعية العامة للأمم المتحدة من جديد وبانسجام تام في مقاربة مجلس الأمن, كما تبرز ذلك التوصيات الثلاث الأخيرة. وهكذا جددت الجمعية العامة، في توصيتها الأخيرة، دعوتها لمواصلة المفاوضات مع الأخذ بعين الاعتبار الجهود البناءة وذات المصداقية التي بذلت منذ2006 ، في إشارة واضحة إلى مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب. كما يتفق مجلس الأمن والجمعية العامة على حث كافة الأطراف على إجراء مفاوضات جوهرية على أساس الواقعية وروح التوافق, وهما المبدئين المحوريين في المبادرة المغربية. إن هذا التطور الملحوظ، الذي يدعم الحل التوافقي، يؤكد بجلاء فشل وعدم قابلية تطبيق مقترحات أكدت الهيئات الأممية والمجتمع الدولي بأسره، وبشكل نهائي، طابعها المتجاوز. وأمام الموقف المعرقل وغير البناء للطرف الآخر، الذي يهدف إلى تقويض مسار منهاست, أبدى المغرب إرادة حازمة بعدم العودة إلى نقطة الانطلاق، والتزامه بمفاوضات جادة حول مبادرة الحكم الذاتي, كحل سياسي نهائي يحظى بدعم المجتمع الدولي. وبذلك حافظت الدبلوماسية المغربية على حوار وثيق ومدعم مع الأممالمتحدة، بهدف تجاوز العراقيل وضمان التطبيق السليم لقرارت مجلس الأمن، وذلك من منطلق الإقتناع بأن روح التبصر والتعقل ستنتصر على الأطروحات المتجاوزة والأوهام الموروثة من الماضي. إن قضية الصحراء، وفي سياق الأممالمتحدة، توجد الآن وأكثر من أي وقت مضى، بين خيارين : خيار المفاوضات على أساس الواقعية السياسية الذي يدعو إليه المغرب بدعم من المجتمع الدولي، وخيار إبقاء الوضع الحالي كما هو عليه مع ما يشكله من عرقلة أمام البناء المغاربي، وهو الخيار الذي تتشبث به الجزائر و«البوليساريو».