عدم التقيد بالقوانين وتنفيذها يعد من الأعطاب التي تعرقل مواصلة مسلسل الإصلاحات في المدينة. اذ ان بقاء السلطات القضائية والإدارية في موقف المتفرج، إزاء ظواهر وتجاوزات متعددة، يؤثرا سلبا على نفسية اليحياويين، بل يزرع ويغذي روح التشكيك لديهم... مسألة الاحتلال العشوائي للملك العمومي هي واحدة من هذه المظاهر التي تؤرق المواطنين، وتسائل ضمير من أسندت لهم مسؤولية السهر على سلامة تطبيق القوانين. في مناسبات كثيرة،و تابع المواطن اليحياوي بعض حملات ضد احتلال الملك العمومي، قادتها السلطات الادارية و الجماعية والأمنية، بيد أن الوقائع أكدت أن هذه الحملات لم تخرج عن كونها موسمية ووسيلة لدر الرماد في عيون المحتجين والمستاءين من تفشي ظاهرة الاحتلال... وفي كل مرة نسم يتكرر طرح السؤال التالي: لمصلحة يدوسون على منظومة القوانين المتعلقة بحماية الملك العام؟ وما الجدوى من وضع قوانين لا تحترم؟... فبعدما عرف الشارع الرابط بين مدرسة علي ابن أبي طالب ومسجد القدس حوادث سير مميتة حصدت خلالها ثلاثة أرواح . ومن خلال استقراء الآراء والتواصل مع المواطنين تبين أن ساكنة سيدي يحيى الغرب على العموم تطالب بالإسراع إلى وضع علامات ممنوع الوقوف بعدد من الأماكن، ومن بينها الشارع المذكور الذي يحتاج إلى منع السير به في أحد الاتجاهين أو منع الوقوف به في الإتجاهين لتفادي الزحام ، كما تطالب بالتدخل العاجل لإيقاف مرور عشرات من الشاحنات ذات الوزن الثقيل يوميا من نفس الشارع. وذلك من أجل إنقاذ أرواح كل سكان سيدي يحيى الغرب من خطر الموت الذي يتابعهم يوميا بسبب تهور سائقي الشاحنات والسرعة المفرطة لأصحاب الدراجات النارية. ريتما يتم تحرير الحديقة العمومية ومحيطها من الإحتلال كليا من طرف الباعة الجائلين. غير أن اللافت للانتباه أن ساكنة الحي المجاورين للحديقة العمومية والسوق العشوائي لهم آراء متباينة فمنهم من يتحمل على مضض حركة الصخب والضوضاء اليومية والتي تتخللها شجارات وكلام ناب، وروائح مخلفات الأزبال التي تتراكم على مقربة من أبواب منازلهم، فبالنسبة لهم هذا الإزعاج من ورائه ربح وفائدة كبيرة بالنسبة لهم خاصة من حيث ارتفاع أسعار السومة الكرائية للدكاكين التي يمتلكونها . بينما عبر آخرون من نفس الحي عن سخطهم وامتعاضهم الشديدين لتواجد هذه الأسواق بالمقربة من منازلهم ، لذا طلب أصحابها القضاء على هذا المولود المشوه للمدينة والذي جاء نتاج علاقة غير شرعية وولادة غير طبيعية من رحم الجهات المسؤولة و المؤسسات المنتخبة و غير المنتخبة مضيفين أن الطريقة التي تحاول بها السلطات وضع حد لظاهرة الباعة المتجولين تفتقد النجاعة . وفي نفس السياق أوضح أحد الباعة المتجولين أنهم ليسوا ضد مغادرة هذا المكان المجاور للحديقة العمومية ، وإنما يريدون من السلطة المحلية والمنتخبة إيجاد بديل يحميهم من الضياع والتشرد، خاصة أن العديد من الباعة المتجولين ''الفراشة'' قضوا بالساحة ما يزيد عن 5 سنوات ، وفيهم مجازون وأرامل ومطلقات... ويكمن البديل، حسب نفس البائع المتجول، في إقامة سوق نموذجي حقيقي يتجاوز التجارب الفاشلة التي عرفتها سيدي يحيى الغرب، أو إقامة أكشاك على طول صور إعدادية جابر بن حيان وابن زيدون . فيما اقترح بائع متجول آخر التعجيل بفتح السوق المركزي الذي صرفت من أجله أموال طائلة دون جدوى ، بالإضافة إلى بناء أكشاك داخل الحديقة المجاورة لقيادة عامر الشمالية وهكذا سيتفيد الباعة من مكان مريح ، وتستفيد البلدية من تأدية الرسوم. وتقول إحدى النساء وهي تاجرة متجولة مطلقة بأربعة أطفال، انقطعوا عن الدراسة بسبب الفقر. إنها تزاول التجارة «الفراشة» هنا وهناك منذ سنوات، ومنها تؤدي ثمن استئجار الزريبة الذي تكتريها من أجل السكن رفقة أطفالها، كما تؤدي عن طريق «الفراشة» أقساط سلفات صغرى تحاول بواسطتها تطوير تجارتها البسيطة. وتساءلت المسكينة عن مصير أطفالها بعد منعهم من الحديقة العمومية وكيف ستوفر لهم قطعة خبز؟...وما مصير هؤلاء الباعة الجائلين بل الجائعين و المعيلين لأسرهم.؟ أما هذه التصريحات لم يبق أمام الجهات المسؤولة والمجلس البلدي إلا تنظيم المجال ، وتوفير حلول بديلة و مستعجلة وفق مقاربة تشاركية تراعي إشراك كل الفاعلين وكل المتدخلين المعنيين بالظاهرة من باعة جائلين و تجار وفاعلين جمعويين وحقوقيين وسلطات أمنية وأجهزة منتخبة ووسائل إعلام محلية و كل من له غيرة على المدينة ،بغية تحقيق كل الأهداف المشتركة و المتمثلة في تحرير الملك العمومي من جهة والحفاظ على جمالية المدينة ورونقها من جهة أخرى. وإلا فقنبلة موقوتة على وشك الانفجار، لأن الإنسان قد يصبر على الجوع والعطش لكنه لا يصبر على انقطاع الرزق و مورد عيش الابناء، و هنا وجب دق ناقوس الخطر وإنذار كل الجهات المسؤولة بضورة ايجاد الحلول العاجلة ولو مؤقتا لسد الرمق و التنفيس من حدة الاحتقان الاجتماعي والشعور بالظلم والحكرة ، في أفق إيجاد حلول و بدائل عملية تغنيهم عن السؤال و الحاجة . وفي حالة العجز على المجلس البلدي إصدار قرار تنظيمي بالسماح للباعة الجائلين مزاولة عملهم في جميع أرجاء المدينة . فالقانون الواقعي والمكتوب يعتبر أن الاستعمال الجماعي هو الأصل في الاستعمالات التي يكون الملك العمومي موضوعا لها. وترى الدراسات القانونية «أن طبيعة الملك العمومي لا تتوافق من الناحية المبدئية إلا مع وضعه رهن تصرف العموم. فالملك العمومي ضروري للحياة داخل المجتمع، بحيث لا يمكننا تصور هذا الأخير بدون طرق عمومية وشواطئ عمومية، ومساحات عمومية وحدائق عمومية وأنهار عمومية الخ...». بخصوص ضمان الاستعمال الجماعي، تؤكد القوانيين، التي من المفترض أن تكون سارية المفعول ومفعلة، على أن الإدارة مطالبة بحماية الملك العمومي من كل تجاوزات، وفي حالة التقاعس، فإن لكل مواطن الحق في متابعتها قضائيا بسبب المسؤولية التقصيرية... وفي مواد قانون الميثاق الجماعي، نقرأ أن رئيس المجلس الجماعي يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وتدبير الملك العمومي، عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية، وبواسطة تدابير شرطة فردية، هي الإذن أو الأمر أو المنع. وحسب ما تنص عليه مقررات المجالس، يسمح لكل من يستغل الملك العام، وفي إطار قانوني، ألا يتعدى الثلث من المساحة التي تفصل كل محل معني بالشارع العام، ضمانا لحق الراجلين. ترى، هل هذه القوانين هي ما يطبق على الأرض، أم أن الكلمة، فيما ما نعيش و نعاين من فوضى واحتلال للملك العمومي، تبقى لقوة النفوذ والرشوة ولنزوات الحملات الانتخابية؟.