ما حدث قبل و أثناء انتخاب رئيس المجلس الجماعي لمدينة وجدة يستحق أكثر من توضيح خصوصا و أن بعض الأفواه انتهزت الفرصة لإطلاق العنان لكثير من اللغط و الأدعاظات و الافتراءات . يعلم الجميع النتائج التي حملتها صناديق الإقتراع للرابع من شتنبر الماضي حيث بوأت حزب الأصالة و المعاصرة المرتبة الأولى بيد أن حزب العدالة و التنمية حصل على الرتبة الثانية في حين حصلت لائحة حزب الإستقلال على الرتبة الثالثة بفارق مهم على كل حال مقارنة مع ما حصلت عليه اللائحتان . و كان من الطبيعي أن تنطلق المشاورات بين الفرقاء السياسيين لتشكيل المكتب الجديد للمجلس ، و حدث أنه وقع تزامن في هذه المشاورات مع انتخاب رؤساء المجالس الجهوية في مجموع التراب الوطني لأن انتخابات المجالس الجهوية جرت في نفس اليوم . و هي مشاورات عادية بل ضرورية جرت في مجموع التراب الوطني و شاركت فيها جميع التشكيلات السياسية حتى تلك التي فازت بأغلبيات مريحة في بعض الجماعات بسبب أن المشاورات شملت انتخابات المجالس الجماعية و المجالس الجهوية . و بالنسبة للمجلس الجماعي لمدينة وجدة وقع الإتصال أولا بين حزب الإستقلال و حزب العدالة و التنمية و توصلا الطرفان إلى اتفاق مبدئي يقضي بمنح الرئاسة لحزب الإستقلال مع أربع نيابات ،و كان هذا الإتفاق الذي حصل بين مسؤولين حزبيين محليين يستوجب مصادقة الأجهزة الحزبية المركزية ،و في هذه المرحلة جرت مناقشات و مداولات مستفيضة في شأن التحالف الجديد و مالت القيادة الحزبية المركزية إلى ضرورة التمسك بالخط السياسي للحزب المنتمي للمعارضة السياسية و بذلك فإنه وقع ترجيح كفة التحالف مع حزب الأصالة و المعاصرة الذي خاطبت قيادته الأمانة العامة لحزب الإستقلال في هذا الصدد ، و رغم أن الأجهزة الحزبية الإستقلالية المحلية في وجدة لم تستسغ هذا الترجيح و عبرت عن رأيها في أن التحالف مع العدالة و التنمية سيكون أكثر نفعا و أكثر متانة و قوة إلا أن هذه الأجهزة خضعت للقرار المركزي و أكدت انضباطها ، و كان الإتفاق الجديد مع حزب الأصالة و المعاصرة ينص على أن يصوت مستشارو الأصالة و المعاصرة بالمجلس الجماعي لوجدة لصالح المرشح الإستقلالي للرئاسة و التزم رئيس حزب الأصالة و المعاصرة في جلسة رسمية بذلك على أن يحصل مستشارو الأصالة و المعاصرة على أربع نيابات و في المقابل يصوت المستشارون الإستقلاليون بالمجلس الجهوي بالجهة الشرقية على مرشح الأصالة و المعاصرة ، و لعل الذين يتشدقون بالقول بأن حزب الأصالة و المعاصرة منح الرئاسة في وجدة لحزب الإستقلال يخفون هذه الحقيقة التي تستند على معادلة بسيطة أفضت إلى فوز حزب الإستقلال برئاسة المجلس الجماعي بوجدة بفضل أصوات النستشارين الجماعيين للأصالة و المعاصرة و إلى فوز حزب الأصالة و المعاصرة برئاسة المجلس الجهوي للجهة الشرقية بفضل أصوات المستشارين الجهويين الأستقلاليين . و بذلك حينما يدعي البعض بأنه منح الرئاسة لحزب الإستقلال بوجدة يحق للإستقلاليين أن يردوا بالتذكير بأن حزب الأصالة و المعاصرة ما كان ليفوز برئاسة المجلس الجهوي للجهة الشرقية لولا أصوات المستشارين الجهويين الاستقلاليين . الفرق الوحيد ربما هو أن المستشارين الاستقلاليين يوفون عهودهم إلى الآخر بنما يفضل البعض الآخر اللعب بذيله - إن مان له ذيل - في قضية مصيرية تهم الوفاء بالالتزام . و فعلا بدأت المشاورات التي كانت شاقة و متعبة مع أشخاص لا يقدرون جيدا العمل الجماعي بقدرما يضعون مصالحهم الشخصية كأولوية الأولويات إذ بالنسبة إليهم فتنمية وجدة و تطوير بنياتها و خدمة المواطن الوحدي تهون تماما أمام الحصول على نيابة تضمن بعض الامتيازات المادية ، و مع كل ذلك و رغم عدم وفاء المسؤولين المحليين لحزب الأصالة و المعاصرة بالتزاماتهم و عدم انضباطهم لقرار رئيس حزبهم حاول المسؤولون الاستقلاليون في وجدة ضبط النفس و قبلوا بالتنازل عن نيابتين لفائدة مستشاري الأصالة و المعاصرة بحيث يحصل الفريق الاستقلالي على نيابتين فقط و تم الاتفاق على هذا الأمر بشكل نهائي و ذهب كل فريق يرتب أموره الداخلية . و ما كان المسؤولون الاستقلاليون يتصورن لحظة واحدة أن مستشاري الأصالة و المعاصرة يحضرون لمؤامرة خبيثة جدا لا يمكن أن تصدر عن شرفاء ، و بدت معالم هذه المؤامرة بتسخير بعض الأشخاص لرفع شعارات معينة أمام مقر البلدية و انكشفت المؤامرة حينما تقدم مستشارو الأصالة و المعاصرة مباشرة بعد انتخاب الرئيس بلائحة لنواب الرئيس و كاتب المجلس مغايرة تماما لما تم الاتفاق عليه ، و كان من الطبيعي أن تفجر هذه الخطوة الاجتماع برمته لأنها تكشف حجم الخبث و المكر و الخديعة ، إذ تبين بالمكشوف أن حزب الأصالة و المعاصرة فاز برئاسة المجلس الجهوي للجهة الشرقية بفضل التزام المستشارين الجهويين الاستقلاليين بالتصويت لفائدة مرشحه ، و لم بعد يهمه الوفاء بما تبقى من التزامه لذلك لا بأس في حبك سيناريو جديد يجعل رئيس المجلس الجماعي رهينة في يد أشخاص معينين يعرف الرأي العام في منطقة وجدة تفاصيل ممارساتهم . و طبعا لم يكن مقبولا و لا منطقيا و لا مستساغا أن يقبل حزب الاستقلال بهذا النكوص و طالب مستشاروه بتوقيف الاجتماع للحظات وجيزة للبحث في هذا التطور الخطير إلا أن حابكي المؤامرة رفضوا توقيف الإجتماع و ليس تأجيله كما ادعى البعض و أصروا على إتمام المؤامرة إلى آخرها . و بما أن الرئيس المنتخب أصر على رفع الاجتماع لهنيهات قصيرة و غادر قاعة الإجتماع فإن إصرار أصحاب المؤامرة كان أقوى و قاموا بتعيين شخص من ضمن الحاضرين بدعوى أنه الأكبر سنا و استمروا في الاجتماع بحضور الكاتب العام للولاية الذي زكى خرق القانون و هو أعلم الناس أن الأكبر سنا يرأس فقط بداية الإجتماع قبل انتخاب الرئيس أما حينما ينتخب الرئيس فلا يمكن لأي شخص أن يترأس اجتماعا ما للمجلس الجماعي إلا بتفويض من الرئيس نفسه ، و الحقيقة أن موقف سلطات الوصاية في هذه الحالة طرح أكثر من علامة استفهام و يؤشر على تواطئ ما . بعد كل هذا لم يكن من بد أمام المسؤولين الاستقلاليين بوجدة غير الالتجاء إلى القضاء للطعن فيما زكته سلطات الوصاية من خرق سافر للقوانين و الأعراف و ينتظرون بشغف كبير أن يحسم القضاء في هذه النازلة آملين أن يترك للقضاء وحده الحسم فيما حدث .